شعار قسم مدونات

ما قاله حمزة نمرة وخشيناه

blogs داري يا قلبي حمزة نمرة
أذاع حمزة نمرة أغنيته الأخيرة "داري يا قلبي" التي حققت حتى كتابة هذه السطور أكثر من 14 مليون مشاهدة على موقع "يوتيوب" فقط، ناهيك عن باقي مواقع التواصل الاجتماعي التي شاركت الأغنية مع عاصفة من التعليقات المرحبة والمتأسية والمستدعية لكل معاني كلمات الأغنية من ذوات هذا الجيل.
 

لن أخوض في جدال فني لا أجيده ولا أحسنه، ولست في مقام تقييم لعمل فني، وحتى لن أحكم على جودة كلمات الأغنية من عدمها، وأترك هذا كله لأصحابه ورواده، وإنما يمكن القول بأن ما جعل كل هؤلاء يستشعرون الأغنية هي حالتها التي لامست حالتهم بغض النظر عن أي عوامل انتشار تسويقية أخرى.

 

نعم نحن الذين نُخبئ ما بداخلنا عن أقرب الناس إلينا في هذه الأيام، ونحن الذين نتفنن في الاختفاء عن الأعين عمن تعودوا رؤيتنا في كل صورة، نحن التائهون الخائفون -وإن خشينا- أن نصرح بذلك لأحد، فحينما يشعر أحدهم بحالتنا هذه ويقرر التعبير عنها بطريقة ما سوف تلامسنا بلا شك، دون أن نتكلم أو نطلب.

 

لا تذكر القوم بأهلهم وأصحابهم يا حمزة، فالغربة تنهش في القوم بلا رحمة، ولا يريدون من يذكرهم بتلك الصورة التي غاب عنها الجميع

حيرة جيل وقع فريسة هزائمه قصيرة الأمد التي ما زال يعتبرها نهاية الكون بالنسبة لتطلاعاته الرومانسية السابقة. يُحاول بعضنا التعافي مما ألم به، لكننا أيقنا أننا لن نعود كما كنا، لذا تجد الكثيرين يفضلون الانزواء عن الأعين، بعدما كانوا على النقيض من ذلك في فترة ليست بالبعيدة.

 
كل منا أصبح لديه أسئلته التي لا إجابة لها عنده، كل منا تشبع بخبرات كهل ستيني تفيض من عقله للدرجة التي يُحاول سكبها بعيدًا من فرط إدراكه لما كان ينبغي ألا يُدرك الآن. بالتأكيد نحن نعيش اغترابنا عن واقعنا، نحن نعيش في عدة أماكن متفرقة، ولسان الحال: لست هذا أنا، وليس هذا مكاني، فالأرواح شُقت مع الأحلام والآمال، والأجساد ترتحل مجبرة من مكان إلى مكان، ولا حق في الاختيار.

 
لم نعد نشعر بما هو حولنا حقا، ولم نعد ندري هل إدراكنا لواقعنا الحالي إدارك حقيقي، أم مجرد محاولة للتماهي مع تلك المآسي المتجددة، ولكن لا يهم كل ذلك، فاللامبالاة أحد أسلحتنا لمواجهة هذا كله، لم أكن أتوقع أن هذا الشخص ستصيبه اللامبالاة يومًا، بل لم يكن يتوقع هو نفسه ذلك، ولكن يحدث للمكلومين ما هو أكثر من ذلك يا عزيزي.

 
أكاد أجزم أن هذا الجيل هو أحد أكثر أجيال التغيير "رومانسية" فيمن مروا عبر التاريخ الحديث الشقي لهذه الأمة، لأن أول هزيمة نتج عنها هذا الفيض من المشاعر الذي تسبب في حالة الخرس التي أصيب بها الغالبية منا، في ظل مقاومة البقية.

 

 
بت لا أرى معنى لأسئلة مثل هل تغير فلان علينا؟ أو ماذا حل بفلان؟ ألا تعيشوا معنا على هذا الكوكب! بالطبع تغير فلان وحل بالآخر ما لا يُعد ولا يحصى، واختلفت طبائع استجاباتنا لما وقع، لكن يبدو أن المحصلة واحدة، انعدام الاهتمام حتى بالإجابة على السؤال.

 
لم أعد شخصيا على مقدرة لشرح ماذا حل بي؟ ولماذا أخذت جانبا؟ أصبح هذا أكثر إرهاقًا من أي شيء آخر، وهو ما أجزم أنها إجابة كُثُر آخرين، حيث الطباع الجديدة التي تميل إلى العزلة والانفراد بالنفس، بعيدًا عن صخب الهزائم، وضجيج الأحلام المبتسرة التي تبحث عن حامليها فتجدهم بين قتيل وجريح وأسير، تلك الطباع التي تليق فعليا بمرحلة الاغتراب هذه.

لا تذكر القوم بأهلهم وأصحابهم يا حمزة، فالغربة تنهش في القوم بلا رحمة، ولا يريدون من يذكرهم بتلك الصورة التي غاب عنها الجميع، واسمح لي أن أختلف معك هنا، فمن ودعوا وتركونا نعرف أسباب وداعهم جيدًا وليس بدون أسباب كما غنيت، لكن هذا ما نحاول الهروب منه وعدم تذكره.
إن ما قاله حمزة نمرة هو الذي نخشاه ونهرب منه، لذا حين سمعناه كانت ألسنتنا هي التي تتحرك وليست كلمات الأغنية على لسان مغنيها، فمهما حاول الجمع الهرب سيكون التذكر والحنين مصرعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.