شعار قسم مدونات

اغتيال المعارضين في مصر.. علاء محيي الدين نموذجا

blogs اغتيال

تحرص الأنظمة القمعية على رواية وتفسير الأحداث السياسية بما يخدم أهدافها ويشوه خصومها، ففي مصر على سبيل المثال كثيرا ما يدندن سدنة النظام العسكري الحاكم حول أن التيارات الإسلامية هي من أدخلت البلاد دوما في دوامات عنف. ونجح هؤلاء إلى حد كبير في تقديم تاريخ مُنمط يطغى على الحقائق، ويتجاهل ممارسات السلطة، حتى صار معظم المصريين لا يدرون أن أحداث تسعينات القرن الماضي تفجرت عقب اغتيال جهاز أمن الدولة للمتحدث الإعلامي باسم الجماعة الإسلامية د. علاء محيي الدين عاشور عام 1990.

 

دور القمع في تحول الجماعة للعنف

نشأت الجماعة الإسلامية مطلع السبعينات كحركة اجتماعية في الوسط الطلابي، ولم تسع للمواجهة مع نظام السادات، والذي بدأ يبطش بها بعد بضعة سنوات من تأسيسها عقب محاولتها نقل أنشطتها من داخل أسوار الجامعة إلى الشارع ، فسقط أول شاب من عناصرها-عنتر كمال- على يد الشرطة عام 1979 أثناء فض الأمن لمظاهرة بأسيوط نُظمت اعتراضا على استضافة السادات لشاه إيران، ومن ثم تلاحقت المضايقات الأمنية للجماعة من حل لاتحاد الطلبة بالجامعات، واعتقال عدد من القيادات الطلابية، مما دفع قيادات الجماعة للتقارب مع بعض المجموعات الجهادية والمشاركة معها في أحداث المنصة وأسيوط عام 1981.

 

عقب اغتيال متحدثها الإعلامي قررت الجماعة أن ترد على عنف النظام، فأصدرت بيانا بعنوان "ومضى عهد الكلام" ثم قامت في 12 أكتوبر 1990 بتصفية رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب وطاقم حراسته

خرج العديد من كوادر الجماعة الإسلامية من المعتقلات بدءا من عام 1984، فاعتمدوا العمل الدعوي العلني في المساجد والجامعات، فضلا عن تقديم الخدمات في المناطق الشعبية، ومدوا نطاق التواجد الجغرافي للجماعة من الصعيد إلى القاهرة الكبرى وبعض محافظات وجه بحري، فتحولت أحياء عين شمس وإمبابة والعمرانية إلى معاقل قوية للجماعة التي بلغ من نفوذها أن صارت أجهزة الأمن تحيل مشاكل المواطنين إلى قادتها لحلها.

 

ومثلت المساجد مرتكزات لنشاط الجماعة، فهي التي تُعقد فيها اللقاءات والندوات والمؤتمرات، وتُوزع عبرها التبرعات، ويُقضى بداخلها في النزاعات بين المواطنين، مما أزعج الحكومة، فدشن وزير الداخلية زكي بدر إثر توليه لمنصبه في مارس 1986 سياسة "حصار المساجد" والتي أسفرت عن اقتحام الأمن لمساجد الجماعة في أسيوط والمنيا وأسوان وسوهاج والقاهرة. وبدأ مسلسل الدم في إبريل عام 1986 إثر قيام شرطي بقتل الطالب بكلية التجارة شعبان راشد أثناء تعليقه إعلانا عن اللقاء الأسبوعي للجماعة بمسجد الجمعية الشرعية بأسيوط، وهو أول قتيل للجماعة منذ أحداث1981. ولم يلبث الأمن في أكتوبر من نفس العام إلا وقتل الطالب بكلية التربية سيد تقي الدين أثناء اقتحام مسجد الجمعية الشرعية بأسيوط، ثم توالت الأحداث لتقتل الشرطة 6 من عناصر الجماعة أثناء اقتحامها لمسجد آدم بعين شمس في أغسطس عام 1988. وبلغت محصلة القمع خلال الفترة الممتدة من عام 1986 وصولا إلى عام1990 اقتحام قرابة 40 مسجدا تابعا للجماعة وقتل 70 من أفرادها. مما دفع عناصر من الجماعة للقيام بمحاولة اغتيال لزكي بدر في ديسمبر 1989 بواسطة سيارة مفخخة لم تنفجر.

