ما أثار حفيظة المواطنين وزاد من استيائهم تجاه هذا القرار كونه صدر بعد قيام سيادته بشراء طائرة خاصة له بقيمة 50 مليون دولار؛ 30 مليون دولار حصّلها من أموال الصندوق القومي الفلسطيني، والعشرون الباقية تم توفيرها من ميزانية السلطة الفلسطينية، مع العلم أن موازنة السلطة تبلغ قرابة 408 مليار دولار، 70 بالمئة منها يأتي من الضرائب والمقاصة والرسوم الداخلية.
أليس من المثير للسخرية، وربما الضحك أيضا، أن يمتلك رئيس دولة محتلة طائرة خاصة به يقضي من خلالها شؤونه، في ظل عدم امتلاك دولته لمطار باسمها!! |
هذه الخطوة جعلت المواطنين يُقرون قطعا بعداء الرئيس لهم ووضعهم على قائمة المذنبين والذين يجب عقابهم بشتى السبل، خاصة أنها جاءت بعد أشهر من الخصومات المالية لأكثر من 30 بالمئة من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة أبريل الماضي دون الضفة، بحجة الأزمة المالية والانقسام الداخلي، أضف لذلك رواتب الأسرى المقطوعة وأصحاب الشؤون الاجتماعية وموظفي غزة المقطوعة رواتبهم منذ عام 2014.
إذا كانت السلطة تملك أموالا بخزينتها وتفرض الضرائب من جديد على شعبها في ظل حصار خانق استمر أكثر من أحد عشر عاما، بل وتقوم بشراء طائرة خاصة بتلك الأموال، فهو أمر يثير الريبة ويشكك في ماهية المحاصر للقطاع وأهله. ومع إعلان فشل عملية المصالحة مؤخرا، واليأس مجددا من التقاء شقي الوطن، وحل مشكلة القطاع وأزماته المتعددة من معابر وكهرباء ورواتب ووقود وعالقين "مرضى وطلاب" وأزمات أخرى بيئية واقتصادية، وتخوف كبير من تبعات ذلك الأمر وإعلان حرب جديدة على القطاع، يفكر سيادته بمصلحته دونما مصلحة العوام المستأمن عليهم. كان بإمكانه كسب الفعل الحسن بحق شعبه وتسخير تلك الأموال التي جاءت من جيب الشعب ذاته لخدمة الشعب، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار عمر الرئيس وختام أعماله بما يُذكر لصالحه، لكن يبدو أنه يأبى ذلك بإرادته.
وبالرغم من اشتداد حدة المعاناة وتفاقمها ومراهنة البعض على اقتراب انفجار المواطنين في قطاع غزة، إلا أن الحملات التكافلية التي أطلقها أبناء القطاع مثل حملة "سامح تؤجر" شكلت التفافا شعبيا من قبل الشعب لذاته، وأعطت تلك الحملات انطباعا عن طبيعة هذا الشعب الذي ما اشتدت الشدائد عليه إلا وابتدع في مواجهتها بالالتفاف واللحمة والتآزر؛ مما يضيع الكثير من الفرص على المتآمرين، والعودة للوراء خطوات طويلة.
فالضربة التي لا تقتل تزيد من قوة وإرادة متلقيها، بخلاف موجهها الذي أصابه التعب والانتكاس لفشل ضربته، وهكذا غزة مع محاصريها التي تصنع على عين من الله.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.