شعار قسم مدونات

صليت بلا حجاب

مدونات - حجاب
بينما كنت منغمسة في ترشف سودائي وقراءة كتابي الذي سافر بي بعيدا، كسرت قهقهة ضحك صديقتي هدوء تفسحي في أنهج صفاحته. استغربتُ من سببِ ضحكِها، لقد كانت قبل قليل تشتكي من قلة حظها وتعاستها الدائمة، كيف لمن أبكتني قبل قليل أن تضحكني معها بعد خمس دقائق؟! ضحكتها معدية لدرجة أنني شاركتها الضحك رغم جهلي لسبب هذه الهستيريا.
   
قالت: أتعلمين، لقد صلّيتُ بلا حجابٍ. أشعلَت هذه العبارة ضحكاتنا من جديد، قالت: لقد كنت مهمومة لدرجةِ أنني نسيتُ حجابي، وعندما أكملت الصلاة، اكتشفت أنني قد صلّيتُ بلا حجاب. صديقتي من جديد تمتلئ عيناها بالدموع، ولكن هذه المرة دموع كثرة الضحك، أخذت حجابها وتركتني أردد العبارة؛ صلّيت بلا حجاب. كانت ضحكاتنا تخبئ في طياتها ضحكات مشاكلها وهمومها التي سلبتها عقلها، مما جعلها تصلي بلا حجاب، لقد رمت بي كلماتها في مستنقع الحياة، رأيت انتصار واقع أليم في ضحكاتنا التي علها خففت قليلا عن صديقتي التي كاد القلق يقتلها، فالناظر إليها يستنتج تلاعب الأرق وكثرة التفكير بجسدها النحيل.
    

الصلاة رحلة جميلة، رحلة خاشعة تأخذنا بعيدا عن مشاكلنا وتحلق بنا عاليا، تستنجد الروح بخالقها، تخلصنا من التوتر وتمنحنا طاقة روحانية عظيمة، فنعم الرحلة هي

صديقتي ليست إلا عينة منا، من منا لم يتكاسل مرة أو اثنتين عن أداء صلاته؟ من منا لم يتلاعب النوم بأجفانه ولم يتسلل التعب لجسده إلا قبل صلاته بقليل؟ من منا لم يتفنن شيطانه -والعياذ بالله- في إيجاد حلول لمشاكله في وقت أدائه لها؟ من منا لم يخض عقله الحرب العالمية الثالثة أثناء صلاته متذكرا جميع مشاكلِه ومشاكل الأمة؟ الصلاة نور لقلوبنا، فكيف عُمينا لهذه الدرجة؟ ما أحوجنا لإعادة التفكير في علاقتنا مع الصلاة، أخبر طفلك أن الصلاة تتجاوز كونها واجبا فقط علينا أداؤه، هكذا سوف يصلي ابنك إسقاطا للواجب لا أكثر، علمه مزاياها؛ الصلاة حياة، راحة، سكينة، فلاح وعلاج؛ وما أجملها من علاج. الطفل العالم بفوائدها لن يتكاسل عن أدائها، سوف يقوم لها خاشعا، عالما بأهميتها وفوائدها العظيمة، وبالتالي لن يصلي ابنك صلاة جسد فقط، صلاة يكون فيها العقل غائبا. لن تصلي ابنتك بلا حجاب وبلا خشوع مهما كانت مشاكلها الدنيوية، فهي تعلم أن صلاتها شفاء لها.

   
الصلاة هي كل شيء جميل، بل هي الشيء الجميل في وسط هذه البشاعة القاتلة، الصلاة هي الصلة الروحانية بين العبد وربه، هي سجود الجسد وتحليق الروح، هي مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، هي عماد دين المسلم، هي الفلاح والنجاح، الصلاة تمتص طاقتنا السلبية، تمتص انتكاساتنا وخيباتنا، بها نحيا ونؤجر، هي نجاح الدنيا والآخرة. الصلاة تبعث في قلب المؤمن أمنا، طمأنينة، سكينة واستقرارا، كيف لا وسيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- قال: قم يا بلال فأرحنا بالصلاة.
   
الجميع تخلى عني، وجدت نفسي وحيدة، أقاوم المرض بنفسي، بكيت ضعفي، سوء حظي ووحدتي، لكن صوت الأذان أسعفني، أحسست أنني لست وحيدة، قررت أن أصلي، كنت بأمس الحاجة لخالقي، أردت أن أهرب من واقعي، أردت أن أنسى كل شيء. ومن يومها وأنا أحافظ على صلاتي، لأنها كانت علاجي الحقيقي، نجحت صلاتي في بعث السكينة، الأمل والشجاعة في نفسي. تمكنت من التغلب على المرض، انتصر أملي على ألمي. هذه شهادة فتاة عانت من مرض السرطان الذي كان سببا في غياب بسمتها لأيام، وفي غياب من اعتقدت أنهن صديقاتها للأبد، تروي تجربتها في الانتصار على المرض. لقد أمطرت كلماتها أملا، إيمانا، حبا، خشوعا، حلقت بي بعيدا في سماء الخشوع، الأمل، حب الحياة والشموخ، لقد أيقنت أن علاجها هو صلاتها الخاشعة ولجوؤها لخالقها.
       
الصلاة هي رحلة جميلة، رحلة خاشعة تأخذنا بعيدا عن مشاكلنا وتحلق بنا عاليا، تستنجد الروح بخالقها، رحلة مجانية استشفائية وفوائدها عظيمة، حيث تقوم بامتصاص الشحنات السالبة المتراكمة في جسم الإنسان، تخلصنا من التوتر وتمنحنا طاقة روحانية عظيمة، فنعم الرحلة هي، فلنعالج أنفسنا بالصلاة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.