شعار قسم مدونات

ثلاث رسائل.. آخر ما كتب الصّغير!

blogs الغوطة

في جيبِ سترته الصّغيرة  وجدوا ثلاثَ ورقاتٍ في كلٍّ منها رسالة ٌقصيرة يبدو أنّه خَطّها بآخر حبر ِقلمه قبل أن يُداهمهم البرميل الأخير، أوصى مسعفه بآخر ما ملَكَهُ من أنفاس أنْ يقُرِأْها ويُسمِعْها العالم، فهاكُم آخر ما كتب الصّغير:

رسالة إلى "الإنسان" من الشعوب العربية

سيدي.. أحيطك علما أن القصف والقتل والتدمير في سوريا لم يبدأ اليوم ولا الأسبوع الماضي! نحن نُقصف ونُقتل ونُذبح ونُحاصر ونُعتقل ونُعذّب ونشرّد وتدمّر بيوتنا وحياتنا منذ سبعِ سنوات! صدّق! منذ سبعِ سنوات كاملات! سبعُ سنوات ونحنُ ندفنُ شهداءنا يوميا بالعشرات والمئات، سبعُ سنوات كاملات بصيفها وشتائها، وليلها ونهارها، والرصاصُ المنهمرُ ما زال يتخيّر خيرةَ شبابنا وشيبَ كِبارنا وقلوبَ أمّهاتنا وضحكاتِ أطفالنا وأجملِ أحيائنا وبيوتنا! سبعُ سنوات كاملات من الألم والدمع والدّم واليتمِ والخوف والتوتر والموت!

أنا لا يهمّني من بدأ ومن السبب -وإن كانت الشمس لا تُغطّى بغربال- كلّ ما يعنيني الآن أني طفل أُقصَف بالبراميل، أُذبح بالسكين، أُخنق بالكيماوي، أضرَب بالمدفعيّة، أُحاصَر وأُجَوع، أُعتَقلُ وأُهجّر، أُرْعَب ويُسلبُ أماني، أُيتّمُ ويُؤخذ أحبابي.! أمَا في هذا ما يُجبر الجميع – أيّا كانوا وأيّا كان تدنّي مستوى إنسانيّتهم- على إيقاف هذا الاعتداء الصّارخ على طفولتي؟!

أيها السادة بمنظّمات المجتمع الدّولي.. أسرعوا فالوقت ينفد، وأهدافه بإبادتنا اقترب من تحقيقها، فأثبتوا لأنفسكم أولا ثم لنا نحن أجيال المستقبل أنكم لستم جزءا من حربنا ولا يدا في دمارنا!

وخُذ مني -يا سيّدي- تنبُّؤي البسيط وادّعِ إنْ شئتَ أنه فاجأك: لن ينتهي الأمر قريبا بسهولة! نحن أطفال سوريا الصّغار ندرك ذلك، خاصة وأنتَ كعادتكَ لا تفعل شيئا إلا الانفعالَ المؤقّت السريع في ما يُشبه انفجارَ البالون: صوت عال قد يُخيف لثانية واحدة فقط، ثم يتلاشى كلّ شيء إلا ضحكاتِ الذين شهدوه!

سيّدي.. قبل أن تُطالبني أن أكون مهذّبا معك فأشكركَ لـهبّتكَ معنا، دعني أذكّركَ أن هبّتكَ لم تنتج شيئا مما يعني أنها لم تُفِدني بشيء! وقبل أن تستسلم كعادتك بحجة الظروف والوضع و.. (وفي داخلكَ تتنفّس الصعداء وأنتَ تتمتم: أجَتْ منك يا جامع!) دعني أنبّهكَ أن هبّتكَ كان يمكن لها أن تكون ذات نفعٍ وخيرٍ لي ولكل أطفال سوريا بل وأطفال اليمن وليبيا والعراق وفلسطين و.. لو أنكَ تُتبعُها بعملٍ حقيقي مفيد وبشكلٍ متدرّج ويدوم! يساهم ولو قليلا في زيادة الوعي وزيادة " الإحساس" عند شريحة أكبر من الناس!