 

إقالة بدر واغتيال علاء محيي الدين

أُقيل زكي بدر من منصبه في يناير 1990 إثر نشر جريدة الشعب وقائع اجتماعه بأعضاء هيئة التدريس الجامعي في مدينة بنها، والذي قال خلاله "يجوز للحاكم أن يقتل ثلث الناس في سبيل أن يحيى الثلثين في أمان.. وأنا عاوز أقتل 1% فقط من الشعب" كما وجه أثناء كلامه سبا مقذعا لعدد من الشخصيات العامة والوزراء، مما دفع مبارك لإقالته. وتولي الوزارة بدلا منه اللواء عبد الحليم موسى الذي اعتمد سياسة "الضرب في المليان" ليقتل في أول 3 شهور من عهده 34 عنصرا من الجماعة، وهو عدد أكبر من عدد قتلى الجماعة طوال عهد زكي بدر والذي بلغ 29 قتيلا خلال 4 سنوات.

 

 وسعى موسى للقاء أمير الجماعة الإسلامية الشيخ عمر عبد الرحمن في مكتبه بالوزارة مطلع عام 1990 لوضع حدود تعمل الجماعة خلالها، وقال للشيخ عمر "حينما تتكلمون في الصوم والصلاة نكون معكم، أما إذا تكلمتم في الخلافة الإسلامية، فإن كل منا يسير في طريق، وإننا نؤذيكم ونمنعكم" وفشل اللقاء في الوصول لنتائج. ومن ثم وجه جهاز أمن الدولة تهديدات مباشرة لأبرز قياديين في الجماعة آنذاك: مسؤول قسم الدعوة صفوت عبد الغني، وزميله مسؤول القسم الإعلامي علاء محيي الدين، وهما منحدران من الصعيد. وخيرهما الأمن بين مغادرة القاهرة أو التصفية، وإثر تجاهلهما لتلك التهديدات، اغتيل د.علاء محيي الدين في 2 سبتمبر1990 عبر إطلاق النار عليه أثناء سيره في الشارع بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة، وقد اشتهر د.علاء بأنه شخصية مسالمة ذات خيارات هادئة.

 

أثناء المحاكمة لم يتوان قيادي الجماعة صفوت عبد الغنيعمن الهتاف قائلا:
أثناء المحاكمة لم يتوان قيادي الجماعة صفوت عبد الغنيعمن الهتاف قائلا: "بدأنا بالمحجوب، ولن يهدأ لنا بال حتى نأتي برأس حسني مبارك، وبقية القيادات"
 
الثأر وحقبة المواجهات

عقب اغتيال متحدثها الإعلامي قررت الجماعة أن ترد على عنف النظام، فأصدرت بيانا بعنوان "ومضى عهد الكلام" ثم قامت في 12 أكتوبر 1990 بتصفية رئيس مجلس الشعب رفعت المحجوب وطاقم حراسته وسط القاهرة على كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير. وهز الحادث أركان نظام مبارك الذي ظن لفترة من الوقت أن العملية من تنفيذ مجموعة أجنبية محترفة تابعة للنظام العراقي أو الليبي. ثم عقب أسبوعين تمكن الأمن من الوصول للمنفذين، وتبين أن العملية كانت تستهدف موكب وزير الداخلية عبد الحليم موسى الذي اعتاد المرور من هذه المنطقة أثناء ذهابه من بيته بالدقي إلى مقر الوزارة، ولكن مرور موكب المحجوب جعل المهاجمين يستهدفونه ظنا منهم أنه موكب موسى لتشابه سيارات الموكب وعددها.

 

وأثناء المحاكمة لم يتوان قيادي الجماعة عزت السلاموني عن الهتاف من داخل القفص قائلا "يا علاء يا محيي الدين خدنا بتارك من الظالمين" بينما قال صفوت عبد الغني "بدأنا بالمحجوب، ولن يهدأ لنا بال حتى نأتي برأس حسني مبارك، وبقية القيادات". ودخلت البلاد منذ ذلك الحين في دوامة صراع شرس استمر إلى العام 1997 حين أعلن القادة التاريخيون للجماعة مبادرة لوقف العنف من طرف واحد.

 

هذا السرد التاريخي الموجز يكشف عن أن الجماعة الإسلامية لم تنخرط في مواجهة النظام سوى بعد بطشه بشبابها، وقتله للعشرات منهم دون ذنب أو جريرة، واغتياله لأحد أبرز الشخصيات القيادية المسالمة. مما يؤكد أن الإرهاب المؤسسي الذي يُمارس بواسطة الأنظمة القمعية هو المسؤول الأول عن اندلاع موجات العنف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

أحمد مولانا، الجماعة الإسلامية: استراتيجيات متعارضة، (اسطنبول: المعهد المصري للدراسات، 2018).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.