شعار قسم مدونات

مفهوم الحدود وعلاقته بالسيادة

blogs - airport
ذكر الدكتور مارك سولتر في مقالته "نظام التأشيرات العالمية وتكنولوجيات السياسية الدولية"، أن معرفة حدود أي بلد لا يمكن إلا من خلال تتبع العلاقة بين الدولة وجسم الفرد. حيث ذكر أنه في البدء يعتبر إجراء تفتيش الحدود أمرا ضروريا حسب نظام التنقل العالمي وقانون السيادة، ليتم بعده الاعتراف الرسمي من الأجهزة الحكومية. وأن نظام التأشيرات والجوازات يعتبر تذكرة للسماح بالإقامة المؤقتة أو الدائمة في البلد، حيث تمثل الحدود المرسومة حدود هذا البلد. وهذه خطوط واضحة لمفهوم الحدود وبيان أن جسم الفرد هو محور هذه الحدود.
    
أما الفكرة الجوهرية في التطبيق العملي لهذه المفهوم فتكون حينما يخلق السياسية الحيوية، والتي تعني أن نظام التنقل العالمي القائم على جواز السفر والتأشيرات والإجراءات؛ يخلق سكانا دوليين يعتبرون أنفسهم مواطنين دوليين. لأن نظام التنقل العالمي أنشأ نظاما للمراقبة والتصنيف والمطابقه عبر عولمة التكنولوجيا المستخدمة في السياسات الدولية مثل تبادل المعلومات ونظام البصمات، والتسريبات الاستخباراتية. لذلك، يعتبر نظام تأشيرات الحدود الدولية أمرا ضروريا لخلق ما يشبه المواطنين الدوليين على حد قول سولتر. إن تطبيق هذا النظام سيطور نظام التأشيرات الفضفاض إلى معاييرعالمية في خطوة لإيجاد نظام أفضل. ففي حدود أي بلد، يقف المواطن والأجنبي في مكتب الهجرة والجوازات، ولا بد هنا من معرفة الفرق بينهما. 
     
أما فيما يتعلق بمفهوم الحدود والجنسية، فقد ذكر الدكتور أجامبين أن هذا المفهوم قد تغير خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة. لقد اقترح أجامبين في نقاشة ما يسمى بنموذج المخيم حيث ادعى "أن لسيادة الدولة الحق في إيقاف أي شخص خارج قانونها وهذا ما يسمى بالاستثناء أو (exception)، فالحدود هي استثناء دائم خاضع للقانون الدولي. إذ لا يحق لغير المواطن أن يدخل المخيم إلا عن طريق قانون سيادة البلد. في هذا الصدد، فإن الدكتور "فوكول" (Foucault) قد وضح آلية الدخول إلى بلاد ذات سيادة، يستطيع أن يطلب فيها الشخص الدخول والحماية. يتم ذلك عن طريق الحصول على التأشيرة بناء على الأوراق الثبوتية الأخرى مثل جواز السفر، وثيقة اللاجئ، أو وثيقة سفر عديمي الجنسية، أما المواطنة فتفهم عادة على أنها الجنسية. ولفهم أعمق لإشكالية مفهوم الحدود؛ ذكر فوكول أنه عند عبور المسافر في الممر بين الطائرة ومكتب الجوازات والهجرة، يشبه ذلك الانتقال إلى داخل المخيم. فالمسافر ليس فقط بين دولتين، لكنه أيضا يعتبرفي تلك اللحظة عديم الجنسية.
   

يسمح نظام التأشيرات بإضفاء الطابع المحلي على الدولة؛ بحيث يمكن لها أن تشارك في فعاليات بعيدا عن حدودها المادية، وفي بعض الحالات، يمكن أخذ التأشيرات على الحدود الفعلية لدولة ما، مثل هذه الحالات ينظر إليها باعتبارها مصدرا للإيرادات بدلا من وظيفة الأمن

