شعار قسم مدونات

فقهاء مضلِلون.. عندما أساء الخطاب الديني للدين الإسلامي

blogs خطاب ديني

منذ ولدت وأنا أسمع أن "سوء سلوك بعض المسلمين تسبب بتشويه هذا الدين العظيم"، حتى قرأت الواقع، واطلعت على الكتب، وسمعت الفتاوى، فوجدت ما يلي:

1- القرآن نزل ليفهمه العامة، فجاء بلغتهم وبألفاظهم وتعابيرهم (وإن أعجزهم ببيانه)، وتضمن قصصا وعبرا وأمثالا واضحة، وآيات محكمة مفهومة، فلامس قلوبهم ومشاعرهم، وتوجد -بالتأكيد- بضعة أحكام وآيات تحتاج لعلم وخبرة الفقهاء. لكن جاء من يجعل فهم "الفروض، وأمور الحياة البسيطة اليومية" حكرا على الشيوخ والعلماء، وكأن الدين نزل للخاصة، فأصبح -بين الناس وبين دينهم- حاجز كبير، وأصيب بعضهم بالوسوسة، أو التفلت. وهنا المصيبة الأولى: أنت لن تفقه شيئا وتحتاج لوصاية؛ وكيف ذلك وهو دين الفطرة، وكيف لا يفهمه العربي وقد ولد مسلما ونشأ على تعاليمه، في البيت والمدرسة والشارع؟! ثم يقولون: الإسلام ليس فيه رجال دين ولا كهنوت؟!

2- ولقد كان الرجل يأتي للنبي فيعلمه دينه في عشر دقائق، وبعد مدة يسيرة قد يرسله نائبا عنه ليكون مفتيا، واليوم إذا أراد المسلم التفقه في دينه، والتفرغ له فيحتاج إلى أربع سنوات جامعية، وفوقها ثلاث سنوات ماجستير وفوقها أربعا أو خمسا للدكتوراه، وقد يلازم العلماء، وبعد كل هذا لا يصبح شيئا، ولا يحق له مجرد الإدلاء برأيه في مسألة حذقها وتعمق فيها، فيجبر على نقل آراء القدماء، أو الترجيح بينها!؟ وكثيرا ما يجبر على رأي الجمهور، ولا يحق له نشر مذهب تفرد بفتوى (مثل تزويج المرأة نفسها بلا ولي).

ما زال كثيرون يضللون الناس، ويستهدون بأحاديث ضعيفة في الفتوى، وينشرونها، فيُتلفون بها المودة والمرحمة بين الزوجين، ويُقوُّون طرفا على حساب طرف، وللأسف القوي منهما على الضعيف

3- يقولون لو كان الدين بالعقل، لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهرهما، وصَدَقُوا (فالعبادة حق خالص لله، ولا يعلم الحكمة من ورائها إلاه، ولذلك ضربوا مثلا بفريضة الوضوء). ولكن لا يجوز تسوية فقه المعاملات بالعبادات، لأنها تخضع للإنسانية وللأعراف وتتغير بتغير الأزمان؛ والدليل أنهم: ضمنوا الصناع (حين فرَّطوا)، وسمحوا بأخذ الأجرة على الأذان وتعليم القرآن (لما انشغل الناس بالكسب والمعاش)، ثم نجد أكثر المعاصرين يتشبثون بالقديم، ويجعلون من الإجماع -الذي لم يثبت وقوعه- سدا منيعا بيننا وبين تحديث الفتاوى التي ثبت خطؤها بتقدم الطب والعلوم، والمآلات وتبدل الزمان.

وأكثره في أمور المرأة، حيث اجتهدوا في أمور متنوعة تخصها، ثم ألزمونا بهذا واعتبروه قائما، وأضرب مثلا: "الرجعة في العدة حق للزوج ولا يشترط في صحتها علم الزوجة ولا رضاها ولا علم أهلها". وحين يعترض أحدهم أو يسأل: "أين العدل برجوعها لطليقها وهي رافضه وكارهة، ألا توجد شروط أو استثناءات؟!"، يجيبونه: "هذا سوء أدب مع الله ومع شَرْعه الْمُطهّر الْمُنَزّه عن كل نقص وعيب"، وكأن الله قاله وألزمنا به ثم نحن نعترض على الذات الإلهية وليس على فتوى بشرية!؟

4- وحين يظهر بعضهم للعامة ويحرم أمرا حللته المذاهب الأربعة، ويوحون للناس بأن الأمر محسوم وليس فيه أي خلاف (مثل كشف الوجه). يصمت الجميع، ولا يجدون بأسا (وهم يعلمون أن تحريم الحلال أشد إثما من تحليل الحرام)، وأما حين يكتب أحدهم عن سيئات التعدد الاجتماعية، وعلى ضرورة الاهتمام بمشاعر الزوجة الأولى، والحرص على استقرار الحياة الأسرية الأصلية، يقومون هم عليه لأنه ارتكب جرماً بتنفير الناس من أمر مباح؟! وهكذا: مجرد التنفير حرام، وأما "تحريم الحلال" فمباح!؟ هذا مع العلم والانتباه أنهم طالما نفروا المرأة من كشف ظهرها أو بطنها أمام النساء في الحفلات وهو مباح! فعلام يحق التنفير هنا، ولا يجوز هناك؟!

