شعار قسم مدونات

حركة 20 فبراير.. الفرصة المجهضة!

BLOGS 20 فبراير

بحلول 20 فبراير 2018، يكون الحراك المغربي قد أكمل سبع سنوات، وهي مدة كافية للتقييم، إن فترة سبع سنوات من عمر الشعوب كافية للوقوف وقفة تأمل طويلة لطرح السؤال: حول ما تحقق بعد سبع سنوات عن انطلاق حراك 20 فبراير، وهل وضع المغرب على الأقل عجلته على السكة الصحيحة؟

حينما كانت الزخات المطرية الخفيفة تداعب سماء المغرب صباح يوم 20 فبراير 2011.. كان الآلاف من المواطنين من كل الأعمار يتقاطرون بكل عزم وإصرار على شوارع مدن وقرى المغرب مرددين شعارات مطالبة بإصلاحات عميقة وشاملة للنظام السياسي، كان الشعار المركزي الذي يختزل مطلب جيل بأكمله محدد في ثلاث كلمات: حرية، كرامة، عدالة اجتماعية.. وتفصيلات أخرى لا يسع المجال لذكرها.

 

وإذا كانت مظاهرات 20 فبراير التي عمت البلاد جميعها قد مرت في أجواء سلمية وحضارية كما أقر بذلك وزير الداخلية إبانها، فإن الملك ألقى بعد أسبوعين وبالضبط يوم 9 مارس 2011 خطابا رسميا أعلن فيه عن قرارات فُهمت أو تم تأويلها على أنها إجابات على مطالب الحركة التي لم يشر إليها الخطاب بأي شكل من الأشكال لا تصريحا ولا تلميحا، وكان أبرز قرار هو "تعيين لجنة استشارية" تتحدد مهمتها في الاستماع إلى مذكرات الأحزاب والنقابات، بخصوص مقترحاتها لإصلاح دستوري مؤطر بخطاب ملكي وفي حدود ما تضمنه..

 

عين الملك السيد عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، طبقا لمنطوق الدستور، وبدا الجميع مترقبا لوعود متكررة بإصلاحات قطاعية على الأقل، بعد فشل رهان دمقرطة السلطة بواسطة الوثيقة الدستورية

وبعد ذلك رفعت اللجنة تقريرا للملك فور انتهاء أشغالها.. الشيء الذي رفضته الحركة نظرا لكون مطلبها الأساسي بخصوص المسألة الدستورية يتمحور حول "جمعية تأسيسية منتخبة أو متوافق بشأنها" -تم بلورة موقف التوافق فيما بعد- وليس "لجنة استماع استشارية معينة".. لقد كانت الطريقة الفوقية على مستوى المدخل الدستوري إعدادا ومصادقة، نبوءة غير إيجابية ولا تبعث على التفاؤل، وعلى الرغم من تضمين بعض المقتضيات المتعلقة بحقوق الإنسان ودسترة مجلس الحكومة، وتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات وعلى أساس نتائجها، فإن الدستور الذي قاطعته حركة 20 فبراير إعدادا ومصادقة.. ظل أسير "سلطوية متخفية" ضمن بنوده، مستعدة للتكشير عن أنيابها كلما سنحت لها الفرصة بذلك.

الإسلاميون.. من الدعوة إلى الحكومة

كان لافتا الرفض الرسمي لحزب العدالة والتنمية المشاركة في حراك 20 فبراير باعتباره الحزب الذي كان يصرح صباح مساء أنه محاصر من قبل أجهزة الدولة، ويتعرض لمضايقات تعرقل عمله السياسي في إطار القانون المعمول به، ومصنف ظاهريا على الأقل ضمن قائمة "الأحزاب المغضوب عليها"، لقد توقع الجميع مشاركته العفوية في مظاهرات 20 فبراير 2011 حتى يشكل إلى جانب القوى الأخرى مركز ضغط في اتجاه ترجيح كفة التغيير العميق لهياكل النظام السياسي القائم، غير أن هذا لم يتم، وشارك الحزب في الانتخابات النيابية لسنة 2011 التي احتل فيها المرتبة الأولى بين أحزاب متآكلة سياسيا وتنظيميا وظلت مبعث نقد لاذع من طرف شريحة واسعة من المواطنين والملاحظين بسبب انغماسها في ثقافة الريع والفساد الذي نخر البلاد.

 

عين الملك السيد عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، طبقا لمنطوق الدستور، وبدا الجميع مترقبا لوعود متكررة بإصلاحات قطاعية على الأقل، بعد فشل رهان دمقرطة السلطة بواسطة الوثيقة الدستورية، فكانت المصائب تتوالى الواحدة تلو الأخرى على رؤوس الطبقات الوسطى والمسحوقة، بدءا مما أسمته الحكومة بـ"إصلاح صندوق المقاصة"، وهو صندوق يدعم المواد الأساسية الاستهلاكية.

