شعار قسم مدونات

البروفيسور.. سارق أم ثائر في "بيت الورق"!

blogs مسلسل بيت المال

خط رفيع يفصل بين المخرب والثائر، بين السارق والثائر، وعندما تشاهد المسلسل الأسباني "بيت الورق" (La Casa de papel)؛ ستدرك هذا الخط الفاصل في طريقة تفكير الـبروفيسور، وهو العقل المدبر لعملية السرقة التي تدور حولها أحداث المسلسل المكون من موسمين فقط.

 

يبدأ المسلسل بالبروفيسور وهو يجمع مجموعة من السارقين السابقين، والذين وصلت حياتهم إلى طريقا سد ليس له مخرج، مطلوبين من الشرطة، مقاطعين لأهلهم، ليس لديهم شيء يخسرونه، وهذا ما جعلهم مستعدين لتنفيذ خطته العبقرية، والتي عاش ما يقرب من 10 سنوات؛ يضع خطواتها يوما بعد يوم، ويغطي كل الثغرات واحدة تلو الأخرى، وكان عليه أن يكون مستعدا لأي مفاجأة.

 

في البداية وأنت تشاهد المسلسل ستظن أن تلك عصابة تقليدية، تخطط لسرقة بنكا مركزيا مكلفا بطباعة الأموال في إسبانيا، ولكن بعد الحلقة الثانية ستجد أن هناك هدفا آخر غامضا وراء تلك العملية، والتي تتحول أمام عينك حلقة تلو الأخرى من عملية سرقة إلى نضال سياسي ضد الحكم والشرطة، ودون أن تشعر ستجد نفسك تقع في غرام تلك العصابة التي سطت على البنك وهم يرتدون قناعا لوجه سلفادور دالي، واحتجزوا ما يقرب من 70 رهينة ولكن القاعدة الأولى التي علمها لهم البروفيسور هي: لا يجب أن يموت أي أحد من الرهائن على الإطلاق.

 

البروفيسور يؤكد لفريقه أن طباعة الأوراق المالية خارج الميزانية الخاصة للدولة، تتم طوال الوقت لصالح بعض رجال الأعمال ومقابل بعض المصالح والرشاوى، فما الفرق بين فريقه ورجال الأعمال
البروفيسور يؤكد لفريقه أن طباعة الأوراق المالية خارج الميزانية الخاصة للدولة، تتم طوال الوقت لصالح بعض رجال الأعمال ومقابل بعض المصالح والرشاوى، فما الفرق بين فريقه ورجال الأعمال
 

القاعدة الثانية هي ألا يعرف أحد من العصابة اسم الآخر ولذلك كانوا يختارون أسماء بلاد مثل برلين، وطوكيو، وريو، ودنفر أما عن العقل المدبر للعملية فهو البروفيسور، والثغرة التي لم يحسب لها البروفيسور حسابا هي أن يقع في الحب خلال السبعة أيام الخاصة بعملية السرقة واحتجاز الرهائن. والأهم من ذلك هو أنه يقع في غرام الشرطية التي تتفاوض معه لإطلاق سراح الرهائن، وأن تقع هي الآخرى في حبه، وتظل كمشاهد في انتظار اللحظة التي ستدرك فيها أن هذا الرجل الذي وقعت في حبه بعد سنوات طويلة من الوحدة؛ هو نفسه الرجل الذي خطط للعملية التي أثارت الجدل والرأي العام في إسبانيا، فهل ستسلمه للشرطة، أم ستدافع عنه وتقف بجواره؟

 

البرفيسور لديه وجهة نظر اقتصادية ثورية، وهو متأكد أنه لن يسرق أحدا، لأن فريقه لم يأخذ فلوس شخص من بنك ما، بل هم احتجزوا الرهائن طوال هذا الوقت، وماطلوا الشرطة؛ من أجل طباعة مالا جديد لا يخص أحدا داخل هذا البنك، وبهذا يكون كل الفريق حصل على ملايين دون أن يسرقوا شخصا واحد.

 

البروفيسور يؤكد لفريقه أن تلك الطباعة المالية خارج الميزانية الخاصة للدولة، تتم طوال الوقت لصالح بعض رجال الأعمال ومقابل بعض المصالح والرشاوى، فما الفرق بين فريقه ورجال الأعمال ورجال الحكومة الذين يشاركون في عمليات طبع الأموال دون أن يدري عنها أحد.

 

الإنتصار لهذا الفريق الثائر مضمون، ولكن كأي ثورة هناك ضحايا والضحايا سيكونون في صفوف الثوار وليس الرهائن
الإنتصار لهذا الفريق الثائر مضمون، ولكن كأي ثورة هناك ضحايا والضحايا سيكونون في صفوف الثوار وليس الرهائن
 

"أنظروا.. أنها مجرد ورق" يقولها البرفيسور وهو يقطع ورقة مالية أمام أعين المشاهد، هذا مجرد ورق، حيلة اخترعتها الحكومات -من وجهة نظره- للتحكم في الشعوب وحتى تسود الرأسمالية العالم، وفجأة في أخر حلقتين من المسلسل تتغير نظرتك لتلك الفرقة السارقة، ولا تستطيع أن تحدد مشاعرك تجاههم، هل هم سارقون أم ثائرون؟، لماذا كل واحد منهم مستعد للموت من أجل رفيقه في تلك العملية، تلك ليست أخلاق سارقين!

 

المسلسل من إنتاج شبكة نيتفلكس وعرض خلال عامي 2016 و2017، وتسيطر على المسلسل أجواء حالمة ويأخذ صناع المسلسل موقفا غير محايد ضد الشرطة والأنظمة الحكومية، ولذلك، الانتصار لهذا الفريق الثائر مضمون، ولكن كأي ثورة هناك ضحايا والضحايا سيكونون في صفوف الثوار وليس الرهائن، فكل الفريق سيراعي القاعدة الأولى التي علمها لهم البرفيسور أو ملاكهم الحارس كما وصفته طوكيو، وهي ألا تقع أي جثت من صفوف الرهائن، وعلى الرغم من ضحايا الفريق الذين ستبكي من أجلهم فإن النهاية ستكون سعيدة، هذا أمر لا شك فيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.