عند عبور حدود أي بلد، لا بد أن نحدد ماهي علاقة المسافر بهذا البلد. وهنا سيظهر لنا بالضرورة مفهوم الضيافة. لقد أتى مصطلح "الضيافة" أو (hospitality) من "الجذر اللاتيني "hostia" والتي تعني قربان، والكلمة "hostis" والتي تعني الغريب أو العدو، وأيضا "hospes" والتي تعني الضيف أو الصديق. لقد صور الدكتور "ديريدا" (Derrida) مفهوم الضيافة على أنه علاقة استثنائية بين السيادة وطالب الدخول إلى الحدود أو ما سماه (exception). ففي وقت ما، يعتبرالأجنبي الموجود خارج الحدود غير خاضع لقانون البلد، ومرهونا بسلطة قانون آخر. لكن هنا يتساءل أغامبن، ما الذي يجعل من الحدود حالة استثناء؟ لذلك، يعتقد أن "قانون السيادة هو الذي يحدد الوضع السياسي للفرد عند عبور الحدود ما إذا كان مواطن، أجنبي، أو لاجئ، أو عديم الجنسية". وهكذا، فإن الداخل للحدود يكتسب نوعا من المزايا لاتتوفر عند غيره الذين لم يستطيعوا إثبات أحقيتهم في الدخول. فهولاء لن يحصلوا على أي حماية، أو ملجأ، ولا يشملهم قانون البلد. بمعنى آخر، إن حدود البلد هي حالة استثناء بديلة عن الحدود الاجتماعية أو المكانية الأخرى.
  
تعتبر التأشيرة أيضا عاملا ضروريا لنظام جوازات السفر الذي يشكل ربع نظام التنقل العالمي، الذي يشمل التأشيرات الحدودية وجوازات السفر وتأشيرات الأشخاص الذين ليس لديهم جنسية مثل اللاجئين وعديمي الجنسية. إن الحق الأساسي لسيادة الدولة هو أن تكون قادرة على تحديد حدودها مع دولة أو دول أخرى. وقادرة على استبعاد من لا يحق لهم دخول هذه الحدود. وباستطاعتها تنظيم عملية التنقل اللازمة، سواء مع المواطنين أو غير المواطنين أو اللاجئين، في قرار مصيري يحدد من سيدخل الدولة ومن سيتم استبعاده. ويبدو أن نظام التنقل العالمي حاليا صار أكثر قوة، وعلى الرغم من عدم وجود معاهدات قانونية دولية موحدة. فإن هناك توافق آراء معياري معلن في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على أن "لكل فرد الحق في امتلاك الجنسية، ومغادرة بلده، والعودة إلى وطنه". وهناك أيضا تعاون واسع يتعلق بتبادل المعلومات بين مؤسسات التنقل مثل المنظمة الدولية للطيران المدني والوكالة الدولية للنقل الجوي والتي بدورها تحدد المعايير العالمية للسفر.
   
إن كلمة تأشيرة غو فيزا هي كلمة مأخوذة من الفرنسية (visé) والتي تعني "تم النظر في الموضوع"، وهذه التأشيرة التي تظهر في جواز السفر توضح فيها القنصلية السماح بالدخول إلى البلد أو المرور به. ويوضع ختم مكتب الجمارك على جواز السفر عند دخول الحدود أو مغادرة البلد. وفي الاستخدام الحديث، تشير هذه الفيزا إلى معلومات مسبقة عن المسافرين تمثل قرارا مبدئيا بالقبول. حيث لا تضمن التأشيرة بأي حال من الأحوال القبول الفعلي الذي يظل من صلاحيات قرار السيادة في البلاد ومكاتبها على الحدود. ويسمح نظام التأشيرات بإضفاء الطابع المحلي على الدولة بحيث يمكن للدول أن تشارك في فعاليات بعيدا عن حدودها المادية. وفي بعض الحالات، يمكن أخذ التأشيرات على الحدود الفعلية لدولة ما، مثل هذه الحالات ينظر إليها في الغالب باعتبارها مصدرا للإيرادات بدلا من وظيفة الأمن.

      
أما مفهوم "الإفصاح" أو (confession) فمعروف على نطاق واسع على أنه سياسة "ممنوع المزح" أو (no joking) والتي تم نشرها حاليا في معظم المطارات. وعلى حد تعبير هيئة أمن النقل الجوي الكندية "لا يجب عليك ان تعطي نكتة أو تدخل في حوار حول القنابل والأسلحة النارية أو غيرها من الأسلحة عند تفتيشك قبل صعود الطائرة لأن هذا النوع من الحديث والنكات حساس جدا، ويعتبر كذبا حسب قوانين مكاتب الهجرة والجوازات". لذلك، يعتمد موظفو التفتيش في تدقيقهم على مراقبة قلق الركاب ومراقبة السلوك. فمن المفترض علينا جميعا أن نقول الحقيقة لموظفي التفتيش، ليس فقط من وجهة نظر معينة، بل الحقيقة كاملة. هذه اللوائح تشدد على المسافرين عدم المزاح في التحدث بأشياء خطيرة أثناء السفر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.