شعار قسم مدونات

إذا وجد الإخوان وجد العسكر.. لماذا؟

blogs العسكر و الإخوان

آثار طرح ابتعاد الإخوان اختيارياً -كجماعة- عن المشهد السياسي في المقال السابق موجة من التساؤلات، أهمها يتعلق بتناقض الطرح مع فكرة قبول الآخر التي تنادي بها العلمانية التي أؤمن بها، وذهب البعض إليّ أنها دعوة إقصائية، وأن الإخوان كغيرهم لهم الحق في ممارسة السياسة. سأحاول في السطور القادمة الرد على التساؤلات المنطقية والمشروعة، والتركيز على التفاصيل بعد الطرح العام السابق.

 

بداية فالدعوة ليست بحال من الأحوال موجهة إليّ أشخاص بعينهم، حتى قيادات الجماعة منهم، ببساطة الطرح في فكرته الأساسية يتناول فلسفة العمل السياسي بشكل عام، ثم إسقاطه على جماعة الإخوان بصفتها فصيل كبير يضم داخله مئات الآلاف من الأعضاء، ثم أخيراً الصراع الثنائي بينه وبين الديكتاتورية العسكرية، وحتمية وجود الطرف العسكري في ظل طرح الإخوان أنفسهم بالشكل الحالي كحكومة تدعوا إلى دولة إسلامية تحت شعارهم التاريخي "الإسلام هو الحل".

 

العنف هنا أو التهديد به هو غاية المني للدولة التي تمتلك سلاحاً مهولاً، وأجهزة أمنية متشعبة لديها أمكانيات جبارة، ودعم دولي يحقق الغطاء الكافي لدعم مصالحة مع الدولة طالما كان الشعار هو الحرب على الإرهاب

أما لماذا حتمية وجود الطرف العسكري طالما ظل طرح الدولة الإسلامية موجود فهو بكل بساطة لاعتبارات متعددة، أهمها أن الجماعة ككتلة منظمة أجادت السلطة العسكرية اصطياد السقطات التاريخية للجماعة لتخويف المجتمع، بداية من بداية محاولة العمل العنيف باغتيال النقراشي باشا -رئيس وزراء الملك فاروق- او اغتيال القاضي الخازندار في الحقبة نفسها، أو في مرحلة ما قبل الثورة باستعراض شباب الإخوان في جامعة الأزهر فيما عُرف إعلامياً بـ "قضية ميليشيات الأزهر".

 

أو في مرحلة ما بعد الثورة والاشتباكات المحزنة والتي بدأت في مظاهرة ما بعد ال١٠٠ يوم الأولي من حكم الجماعة، تجيد السلطة الديكتاتورية في العموم استغلال نقاط القوة لديها، واستقواء الإخوان بقوة الأنصار نقطة قوة لدى النظام وليس العكس كما يتوهم أنصار الإخوان، القوة بالتأكيد في صالح الدولة العسكرية وملعبها، وهو ما فطنت إليه الجماعة الإسلامية التي مارست العنف في حده الأقصى فعلاً، ثم اكتشفت أنها تقدم خدمة جليلة قد تكون أهم أسباب إطالة عمر مبارك، الذي ما أن انتهت موجة العنف في التسعينات حتى ظهرت الشيخوخة على ملامح دولته وسقطت في سنوات معدودة بمظاهرات عارمة كان العماد الرئيس لها شباب لديهم الرغبة في الحياة في دولة علي الطراز الأوروبي.

 

وإذاً العنف هنا أو التهديد به هو غاية المني للدولة التي تمتلك سلاحاً مهولاً، وأجهزة أمنية متشعبة لديها أمكانيات جبارة، ودعم دولي يحقق الغطاء الكافي لدعم مصالحة مع الدولة طالما كان الشعار هو الحرب على الإرهاب -حتى لو كان من صنع الاستبداد- وعليه فإن جرائم الاغتيالات السياسية أو تهديد الغير بقوة الحشد تكأة كافية يستند عليها النظام العسكري لسحق الجميع أخواناً وغيرهم من معارضيه.

 

وهنا يأتي الرد بأن منهج الإخوان سلمي ومرشدهم قد نطق بها بل ويتندر عليهم البعض بانهم متمسكون بالسلمية بينما قادتهم في السجون، والأمر هنا واضح فيه أن الكلام عن تضخيم السلطة العسكرية التصرفات صدرت فعلاً من الجماعة في الماضي والحاضر، والمسألة ليست مبارزة بالكلمات بين أنصار الفريقين، بل هو صناعة للرأي العام يستغل نقاط قوة لديه يقدمها خصمة بنفسة من وقت للآخر إما بفقدان الأعصاب أمام الضغط عليه، أو بقرار كارثي من الإدارة العليا للجماعة، أو بغرور قوة الحشد أمام قوي سياسية قوتها التنظيمية على مستوى تنظيم أفرادها لا تقارن بالإخوان، فالمسألة هنا منطقية، إذا ما كان الاحتكام للقوة متاحاً، بالتأكيد سينتهي الأمر عند صاحب العضلات الحقيقة -الجيش-.

 

وأنا هنا أضع الصورة من الزاوية الأخرى أمام بعض من يستغرب رعب الآخر من جماعة يعتلي مرشدها منصة أهم اعتصام في تاريخها متحدثاً عن السلمية، هناك من يتخذ القرار الكارثي وهناك من يأخذ القرار وتبعاته ويعرضه بعد إضافة ما يلزم على الحدث ليصل للناس كما يريد.

 

مظاهرة مثلاً ترفع شعار رابعة وصور الدكتور محمد مرسي ثم فجأة تهتف لداعش في شوارع القاهرة نكاية -ربما- في الشعب الذي لم يقدر الاخوان.

 

حلقة على إحدى الفضائيات التابعة -مكملين- يظهر عليها من يسرد تفاصيل عن عمليات قامت بها مجموعة تابعة للدكتور محمد كمال الذي جرت تصفيته علي يد الداخلية، ويتحدث الرجل-د. مجدي شلش القيادي الإخواني- بكل فخر عن أعمال عنف طالما نفتها الجماعة في بياناتها فيلتقطها إعلام النظام كمن وجد كنزاً، وله كل الحق.

 

الأمر هنا واضح، طالما طرحت الجماعة نفسها سياسياً، فالطرف الآخر الذي يقدم نفسه على أنه القادر الوحيد على حماية الناس هو الطرف العسكري صاحب القوة السطوة والذي انتصر على جماعة الإخوان في كل المعارك بلا استثناء دون أن يمثل ذلك مفاجأة لأحد.. المقال القادم بإذن الله نتحدث عن تفصيلة أخرى في الطرح، علنا نجد معاً حلاً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.