شعار قسم مدونات

ماذا بعد دسترة الأمازيغية في الجزائر؟

blogs أمازيغ الجزائر
في وقت كانت تبحث فيه السلطة عن حلول عملية لملف الأمازيغية والذي يعتبر ملفا حساسا جدا، أقرت الأخيرة بدسترتها والاعتراف بها رسميا كلغة رسمية وتعميم دراستها على كافة ولايات الوطن، وإقرار يوم وطني مدفوع الأجر خاص للاحتفال بها، بعدها عرفت الساحة الجزائرية تجاذبات حول دسترة الأمازيغية بين مؤيد ومعارض، ولا تزال تداعيات دسترتها قائمة إلى يومنا هذا، فالمتتبع للزوبعة الحاصلة حاليا في الساحة الجزائرية على إثر اطلاق النائبة البرلمانية نعيمة صالحي تصريحات قالت فيها إنها "ستقطع لسان ابنتها في حال نطقت كلمة واحدة من الأمازيغية"، في خرجة خارجة عن المألوف بعد إقرار اللغة الأمازيغية كلغة رسمية في الجزائر من قبل رئيس الجمهورية.
 
النائبة البرلمانية والفائزة بمقعد برلماني عن ولاية بومرداس، وهي منطقة قبائلية أمازيغية، بعد أن زكّاها سكان الولاية. لم يتقبل سكان الولاية خرجتها هذه والبعض اتهمها بأنها خدعتهم، وقد نشّطت حملتها الانتخابية بشعارات أمازيغية بغية كسب أصوات سكان المنطقة، فولاية بومرداس كما هو معروف ولاية أمازيغية، وتصريح نعيمة صالحي متناقض، فهي تمثل أمازيغ الولاية الذين انتخبوها لتمثيلهم في مؤسسة البرلمان!

ما يحدث حاليا من تراشق في الساحة وبلاطوهات القنوات هو نوع من التلهية، يخدم سلطة الأمر الواقع التي تحاول إخماد إضرابات واحتجاجات الطبقة الاجتماعية من أطباء و أساتذة بعيدا عن الرأي العام

تصريح نعيمة صالحي ترافقت معه ردّات فعل متباينة، فالبعض اعتبر أنّ هذا الكلام من المفروض أن لا يصدر عن نائب برلماني، خصوصا استعمالها عبارة سأقطع لسان ابنتي في حال نطقت كلمة أمازيغية، فالأمر طعنة ظهر بالنسبة لسكان الولاية الذين منحوها أصواتهم، وهو إهانة لهم، في مقابل ذلك هناك من دعم ما قالته وربطه بحركة الماك الانفصالية التي تدعو للانفصال وتأسيس دولة مستقلة منفصلة عن الجزائر.

 
العجيب في هذا التراشق الجاري أن من كان يختلف أمس مع نعيمة صالحي وبشدة، هو اليوم في صفها وتغيرت معه مفاهيم التخندق، فنعيمة صالحي التي كانت أمس محل معارضة وسخرية وتنكيت من قبل عدد لا بأس به من التيارات، هي اليوم محاطة بهم.
 
والأمر الذي يتعجب منه البعض اليوم، كيف لنعيمة صالحي التي اعترفت بالدستور الذي أقره رئيس الجمهورية، والذي يعترف فيه بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية رسمية، أن تُمانع اليوم تدريسها؟ بين هذا وذاك تأخذ القضية أبعادا أخرى وتخرج عن نطاقها المرسوم لتتعدى إلى التراشق والسب والشتم في فضاءات مواقع التواصل الاجتماعي. الأمر لم يتوقف عند هذا فحسب، بل تجاوز ذلك  لدرجة قذف نعيمة صالحي وعائلتها في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما اتهمها البعض بممارسة الشعبوية الزائفة، فسكان الولاية انتخبوها لحل مشاكل الولاية وليس للتطرق لقضايا لن تزيد إلا الهوة بين المجتمع الجزائري الذي تترصده أطراف تحاول الاصطياد في قضية الأمازيغية لمآرب تشتت وحدة الوطن الذي يعرف محيطه العربي عدم استقرار غير مسبوق، خصوصا الجارة ليبيا.
  
نعيمة صالحي تقول إنها ستقطع لسان ابنتها في حال نطقت كلمة واحدة من الأمازيغية (مواقع التواصل)
نعيمة صالحي تقول إنها ستقطع لسان ابنتها في حال نطقت كلمة واحدة من الأمازيغية (مواقع التواصل)
 
رغم كل ما حدث من تراشقات، لم يصدر أي تصريح من النظام الحاكم في الجزائر وبقي التفرج سيد الموقف، تدخل السطة كان لا بد منه تجنبا لمزيد من المهاترات التي لم ولن تزيد سوى من تشتت وحدة وشمل الصف الجزائري. السلطة التي تفطنت جيدا إلى أنّ قضية الأمازيغية، حلها بعيد عن الدسترة التي كانت تعتقد أنها الورقة السحرية لإغلاق هذا الملف وطيّه.
 
ختاما، إن مايحدث حاليا من تراشق في الساحة وبلاطوهات القنوات هو نوع من التلهية، يخدم سلطة الأمر الواقع التي تحاول إخماد إضرابات واحتجاجات الطبقة الاجتماعية من أطباء وأساتذة بعيدا عن الرأي العام، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل ستأخذ تصريحات نعيمة صالحي أبعادا أخرى؟ الأيام وحدها كفيلة بالاجابة عن ذلك. تصريح نعيمة صالحي هذا أخذ وقتا أكثر مما يستحق، فكل القنوات الإعلامية الخاصة تتحدث عن تداعيات هذه التصريحات من خلال استضافة ناشطين سياسيين في بث مباشر يتم من خلاله طرح استفتاءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كل هذا التضخيم الإعلامي يجري وسط مهاترات ومشادات غير مسبوقة على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي تستعمل فيها كل أنواع السب والشتم، هذه التداعيات لم تكن موجودة بهذه الوتيرة قبل دسترة الأمازيغية كلغة رسمية في الجزائر وحدثت بعد دسترها.
 
النظام الحاكم في الجزائر الذي كان يراهن على أنّه بدسترته للأمازيغية سيصد هذه التجاذبات الحاصلة والتراشق من هنا وهناك، ها هو اليوم يقع فيما كان يخشاه، دسترة الأمازيغية تحولت الى نقمة عليه! وتبين أن المشكل أعمق بكثير من مسألة الدسترة، فبتصريح من نائب برلماني تبعثرت الجهود الرامية لتفادي هذه التراشقات، الأمر الذي سينعكس بالسلب على وحدة صف الجزائريين، وسط أنانية وتصرفات صبيانية من بعض الأطراف التي تحاول الاصطياد في قضية الأمازيغية وجعلها قضية حياة أو موت، من خلال محاولة استقطاب أكبر عدد من الناس وتسخيرهم في مآربهم وأهدافهم، حتى لو كان ذلك بالسب والشتم، بينما المواطن الجزائري يعيش في أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة لم يتكلم عنها أحد وسط تعتيم صارخ من قبل الأحزاب السياسية ومؤسسة البرلمان التي تكتفي بالتصويت على قوانين ترهق كاهل المواطن وتزيد من معاناته، أو ممارسة الشعبوية من خلال ركوب الأمواج في قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع كقضية الأمازيغية، محاولين التستر والتغطية على فشلهم الذريع في البرلمان الذي لم يقدم نوابه ما كان ينتظره منهم المواطن الجزائري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.