شعار قسم مدونات

في اليوم الرياضي.. قطر تليق بها الحياة

مدونات - اليوم الرياضي
وقفت عدة دقائق أمام خزانتي أصفن في ملابسي التي لم يكن معظمها يتناسب مع شروط هذا اليوم السنوي المنتظر، وحده حذائي كان طبقا للمواصفات المطلوبة. احتسيت وزوجي القهوة بالحليب على عجل، واصطحبنا ما تبقى منها في حافظة قد لا تتسع لأكثر من فنجان، وانطلقنا في رحلتنا نحو يومنا الرياضي السادس على التوالي، متسلحين برغبة صالحة في إحياء مبادرة الدولة القطرية لتكريم الرياضة بيوم في السنة، وبرغبة قد تنفع في محو الصورة الصحيحة عن الشعوب العربية الخاملة.

فتوجهنا بعد تبييت الاستخارة إلى الحي الثقافي "كتارا"، سائلين المولى أن يكون اختيارنا هو الأفضل بين عشرات الأماكن التي تجعلك تحتار أيها تختار، وأيها قد يكون الأكثر إمتاعا لك ولأطفالك، والذي ستملأ به لاحقا حساباتك الإلكترونية بأكبر عدد من الصور والفيديوهات التي تثبت بها إيجابيتك المكتسبة. ومع بوق البداية وصلنا، وبدى أن البعض قد بات ليلته هنا أو ربما صلى الفجر على شاطئها؛ حيث لم يكن هناك مكان لموطئ عجلة في موقف اكتظّ بالسيارات.
توجهنا بداية نحو الشاطئ الجنوبي، وكان واضحا حرص القائمين على الفعالية بأن لا تُترك لعبة شاطئية في العالم إلا وتشيّد للعامة، وأن تنصب الخيامُ على طوله هي الأخرى لتستقبل زائريها بالفيء والماء والوجه الحسن، وبأطباق الفاكهة المصفوفة بعناية ووجبات الإفطار المغلفة بدراية، فتقدم بدورها استراحة للمحارب الذي بالكاد قد وصل. وفي الساحة الرئيسية لكتارا اتحدت جميع رياضات العالم في مشهد يعبق بالحياة، وبكل الأفكار التي تتيح للكبير والصغير والملفوف بالحرير أن يشارك بها.
   
في اليوم الرياضي في الدوحة، تتجلى الحضارة بأبهى صورها، فتنتقل لك عدوى الرقي والتحضر التي لطالما ظننت أنها لا تليق بالعربي

عشرات الألعاب والأفكار تجاور بعضها بعضا دون أن تتداخل فيما بينها، فيزوغ بصرك وأنت تحصي عدد الفعاليات التي تراها عينك المجردة في المشهد الواحد؛ فحلبة للمصارعة تجاورها ساحة لكرة القدم، ثم مسرح لعرض الحركات الأرضية وعلى جانبيه أجهزة رياضية وسلات متفاوتة الطول لكرات السلة، تجاورها حلبات استعراضية تشاركية لألعاب التايكوندو والجودو، تليها صورة مرمى وهمي وضعت أسفله بركة مكعبات إسفنجية ليقفز الطفل ويرتمي داخلها ممسكا بالكرة كحارس المرمى، فتلتقط له عدسات المصورين صورة فورية عالية الجودة للذكرى.

   
وإذا دارت بوصلة عينك تجاه البحر، رأيت قوارب التجديف الطويلة ودراجات مائية سريعة، وموكبا للخيل يمشي على الشاطئ متحدا مع زرقة المياه المتلألئة في صورة واحدة تجبرك على التوقف للحظات تتأمل كل ذلك السحر والجمال. ولم تجبرنا على ترك هذا المكان إلا الرغبة في المشاركة بفعاليات أخرى في مكان آخر، لنرضي بها فضولنا في التمتع بكل متاح، ولكي نحقق العبارة التي تصف حالنا بدقة "شوفوني وأنا رياضي"، ففي كل جولة كنا نرى جارا أو صديقا في مكان ما، فنلوح له بسعادة ورضى، فالجميع لبّى النداء إذا، ويبدو الخاسر الأكبر في هذا اليوم من آثر النوم على الحياة.
  
في اليوم الرياضي، يصبح التفاح والموز واليوسف أفندي الوجبة التقليدية لأشباه الرياضيين أمثالي، ويكتفي البعض بلقيمات من صدر دجاج مخلي من العظم والشحم، مشوي على الغاز أو الفحم، بينما تؤجّل صينية الفتة وصحن المكبوس وصدر الكنافة ليوم آخر قد يكون الذي يليه. ويشهد لي قارئ الخطى للمرة الأولى بوسام التميز ليوم هو الأكثر نشاطا على ذمته منذ عدة سنوات، وتبدو تجربة أطفالي لبعض الألعاب الرياضية فرصة لا تتكرر، قد تفتح لهم بابا لعشقها وممارستها يوما ما. وتتجلى هنا الحضارة بأبهى صورها، فتنتقل لك عدوى الرقيّ والتحضّر التي لطالما ظننت أنها لا تليق بالعربي، فتصبح رغم طبعك العجول صبورا في طابور مزدحم، وتصبح رغم ما اعتدت عليه من مزاحمة لأخذ حق الآخرين في لعبة زاهدا، وتصبح رغم جيناتك الموروثة في الاعتراض والانتقاص راضيا مترضيا على القائمين والعاملين وصاحب فكرة هذا اليوم الرائع.
         
وفي اليوم الرياضي الأول بعد الحصار، يبدو نجاح هذا الحدث أمرا غير تقليدي، ويثبت التنظيم عالي المستوى والجماهيرية غير المسبوقة تحد آخر يكتب في سجل الإنجازات لبلد محاصر تليق به الحياة. هنا قطر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.