وعلى ذكر الإحساس، هل لاحظتَ كما لاحظتُ أنا أنّ شريحة غير هيّنة ممّن ينتمون للعروبة قد انتُزِعتْ منهم انسانيّتهم وإحساسهم وتطاولت وقاحتُهم حتى جهروا بفرحتهم وانتشائهم بأصواتِ صراخنا وبسفكِ دمائنا وبدمعاتِ عيوننا ويُتم أكثرنا! قل لي أيّها الإنسان العربي الذي تملّكتكَ الفزعة لأجلنا ما فعلتَ مع هؤلاء؟ هل ستتركهم يرقصون على جراحنا وينتشون برائحة شواء لحومنا؟!

رسالة إلى منظّمات المجتمع الدّولي

أيّها السادة: يقولون إنّ التعويل عليكم أنتم لإنقاذنا وإيقاف حِمَمِ الحقد المصبوبة يوميا فوق رؤوسنا، حسنا ربّما أنتم خير من أشباهكم في الوطن العربي، وأكثر قدرة على التحرّكِ والتأثير، حسنا هو ذا الميدان أمامكم، وأدلة مظلوميّتنا واضحة بين أيديكم والظالم معلوم لديكم، فدونَكم ..حرّكوا وأثّروا كما تشاؤون، لكن بالله عليكم أخبروني: كم مليون شهيد يلزمكم لتتحركوا بقوة أكبر؟؟ وكم نهر دم تشترطون أن يسيل حتى تقولوا بكامل قواكم للدبّ والأسد والكلب كفى؟! ويا ترى كم من ثرواتنا يُشبع أمراء حربكم حتى يقولوا لأنفسهم: اكتفينا؟! 

تقلّد أرفع الأوسمة هنا وقلّدها جندكَ الطاغون، فهناك في مزابل التاريخ ليس ثَمَّ إلا أوسمة العار! ومع كل ذلك انتظر، فـلو انتظرتَ دهرا طويلا فـلن ترَ منّا إلا الصبر والثبات والجَلَد والعزم
تقلّد أرفع الأوسمة هنا وقلّدها جندكَ الطاغون، فهناك في مزابل التاريخ ليس ثَمَّ إلا أوسمة العار! ومع كل ذلك انتظر، فـلو انتظرتَ دهرا طويلا فـلن ترَ منّا إلا الصبر والثبات والجَلَد والعزم
 

أيها السادة في منظّمات المجتمع الدّولي: أسرعوا فالوقت ينفد، وأهدافه بإبادتنا ومسحنا من الخارطة الديمغرافية لسكان سوريا اقترب من تحقيقها، فأثبتوا لأنفسكم أولا ثم لنا نحن أجيال المستقبل أنكم لستم جزءا من حربنا ولا يدا في دمارنا!

رسالة إلى قاتلنا

ورغم أنكَ عندي أقل شأنا من أن تخاطبك حروفي، ورغم أني أُدرك ألا مكان لكلماتي في تلافيف عقلك أو شرايين قلبك، إلا أني أكتب لأقول لك: اطمئن، لقد حقّقتَ هدفكَ وبقيت! لكن بُشراك: الوطن فارغ إلا من حثالة أتباعك! صدّقني أنا أستغرب: ألم يدرّسوكَ في صغرك أنّ البقاء والدّوام لله وحده؟! افْرح لقد سحقتَ معارضيك! ولكن أهنّئك لقد كسبتَ عداوة واحتقار حتى مناصريك! ارقص الآن كثيرا على نغمات آهاتنا، فمقامكَ في قعر جهنّم -مع فرعون وهامان وأبي لهب- ليس فيه مجال للرقصَات! تقلّد أرفع الأوسمة هنا وقلّدها جندكَ الطاغون، فهناك في مزابل التاريخ ليس ثَمَّ إلا أوسمة العار! ومع كل ذلك انتظر، فـلو انتظرتَ دهرا طويلا فـلن ترَ منّا إلا الصبر والثبات والجَلَد والعزم على بناء وطننا من جديد في مستقبل نثق أنه سيأتي وأنتَ مجرد حكاية من التاريخ، كحَكَايا فرعون وجنكيز والتتار، حَكَايا آلمت زمنا لكنها أعقبت نصرا وخيرا ومجدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.