شعار قسم مدونات

وما أدراك ما الورقة البيضاء!

مدونات - انتخابات
إن التململ الحاصل من غالبيّة المواطنين اللبنانيين تجاه الأحزاب الطائفية السياسيّة، وما تعلنه دوما من وعود معسولة، قد أشبع المواطنين الأحياء منهم والأموات، وجعل ثقة المواطن بالتغيير تهتزّ، والتصويت يشكّكُ به. فماذا عن التصويت الاحتجاجي واستعماله كنوع من التعبير الرافض للجهة المنظمة للانتخابات والقانون المعتمد ومشروعيّة الانتخاب؟ وما هي هذه الورقة وهل لها فاعليّة؟ الورقة البيضاء هي طريقة من خلالها يحتفظ المواطن بحقه الانتخابي عبر المقاطعة الإيجابية، فيعبّر المواطن عن رفضه للمرشّحين المقدّمين على المجالس النيابية ورفض القانون المعتمد. فكيف جاء هذا النوع من الاحتجاج؟
        
ظهر أسلوب الاقتراع بالورقة البيضاء أو الملغاة كشكل اعتراضي في القرن التاسع عشر، فبينما قامت الدول الأوروبية بوضع معايير صارمة لتحديد الأوراق المحتسبة كأصوات "صحيحة"، كان كثيرون يقومون بالتعبير جماعيا عن اعتراضهم على المرشحين عبر كتابة عبارات احتجاجية قاسية على الأوراق الانتخابية. ففي دراسة عن انتخابات عام 1881 في فرنسا، وجد باحثان فرنسيان أن نسب الأوراق الملغاة بلغت 20 في المئة في بعض المناطق الفرنسية، وقد احتوت هذه الأوراق على انتقادات لاذعة لجميع السياسيين، كأسلوب اعتراضي على أدائهم وقلّة وفائهم بالوعود التي كانوا يطلقونها أثناء الحملات الانتخابية. ومع الوقت، أخذت هذه الحركة الاعتراضية تشكل مظهرا قانونيا من مظاهر الانتخابات؛ فبدلا من اعتبارها أصواتا ملغاة، بدأت الدول تعتبر الأصوات البيضاء بمثابة امتناع عن إعطاء الثقة لأي من المرشحين. لذلك، أصبح احتساب هذه الأصوات حقا من حقوق المواطن لإحصاء صوته عند رغبته بالمشاركة في العملية الانتخابية من دون إعطاء صوته لأحد المرشحين. وأصبحت لبنان من الدول التي تقوم بإحصاء الأصوات البيضاء في دورات الانتخاب النيابية والبلدية على حد سواء.
         

المقاطعة السلبيّة في الدول النامية
أسلوب الورقة البيضاء منتشر جدا في الدول الديمقراطية، التي تحترم أنظمتها حرية الرأي والشفافية والنزاهة الانتخابية

إن المقاطعة السلبيّة أو عدم النزول للانتخاب بتاتا هو بحدّ ذاته تعبير صارخ عن التشكيك بمشروعيّة الانتخابات نفسها ونزاهتها، وهذه الأخيرة هي الأكثر رواجا في الدول النامية، التي يشكّل فرز الأصوات فيها عملا واضح النتاج، ففي بلد ليس ببعيد، وبالرغم من الاقتتال والحرب الطاحنة فيه، جرت انتخابات "ديمقراطيّة" "فاز" فيها الرئيس بفترة رئاسية ثالثة بأغلبية كبيرة وصلت إلى 88.7 في المئة من الأصوات، حيث حصل على 10 ملايين و319 ألفا و723 صوتا بالرغم من أن عدد المقترعين هو أقل من ذلك. وفي دولة عربيّة أخرى، وقبل أن تهب رياح ما سمّي بـ"الربيع العربي"، حاز الرئيس على نسبة تصويت تجاوزت الـ90 في المئة من الأصوات، وبعد فترة محدودة انتفض عشرات الملايين من المواطنين لإسقاط النظام، فهل يعقل ذلك؟! وفي هذا السياق، باتت الدول النامية أو "الخاضعة تحت سلطات ديكتاتوريّة" تذهب لعدم التصويت بتاتا.

    
"الصوت الاحتجاجي" في الدول الديمقراطية
إلّا أن أسلوب الورقة البيضاء منتشرٌ جدا في الدول الديمقراطية، التي تحترم أنظمتها حرية الرأي والشفافية والنزاهة الانتخابية. ففي انتخابات الأرجنتين النيابيّة عام 2001، فاق عدد الأصوات البيضاء 21 في المئة من إجمالي المقترعين، وذلك كان ردّا واضحا وقتها على الركود الاقتصادي الذي شهدته البلاد، وتأكيدا على عدم اقتناع كثير من المقترعين بالأشخاص المرشحين. بينما شهدت عمليات انتخاب حديثة نسبا أعلى؛ مثل انتخابات كولومبيا الرئاسية، في العام 2014، التي تجاوزت فيها أعداد الأوراق البيضاء 30 في المئة من إجمالي الأصوات.

    
أما في لبنان، ونقلا عن موقع "جنوبيّة"، فقد فسّر محمد شمس الدين الخبير في الانتخابات اللبنانيّة أنّ "تسجيل أيّ موقف اعتراضي في الانتخابات النيابية يتم عبر الاقتراع بالورقة البيضاء، وليس بالمقاطعة والبقاء في المنزل". واعتبر أنّ "المقاطعة هي بمثابة التخلّي عن الدور الذي عليه أن يؤديه المواطن بالمشاركة في الانتخابات"، وأضاف "الورقة البيضاء تساهم في زيادة الحاصل الانتخابي، إذ حينما يتم الاقتراع بهذه الورقة ترتفع نسبة المشاركة في الانتخابات، أي عدد المتقرعين، وبالتالي يرتفع الحاصل".
    

"اللامبالاة" تؤثّر سلبا
من هنا، اللامبالاة في انتقاء المناسبين للانتخاب، وعدم فهم مجريات الأمور السياسيّة، لا يعني بالتالي التوقف عن الانتخاب، فهذا يُشرّع بقاء غير المرغوب بهم من السياسيين، ولا يُشعرهم بالوعي الاجتماعي الرافض لوجودهم. فلتنتخب من تراه مناسبا، أو ارفضهم بإسقاط الورقة البيضاء، وبذلك تكون قد مارست حقّك الديمقراطي بالانتخاب، بدلا من المقاطعة غير المجدية والتي تكون بمثابة موقفٍ سلبي لا يغيّر شيئا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.