شعار قسم مدونات

فبراير.. سمفونية الإعلانات الكويتية الوطنية

blogs إعلان زين الكويت

دأبت منذ سنوات خلت على متابعة الإنتاجات الكويتية، بدأ ذلك مع برنامج "داوديات" مع داوود حسين، فـ"قرقيعان" ثم "شبابيك" مع حسن البلام وعبد الناصر درويش مرورا بشوجي إضافة لباقات أخرى من المسلسلات والبرامج التي تعرض على قنوات مختلفة في شهر رمضان. ولعل الغريب فيما يخص علاقتي بما سبق ذكره من برامج؛ إعجابي الشديد بمقدماتها -التتر- التي تحفز المشاهد على متابعتها وعدم الملل منها، فتشدك الكلمات التي غالبا ما يصوغ كلماتها ساهر أو الشيخ دعيج الخليفة الصباح وينظم ألحانها مشعل العروج وغيره من الملحنين المبدعين. فكانت تلك بداية تعلقي بكل جديد كويتي الإنتاج.

كان من البدَهي إذا أن تقودك متابعة البرامج والمسلسلات في رمضان على القنوات الفضائية إلى محتوى ثانٍ هو الإعلانات، فتتميز واحدة عن أخرى من حيث الفكرة والإخراج والرسالة المُراد إيصالها والفئة المستهدفة من المشاهدين. وبما أنَ المُعلنين كُثر ومتفاوتون من حيث الهدف من الإعلان وحجم الشركات التي هي على الشاشات تمر لجذب الجمهور لمنتوجاتها، يجد المبدعون مساحات كبيرة للتنافسِ فيما بينهم فيختصرون المشاهد ويوفرون الكلام في ثوانٍ معدودة مع التركيز على الجانب الفني، الذي يحمل في غالب الأحيان الطابع الدعابي الذي تغلب عليه الرموز والإيحاءات، ليخرجوا بإعلان متناسق ومحدد الأهداف -To the point- بلمسة إبداعية.

لعل ما يوحّد إعلانات شركات الاتصالات والأبناك وماركات السيارات العالمية بفروعها في الكويت وغيرها هو تلك الرموز المُضفاة عليها التي تختزل دلالات وطنية وقيمية يجسدها علم الكويت وصور أميرها

ولا يكتمل الحديث عن مشهد الإعلانات الكويتية دون الالتفات لشهر فبراير/شباط حيث يبلغ الاحتفال بالأعياد الوطنية للكويت ذروته. أعياد وطنية لها ما لها من دلالات ومعان كبيرة لدى الكويتيين الذين خبروا الغزو ومرارته طيلة شهور سبعة اختلطت فيها قساوة الاحتلال بشرف الإباء والكبرياء وأمل التحرير الذي تحقق في 26 فبراير/شباط من العام 1991، تنضاف لها ذكرى جلوس أمير الكويت كرمز للوحدة وما تمثله عائلة آل صباح للكويتيين. ولعل الأثر الذي تركته صدمة الغزو في ذكرى من عايشوه جعلت محنته الماضية حافزا حاضرا لتذكير الأجيال التي لم تخبره بقدسية الوطن والإدمان على حبه.

الإعلانات التي تعودت كبريات الشركات في الكويت أن تُطلقها بالموازاة مع الأعياد الوطنية في فبراير/شباط، والتي تجد مكانا مميزا لها على مواقع التواصل الاجتماعي في مقدمتها Youtube حصدتْ مشاهدات تتجاوز المليون وتصل ستة ملايين، والأكيد أنَ ذلك لم يأتِ من فراغ ولا صدفة؛ بل هو نتيجة أفكار أبدعتْ في التصور فأخرجت مادة بجودة عالية ورؤية فنية بمؤثرات تداخل فيها البصري والسمعي ليتمخض عنها إبداع إعلامي. 

ولعل ما يوحّد إعلانات شركات الاتصالات والأبناك وماركات السيارات العالمية بفروعها في الكويت وغيرها؛ تلك الرموز المُضفاة عليها التي تَختزل دلالات وطنية وقيمية والتي يجسدها علم الكويت وصور أميرها وشيوخها وأبراج التحرير وأعلام الفن والأدب، ومؤسساتها الدستورية ممثلة في مجلس الأمة واللباس المحلي التقليدي، وأحياءها العريقة من سوق المباركية إلى قصر السيف وغيرها.. فتمتد إلى البنايات العصرية وناطحات السحاب، ثم إسهامات الكويت بلدا وشعبا في العالم، كل ذلك بإخراج يُثمن المحتوى بما يضمن نجاحه وقابلية مشاهدته مرات ومرات عديدة دون كلل. 

وتبرز في سماء الإعلانات الكويتية أسماء لها بصمتها الخاصة في الألحان والكلمات من جيل الشباب، يأتي في مقدمتها بشار الشطي الذي يكتب الكلمات وينظم الألحان فينجح كل مرة في مسعاه مبدعا غير متكلف منتقيا للكلمات التي تحمل أكثر من معنى سلسة متناغمة مع ما يحفها من ألحان، فيلمس المستمع الجيد من الكلم والعبارات بقافيات محكمات لا تحيد عن السياق، وحتى وإن انتقلت من فكرة لأخرى خيطت الكلمة بأختها بأسلوب فني إبداعي..

محمود هو هذا العرف أو التقليد الذي سارت عليه الإعلانات في الكويت في شهر فبراير/شباط، ذلك أن الطابع الوطني وحس الانتماء للكويت يغلب على الطابع التجاري التسويقي للشركات المعلنة، وذلك أسمى مثال لمفهوم الشركات المواطنة. تتغنى الإعلانات بحب الوطن فتذكر بدروس الماضي وتستشعر مسؤولية الحاضر ثم تطلق العنان لأمل المستقبل وأحلامه، فتبلغ إلى عقول الأجيال المختلفة وترسم صورة جميلة عن وطن النهار في بعد فلسفي يستحضر الأرض كقيمة مادية لا تقبل التفريط ولا التهاون في خدمتها.. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.