شعار قسم مدونات

الطائرة له والحصار عليهم

Palestinian President Mahmoud Abbas attends a meeting with Germany's Foreign Minister Sigmar Gabriel in the West Bank city of Ramallah January 31, 2018. REUTERS/Atef Safadi/Pool
مجموعة من الضربات يوجهها عباس لشعبه في قطاع غزة في سبيل تشكيل ضغط شعبي لثني حركة حماس في القطاع، وكأنها العدو الذي احتل فلسطين وجعل من القدس عاصمة لها. وآخرها حتى اللحظة تمثل في إصداره مرسوما رئاسيا يقضي بإعادة تفعيل تحصيل الضرائب على قطاع غزّة، وفي ذلك إلغاء للقرار الرئاسي رقم 18 الصادر عام 2007 الذي يعفي كافة المواطنين في المحافظات الجنوبية من دفع الضرائب والرسوم.

ما أثار حفيظة المواطنين وزاد من استيائهم تجاه هذا القرار كونه صدر بعد قيام سيادته بشراء طائرة خاصة له بقيمة 50 مليون دولار؛ 30 مليون دولار حصّلها من أموال الصندوق القومي الفلسطيني، والعشرون الباقية تم توفيرها من ميزانية السلطة الفلسطينية، مع العلم أن موازنة السلطة تبلغ قرابة 408 مليار دولار، 70 بالمئة منها يأتي من الضرائب والمقاصة والرسوم الداخلية.

أليس من المثير للسخرية، وربما الضحك أيضا، أن يمتلك رئيس دولة محتلة طائرة خاصة به يقضي من خلالها شؤونه، في ظل عدم امتلاك دولته لمطار باسمها!!

هذه الخطوة جعلت المواطنين يُقرون قطعا بعداء الرئيس لهم ووضعهم على قائمة المذنبين والذين يجب عقابهم بشتى السبل، خاصة أنها جاءت بعد أشهر من الخصومات المالية لأكثر من 30 بالمئة من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في غزة أبريل الماضي دون الضفة، بحجة الأزمة المالية والانقسام الداخلي، أضف لذلك رواتب الأسرى المقطوعة وأصحاب الشؤون الاجتماعية وموظفي غزة المقطوعة رواتبهم منذ عام 2014.
 

وبالرغم من القرار الأمريكي بتعليق مساعداتها للسلطة الفلسطينية عقب إعلانها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل -الأمر الذي شكل أزمة للسلطة الفلسطينية- إلا أن الرئيس قام بعملية الشراء تلك وكأن الظروف مهيأة جدا للصرف من المال العام. لم يحمل سيادته قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان المحتل والبدء في إجراءات نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس محمل الجد كما يبدو من أفعاله، فالأولى ترتيب الأولويات والعمل الجاد من أجل سحب الاعتراف، وكذلك الحصول على اعتذار رسمي بحق القدس وفلسطين. أو ربما غفل الرئيس عن مؤامرة صفقة القرن التي تحاك في دهاليز الإدارة الأمريكية بمساعدة رؤساء بعض الدول العربية من أفكار ماكرة وأموال يتم جبايتها بظلم كما يحدث في السعودية، وحادثة اختطاف الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بفندق "ريتز كارلتون".
 
إذا كانت السلطة تملك أموالا بخزينتها وتفرض الضرائب من جديد على شعبها في ظل حصار خانق استمر أكثر من أحد عشر عاما، بل وتقوم بشراء طائرة خاصة بتلك الأموال، فهو أمر يثير الريبة ويشكك في ماهية المحاصر للقطاع وأهله. ومع إعلان فشل عملية المصالحة مؤخرا، واليأس مجددا من التقاء شقي الوطن، وحل مشكلة القطاع وأزماته المتعددة من معابر وكهرباء ورواتب ووقود وعالقين "مرضى وطلاب" وأزمات أخرى بيئية واقتصادية، وتخوف كبير من تبعات ذلك الأمر وإعلان حرب جديدة على القطاع، يفكر سيادته بمصلحته دونما مصلحة العوام المستأمن عليهم. كان بإمكانه كسب الفعل الحسن بحق شعبه وتسخير تلك الأموال التي جاءت من جيب الشعب ذاته لخدمة الشعب، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار عمر الرئيس وختام أعماله بما يُذكر لصالحه، لكن يبدو أنه يأبى ذلك بإرادته.
  

الضربة التي لا تقتل تزيد من قوة وإرادة متلقيها، بخلاف موجهها الذي أصابه التعب والانتكاس لفشل ضربته، وهكذا غزة مع محاصريها التي تصنع على عين من الله
الضربة التي لا تقتل تزيد من قوة وإرادة متلقيها، بخلاف موجهها الذي أصابه التعب والانتكاس لفشل ضربته، وهكذا غزة مع محاصريها التي تصنع على عين من الله
 
لكن، أليس من المثير للسخرية، وربما الضحك أيضا، أن يمتلك رئيس دولة محتلة طائرة خاصة به يقضي من خلالها شؤونه، في ظل عدم امتلاك دولته لمطار باسمها!! والأكثر سخرية كون بلاده لا تملك مطارا لها، فقد لجأ إلى ركن طائرته بمطار دولة الأردن الشقيقة ليتمكن من استخدامها متى شاء!! هذه طائرة الرئيس التي جاءت في غير موعدها؛ لذا فهي لم تلق احتفالا كما يجب، فالحصار ما زالت حلقاته مستمرة في الخنق، والوجع لا حد له، والخامس من كل شهر يمثل ميلادا جديدا للألم والمعاناة بصورة متفاقمة تنذر بكارثة تتطلب تدخلا فوريا من قبل الجميع في الخارج، فكيف من هم في منصب المسؤولية من الشعب ولهم الضلع الأكبر فيما يحدث!
  
وبالرغم من اشتداد حدة المعاناة وتفاقمها ومراهنة البعض على اقتراب انفجار المواطنين في قطاع غزة، إلا أن الحملات التكافلية التي أطلقها أبناء القطاع مثل حملة "سامح تؤجر" شكلت التفافا شعبيا من قبل الشعب لذاته، وأعطت تلك الحملات انطباعا عن طبيعة هذا الشعب الذي ما اشتدت الشدائد عليه إلا وابتدع في مواجهتها بالالتفاف واللحمة والتآزر؛ مما يضيع الكثير من الفرص على المتآمرين، والعودة للوراء خطوات طويلة.
 
فالضربة التي لا تقتل تزيد من قوة وإرادة متلقيها، بخلاف موجهها الذي أصابه التعب والانتكاس لفشل ضربته، وهكذا غزة مع محاصريها التي تصنع على عين من الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.