 

أدى رفع الدعم التدريجي عن بعض المواد إلى ارتفاع أسعارها في السوق بما يعنيه من تضرر القدرة الشرائية للمواطنين خصوصا الشرائح الضعيفة ومحدودة الدخل وحتى المتوسطة.. وأمام النقد اللاذع الذي بات موجها لحكومة لم ينجح كثيرون في تحديد طبيعة توجهها ولا برنامج عملها ولا مرجعيتها بشكل واضح.. حيث طغت المساومات في جميع الاتجاهات.. لجأ الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي إلى ترديد الخطاب التنديدي نفسه الذي كان يردده أيام "استبعاده من المشاركة السياسية" فأصبح معارضا وقائدا للحكومة في الوقت ذاته، وعم التباس رهيب ونقاش حول مدى أهمية الانتخابات إذا كان الحزب الحاكم لا يحكم فعلا، ولا يتنحى عن مشاركته في هذه المسرحية المملة، وهو ما نبهت إليه حركة 20 فبراير منذ البداية وغداة المطالبة بإصلاح دستوري حقيقي.

 

وحذرت من المضي في خلق جو الالتباس والغموض المقصود الذي طبع ويطبع العمل السياسي في البلاد بهدف التحكم في مفاصله من كل جانب.. وقد كانت النتيجة، نتيجة تجاذب القوى المتصارعة على مراكز النفوذ على حساب قطاعات اجتماعية كالتعليم والصحة والتشغيل و..إلخ، وبعدما أكمل بنكيران ولايته على رأس الحكومة، وبدا أن الحزب -الذي كان يردد شعارات كبرى من قبيل محاربة الفساد والاستبداد- نمرا بلا أنياب مستعدا لكي يكون نسخة طبق الأصل من الأحزاب التي شاركت طيلة عقود في صنع المغرب الذي نعيشه اليوم.. مقابل السماح له بالاندماج في اللعبة السياسية الجامدة.

العنف والاعتقال.. هما العنوان الأكبر للدول السلطوية الفاشلة.. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال.. متى يتم الاعتراف بإجهاض فرصة 20 فبراير التي كانت فرصة ذهبية لركوب قطار الديمقراطية الحقة؟
العنف والاعتقال.. هما العنوان الأكبر للدول السلطوية الفاشلة.. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال.. متى يتم الاعتراف بإجهاض فرصة 20 فبراير التي كانت فرصة ذهبية لركوب قطار الديمقراطية الحقة؟
 
فشل بجانب فشل

في خطابه الأخير، أقر الملك بفشل النموذج التنموي للبلاد على الرغم من الجهود التي بُذلت على مستوى التنمية البشرية، التي احتل فيها المغرب مراتب متأخرة حسب تقرير الأمم المتحدة لسنة 2016، وهي الرتبة 123 من ضمن 188 دولة شملها التقرير الأممي.. بينما ارتفع حجم المديونية الخارجية للمغرب، وانتقلت نسبة البطالة من 9 في المائة إلى 10.2 في المائة حسب الإحصائيات الرسمية، وأمام سياسات الفشل هاته كشف تقرير لصحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن المغرب متخلف فيما يتعلق بمؤشر الديمقراطية لسنة 2017، حيث احتل الرتبة 101 من أصل 167 دولة شملتها الدراسة التي أدرجته ضمن "الأنظمة الهجينة".

 

معطى آخر سينضاف إلى التدبير المتخلف للدولة، وهو حراك الريف، احتجاج اجتماعي عدّد مطالبه في نقاط ذات طابع اقتصادي واجتماعي من تشغيل وتطبيب وبناء مرافق صحية وإحداث مناطق تنموية في المنطقة.. مطالب واجهتها الدولة بتدشينها اعتقالات واسعة في صفوف النشطاء -ما زالت محاكماتهم جارية إلى حد كتابة هذه السطور- في تناقض صارخ مع المواثيق الدولية، وحتى مع تلك الفصول المضمنة في الدستور؛ والتي تكفل الحق في التظاهر السلمي كحق أصيل لا يجوز مصادرته.. لمواطنين طالبوا بحقهم في العدالة الاجتماعية والمجالية والحق في الحدود الدنيا من الكرامة، غير أنه أضحى حلما بعيد المنال في بلد يتقمص شخصية -دونكيشوت- لمصارعة "رياح الحقيقة " التي تفيد أن الدولة تنتقل من فشل إلى فشل يليه… وباطمئنان تحسد عليه!

سلطوية عنيدة

ليس من قبيل المبالغة أن يتوصل المراقب إلى خلاصة بخصوص المسار المستقبلي للمغرب، انطلاقا من مؤشرات الخطوات والقرارات التي يتخذها المسؤولون هنا، فالاحتجاجات ذات الامتداد الجهوي ما فتئت تتنامى، والمدن أضحت قرى بلا ماء ولا مرافق اجتماعية تستجيب وتواكب حاجيات المواطنين المتزايدة، والاكتظاظ أمام المستشفيات والفقر المتنامي، والبطالة وسط خريجي الجامعات والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الأساسية الاستهلاكية.

 

في المقابل نجد أن الدولة والحكومة مازالتا ماضيتين في ترديد الأسطوانة نفسها التي تعزف نشيد الوعود البراقة والأمل الكاذب في الغد، وحينما تواجَه بالوعي المتنامي وسط المواطنين بسبب الواقع العنيد الذي لا يقبل إلا لغة الفعل والنتائج الملموسة، وتفشل في عملية "غسل الدماغ تلك" تلجأ إلى عادتها القديمة.. العنف والاعتقال.. وهما العنوان الأكبر للدول السلطوية والدول الفاشلة.. وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال وبنوع من الاستنكار؛ متى يتم الاعتراف بإجهاض فرصة 20 فبراير التي كانت فرصة ذهبية لركوب قطار الديمقراطية الحقة؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.