شعار قسم مدونات

مقاربة بين "د. العودة" و"د.رمضان"

Blogs-prison
مقاربة سريعة بين حالتي د.سلمان العودة و د.طارق رمضان
من المفارقات العجيبة أن يتم سجن قامتين إسلاميتين في آن واحد وبنفس التهمة تقريبا من بلدين يعتبران متناقضان تماما من حيث البنية والجذور إلى كل تفاصيل الحياة، لكن جمعتهما هذه المرة محاربة فكر واحد، ترى ما الذي حدث ؟؟؟

كيف يمكن فهم أن تسجن السعودية الشيخ سلمان العودة بسبب ميوله الإخواني ، ويسجن طارق رمضان في فرنسا من أجل قضية ملفّقة رغم أنهما دولتان متناقضتان، وسبب آخر يعلمه الجميع حول اعتقال طارق هو حمله جينات حسن البنّا رغم أنه انتقد جدّه كثيرا ونفى انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين، وبعض الإخوان يعادونه عداء مستميتا، ويعتبرونه مستغربا ويريد تمييع الإسلام بسبب مواقفه الشجاعة حول قضايا تعتبر مسلمة لدى بعض هؤلاء.

وقد أعجبني تعليق أحد الأصدقاء حين قال "إن كثيرا من الأحفاد لم يشبهوا أجدادهم في شيء"، وبعض الأبناء على النقيض لآبائهم، لكن مع قضية طارق فالرجل متهم منذ بداية التعريف به في وسائل الإعلام في لقاءاته حيث يركزون أنه حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين.

اعتقال العودة

بعد الأزمة الخليجية التي نشبت بين قطر والسعودية وباقي دول الحصار لم يكن هناك مناص من اعتقال العودة، باعتباره أحد الذين لم يتخذوا موقفا في الأزمة وبارك التصالح بين الأشقاء المختلفين، وبعدما تم استبعاد المصالحة تمّ القبض على الشيخ وبعض أصحابه، وكانت التهمة أنه يناصر جماعة الإخوان المسلمين ويناصر أفكارها وينتمي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي ينتمي إليه طارق رمضان. 
  

دكتور
دكتور "سلمان العودة" (الجزيرة)

 
لم يكن مفاجئا أن تعتقل السعودية العودة وأمثاله فهي دولة متطرفة مع من يخالف توجهاتها الدينية ومن ينتقد خياراتها السياسية، وهي تفعل مع خصومها ما لم تفعله قريش وأقصد كفار مكة مع الرسول والصحابة، حيث قبلت قريش أن يعتمر النبي وتصالحوا على مجيء الرسول مع صلح الحديبية ولم يمنعوهم من زيارة الكعبة، لأنهم، في اعتقادهم، لا سلطان لهم في منع الآخرين عنها مهما كان الخلاف سياسيا وإيديلوجيا..

  
لماذا فعلتها فرنسا؟؟

ولكن ما يثير الاهتمام أن تقبل دولة معروفة غربيا بعلمانيتها وانفتاحها المعرفي والثقافي والأدبي لتعتقل رجلا عرف الجميع براءته من هذه التهم المفبركة على الأقل، ولم تثبت إدانته حتى اللحظة التي أكتب فيه هذا المقال، هذه هي المفارقة العجيبة وهذا يمثل تناقضا كبيرا في بنية هذه الثقافة الفرنسية التي تؤمن بحرية التعبير وحرية التفكير، أيضا، وكانت فرنسا شارة في الانفتاح العالمي على الأفكار والشخصيات والسياسات واحتضنت كثيرا من أصحاب الرأي والفكر والقلم.

لكن وفي لحظة فاصلة، تحوّلت فرنسا إلى وحش كاسر وأصبح مثقفوها فجأة أعداء لحرية التعبير وحقوق الإنسان والنداء بالديمقراطية، وخاصة إذا تعلق الأمر بشخصية مسلمة في مستوى طارق رمضان، فهو فيلسوف معروف وأستاذ عرفته كبرى جامعات الغرب وحاور كافة القنوات الفضائية في العالم واختير بين أفضل عشر شخصيات ستغير التاريخ الفكري الحديث.

حين عجزوا عن إسقاطه فكريا..

والمزعج في القضية أن كل هذه الحملات المسعورة ضد الرجل لم تتمكن من الإيقاع به، سيما أنه كان أمام الأضواء والعداء له كان ظاهرا وجليّا، لكن بقي الرجل وهو في دائرته يناضل بالكلمة والقلم، وأصبح قادة السياسة يتحدثون عن انتماء الرجل الإخواني ومناصرته للإسلام السياسي والذي ظهر بقوة بعد الربيع العربي، وطارق رمضان كان أحد أبطال هذا المشهد السياسي في الدفاع عن حق الشعوب في تقرير مصيرهم وإسقاط الديكتاتوريات التي تقمع الناس وتصادر الحريات وتهتك الأعراض، رغم مواقفه الصريحة ودعواته المتكررة لأن يخرج المنتمون للإسلام السياسي من المشهد عقب ما يسمى بثورات الربيع العربي. 
 

