التحرش فظيع ومرفوض بكل صوره، لكن التحرش الذي يأتي من الأقارب هو الأخطر على الإطلاق؛ لأنه في كل يوم يرى المتحرَّش به من تحرش به في صغره سوف يموتُ ألف مرة |
وحتى مصير الأطفال الذكور -الذين قمتَ بارتكاب فعلك الشنيع بهم- فأمرهُ مختلف من طفل لآخر، فأنت إما أن تجعل منه متحرشا بالأطفال على شاكلتك حين يكبر، أو أن يصاب بالرهاب الاجتماعي، أو تصيبهُ بعض الأمراض النفسية، أو تلازمه بعض نقاط الضعف وفقدان الثقة بإقامة علاقات جدية… أنتَ، ومن أجل غرائزك الحيوانية القذرة تقضي على نفسية شخص كامل طوال حياته -بلا مبالغة- وأتعمد ربطك بغرائز الحيوان لا بحيوان كامل حتى لا أعطيك شرف التشبه به..
ثم يصرخ المجتمع في وجهي.. كيف لكِ أن تتجرئي على التحدث والكتابة عن هذا الأمر الذي يحدثُ في حالاتٍ نادرة وضمن العائلات التي لا تخاف الله؟! وسوف تثورعليّ تلك الأنثى الخائفة قبل مرتكب الفعل حتى؛ لأنها اعتادت أن تخرس كل ما ترى وكل ما يحدث لأنها عشقت دور الدرجة الثالثة في الحياة، ولأن الجُبن يرضي ذكور عائلتها..! وأنا أجيب بقلمي الذي لن يصدح إلا بكل حق، أن كل هذه الجرائم… تحدثُ في كل يومٍ وفي كل ساعة.. وفي المجتمعات المنغلقة وتلك التي تتستر برداء الدين والعفة والتقوى، لأنهم تشبعوا بالكبتِ والقمع، ولا أنكر بذلك أنها لا تحدثُ في المجتمعات المنفتحة، ولكن للمجتمعات المنغلقة الحصة الأكبر بها، لأنهم صوروا الأنثى على أنها جسد بلا روح، جسد لمتعة الرجال وإسعادهم في الحياة…
التحرش فظيع ومرفوض بكل صوره، لكن التحرش الذي يأتي من الأقارب هو الأخطر على الإطلاق؛ لأنه في كل يوم يرى المتحرَّش به من تحرش به في صغره سوف يموتُ ألف مرة، وسوف تلاحقه أشباح ذلك الماضي البائس وتندلع حرب صامتة باردة لا نرى ملامحهما على الوجوه الباسمة.. وفي كل مرة كانت تروي أمامي بعض الفتيات قصص من تحرش بهن من أقاربهن كنتُ أرى نفس النظرة الشاردة في أمر ما في البعيد، تروي ما حدث بلسان طفلة خائفة تحاول استذكار أمرٍ لم تكن تفهم ما هو حينها.. ثم تعود للواقع تتمالك نفسها من جديد..
إن بقينا نتستر على مشاكل المجتمع ولا نواجهها -مهما كانت درجة خطورتها- سوف نحصد نتائج أفظع على المدى البعيد.. وإن أصبح بيت العائلة بؤرة الخوف والتخبط عوَض أن يكون السند وبر الأمان.. سوف يزيد بذلك عدد أولئك الموتى.. على قيد الحياة..
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.