5- وما زال كثيرون يخفون عن الناس أمورا -خوف الفتنة- ففتنوهم! ويفعلونه مع المرأة تحديدا، فمثلا: حين تسأل عن عورة المرأة على المرأة يخفون عنها أن كشف فخذها جائز عند بعض الفقهاء: "عورة المرأة للمرأة هي السوأتانِ فقط بناء على أن عورة الرجل هي السوأتان، وهو قول في مذهب مالك وأحمد"، والمرأة تمنع منه بين النساء، وخلال العمل المنزلي الشاق، وتحذر وتخوف، وإذا فعلته تُعامل وكأنها اقترفت كبيرة، ثم يتركون الرجل ليخرج بالشورت أمام النساء والرجال.

6- وما زال كثيرون يضللون الناس، ويستهدون بأحاديث ضعيفة في الفتوى، وينشرونها، فيُتلفون بها المودة والمرحمة بين الزوجين، ويُقوُّون طرفا على حساب طرف، وللأسف القوي منهما على الضعيف، فيجعلونها تكره نفسها وتمقت أنوثتها، وتشعر بالغبن والقهر، وتشكك. ولقد وجدتُ أحاديث كثيرة تدعم سلوك العامة، ويُستشهد بها، رغم أنه تم التحقيق فيها، والتحقق من ضعفها، مثل حديث قد غفر الله لك بطاعتك لزوجك، وحديث: لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ: لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَتُوبَ، أَوْ ترجع" فنرى من يستشهد به بكثرة لتقليل حق الزوجة.

يقول الغزالي: خير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد، وأن نختار من أقوال الفقهاء أدناها لكتاب الله وأغيرها على مصلحة الأسرة
يقول الغزالي: خير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد، وأن نختار من أقوال الفقهاء أدناها لكتاب الله وأغيرها على مصلحة الأسرة
 

7- رغم كل ما تمر به الأمة من حب المال والشهرة والتسلط، والكبائر التي تقع فيها من القتل وأكل المال.. ما تزال فتنة المرأة هي سبب كل المعضلات والمشكلات حسب إفاداتهم؛ والعجيب أن المرأة لم تتخل عن الحجاب إلا أوائل القرن التاسع عشر، ورغم ذلك لم تَصْلح البلاد، ولم يستقم العباد، فهل من مدكر يبحث بصدق عن السبب وعن مكامن الفساد، ويكف عن اتهام النساء؟ وما زال الخطيب يوم الجمعة يتحدث عن شروط عمل المرأة، ولا أدري لماذا لا تكون للرجل أيضا شروط حين يعمل، فكل الأعمال أصبحت مختلطة.

8- الفقهاء الأربعة وغيرهم طلبوا أن نرجع عليهم في فتاويهم، وهم أنفسهم غيروا (حين وصلتهم أدلة، أو عاشوا مع الناس وسمعوهم)، ورغم ذلك لا يزال من يقول لك لحوم العلماء مسمومة، وكأنهم هدفنا! ونحن لا نبتغي إلا الصواب والعدل والحقيقة. ولا يزال هناك من الفقهاء من يتشدد خاصة في قضايا النساء، ويعتبر التيسير تساهلا يؤدي بالمرأة إلى التفلت، وأنها لا تستقيم إلا بوجود الولي والمحرم، فإذا غفل عنها فسدت، فهي قاصر!؟ ويعتبر المرأة على النصف في عدة مسائل (وليس فقط بالميراث والشهادة). ومهما تعلمت وترفعت فهي ناقصة، ومهما احتشمت فهي فتنة، وسيئة الطوية، حتى بات الناس يسألون: هل يجوز أكل ما ذبحته المرأة، وإذا حجت عن الرجل هل يقبل حجها؟ وغيره، مما عزز التوجس منها.

9- وحين نطالب بالتجديد (وبشكل أساسي مراجعة بعض الفتاوى الخاصة بالمرأة)، يقولون: تريدون تغيير شرع الله؟! بل نريد إزالة أو تصحيح ما يبدو انتقاصا ولا دليل عليه (مثل تنصيف دية المرأة). وتعديل ما لا يفسر إلا تناقضا: فكيف تجبر الصغيرة على الزواج، ثم تعتبر ناشزا وتضرب إذا لم تستسغ معاشرة الزوج؟ وما سبق مثال، وفي كتب الفقه أمثلة كثيرة ومتنوعة.

ونريد ما قاله الغزالي في كتابه قضايا المرأة: خير لنا نحن المسلمين أن نقتبس من تراثنا ما يصون مجتمعنا ويحميه من نزوات الأفراد، وأن نختار من أقوال الفقهاء أدناها لكتاب الله وأغيرها على مصلحة الأسرة (ص187). وهو ما جاء بكتب الفقه ولم نره على الأرض: يجوز للحاكم أن يأخذ بالرأي الأضعف وإذا أخذه يصبح هو الحكم الأقوى، ولا مانع من اعتماده والإفتاء به تيسيرا على الناس (الزحيلي 7/413).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.