محاكمة طارق وفق الشريعة الإسلامية في فرنسا
ولقد لاحظت لدى بعض الأوساط الفكرية تناقضا غريبا، حيث إن البعض يقول أو يرى أن طارق يعظ الناس ويتحدث عن الطهارة والحديث بينما يغتصب النساء ويربط علاقات مشبوهة معهن، وبعض المفكرين الفرنسيين يحكمون على الرجل من خلال الأخلاق الإسلامية التي لا يؤمنون بها، فقط من باب تشويه الرجل ومحاولة إسقاطه حتى وإن تذرعوا وتعلقوا بالأخلاقيات الإسلامية التي يحاربونها ويصدقهم في ذلك مسلمون، للأسف، بعيدون عن أي التزام ديني وأخلاقي، ولو استطاعوا، ربما، فسيفكرون ويدعون إلى الحكم على طارق وفق الشريعة الإسلامية التي يدافع عنها، إيغالا في النكاية بالرجل وسلخه سياسيا.
 
دكتور
دكتور "طارق رمضان" (رويترز)
  
قراءتي لمصير الأستاذين

من الصعب للدكتور العودة الخروج من غياهب السجون، لأن السعودية ليست فيها أجهزة قضاء مستقلة وإنما هي في معظمها فلكلورية تدعي أنها قضاء إسلامي، رغم أن الكثيرين من علماء ومفكري السعودية  لا يزالون يقبعون في السجون، كما أنه ليس له مناصرون أو أصحاب داخل السعودية ليناصروه، فمعظم العلماء مغلوب على أمرهم، وقرارات الحكّام نصوص مقدسة لا يمكن الاعتراض عليها، فلا أمل في إطلاق سراحه إلا إذا تم إصدار قرار سياسي بالإفراج عنه وعن إخوانه.
 

السعودية تعتقل العودة لميوله الإخواني وفرنسا تعتقل طارق رمضان، يذكرني هذا حين كان كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" ممنوعا في السعودية لأنه كتاب تمييع وتحليل لمحرمات مسلّمة عندهم

بينما طارق رمضان المسجون في فرنسا يمكن إطلاق سراحه، وخاصة في ظل ارتباك القضاء الفرنسي في هذه القضية، حيث توجد شخصيات سياسية متهمة بنفس تهمة طارق رمضان لكن لم يتم القبض عليهم، وهذا في الحقيقة تسبب في تشويه صورة فرنسا دوليا،وبالتالي يمكن الإفراج عن الرجل حتى من خلال ظرفه الصحي الذي فجّرته زوجته / إيمان رمضان، وكذلك في ظل ظهور أدلة تثبت وجود علاقة تواصل بين المتهمتين لطارق، حتى قبل الأزمة، ولقاء جمعهما بالصحفية كارولين فورست التي تولت كبر كيل الاتهامات لطارق رمضان منذ سنوات وسنوات، وما زالت تملأ الفضائيات بتصريحاتها المسمومة والكاذبة التي لم تعد تنطلي على أي أحد. وكذلك الخروج المتزايد عن الصمت لأنصار الرجل في فرنسا وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، كل ذلك يمثل آلات ضغط ستنتهي في النهاية بالإفراج عن الرجل.
  
لهذه الأسباب وغيرها لاحظت تخفيفا في حدة التعرض لهذا الموضوع وأصبحت وسائل الإعلام الكبرى تتجنب إثارة المزيد كتلك التي كنّا نشاهدها منذ أسابيع، مما يدل على أن هناك شيئا ما سيحدث وربما سيفرج عن الرجل أو يوضع في إقامة جبرية أو يطلق سراحه لأي سبب حتى يخرج القضاء من الحرج.
  

نقطة أخيرة

هند عياري، التي تتهم الدكتور طارق رمضان، توصف في الإعلام الفرنسي بالسلفية التي تحولت إلى إحدى مناضلات الحركة النسوية التي تدعو إلى حرية المرأة و"حرية التعري"، والإعلام الفرنسي الذي له موقف مناوئ للاتجاه السلفي المتشدد نسي تماما ماضيها السلفي، وقد كانت المرأة منقّبة حتى، وكتبت كتابها بعد ذلك "أريد أن أكون حرّا .."، ولا ندري من الذي سلبها حريتها حتى تكتب هذا العنوان، بمعنى أن الإعلام لم يعد يهتم بسلفية المرأة ولا بتشددها، لأن ذلك أخفّ إذا ما تعلّق الأمر بإسقاط طارق رمضان.. سننتظر حتى تكتشف هذه الأسرار في حياة هذه الفتاة المقامرة والمغامرة، وسوف نرى ما يخبئه تاريخها القريب والبعيد..

وأخيرا

السعودية تعتقل العودة لميوله الإخواني وفرنسا تعتقل طارق رمضان لأنه يحمل جينات مؤسس الإخوان، ويحمل فكرا متطرفا قريبا من التشدد، هذه المفارقة عصية على الفهم والإدراك، ويذكرني هذا حين كان كتاب "الحلال والحرام في الإسلام" ممنوعا في السعودية لأنه كتاب تمييع وتحليل لمحرمات مسلّمة عندهم، حتى سماه البعض "الحلال والحلال في الإسلام".

وفي الوقت نفسه كان الكتاب ممنوعا في فرنسا وصودر من جميع مكتبات باريس منتصف التسعينيات، باعتباره كتابا متطرفا يدعو لهضم حقوق المرأة وضرب النساء. المهم تمّ الإفراج عن الكتابين في الدولتين بعد ذلك، ونرجوا أن يفرج الله عن العالمين المسلمين الدكتور سلمان العودة والبروفيسور طارق رمضان. وحينها سيكون لنا معكم حديث وحديث، وشكرا للمتابعة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.