شعار قسم مدونات

فلسطين والحكومات العربية.. حكاية خيانة لا تنتهي

blogs القدس

لا أدري لماذا نحن الفلسطينيين لا نتعلم من أخطائنا، ونستمر في ارتكاب الأخطاء نفسها، وبالطريقة نفسها، ونحصل على النتيجة ذاتها، وأعظم خطأ نرتكبه نحن الفلسطينيين وما زلنا نرتكبه إلى اليوم بإصرار عجيب وغريب بالرغم من المآسي الكبيرة التي عانيناها بسببه، هو اعتمادنا على الحكومات العربية طوال مراحل القضية الفلسطينية، وهو خطأ ما زلنا إلى اليوم نمارسه بكل أريحية، وكأننا لا نعرف مدى المشاكل والمآسي التي سنتعرض لها بالاعتماد على حكومات لا تعترف بالمبادئ أو القيم أو القضايا الوطنية، بل تعترف بشيء واحد الحفاظ على السلطة وكرسي العرش مهما كان السبيل إلى ذلك، حتى لو دمرت شعوبها وحرقت أوطانها في سبيل ذلك، فكيف نتطلع إليها في تحرير فلسطين ودحر اليهود من أرضنا.

لقد استمعنا إلى هذه الحكومات في كل مراحل القضية الفلسطينية فماذا كانت النتيجة؟ كارثة بكل المقاييس، ضاعت أرضنا، وشردنا في أصقاع الدنيا، وسقط منا الشهداء والجرحى، وفقدنا كل شيء، وأصبحنا مشتتين في كل أرجاء العالم، لا نستطيع العودة إلى وطننا أو البقاء في منافينا التي ترفض بكل قوة أن نبقى فيها.

لقد بدأت بوادر خيانة الحكومات العربية مبكرا جدا ولكن نحن تغاضينا عنها ودفنا رؤوسنا في الرمال، متجاهلين الحقيقة الواضحة أمام أعيننا، وكانت البادرة الأولى لهذه الخيانة قيام الحكومات العربية بإرسال برقيات إلى اللجنة العربية العليا التي كانت تدير الثورة الفلسطينية الكبرى عام1936 بإنهاء الإضراب الفلسطيني الذي استمر ستة أشهر رفضا للسياسات البريطانية، واستجاب الفلسطينيون لهذه البرقيات، وأنهوا الإضراب الأطول في التاريخ الحديث، فماذا حصل؟ أرسلت بريطانيا لجنة بيل الملكية التي أصدرت توصياتها بتقسيم فلسطين، مما أدى إلى اندلاع شرارة الثورة من جديد ورفضت هذه التوصيات، وكانت هذه النتيجة بسبب سماعنا للحكومات العربية.

خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن
خيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن
 

لم نستوعب الدرس الذي تلقيناه في الثورة الكبرى عام 1936، واستمررنا في الاستماع إلى الحكومات العربية حتى جاءت لحظة الحقيقة في عام 1948، حيث كنا نأمل أن تنصرنا الجيوش العربية ويتمكنوا من دحر اليهود، ولكن الذي حدث كان عكس ذلك تماما فالجيوش العربية وحكوماتها كانت تتحكم فيها القوى الاستعمارية ولم تقم بأي استعداد جدي لدخول الحرب ضد اليهود، كما لم تقدم أي دعم بالسلاح والذخيرة والأموال للفلسطينيين من التبرعات التي كانت تتلقاها الجامعة العربية، مما دفع الشهيد عبد القادر الحسيني إلى الصراخ في وجه أحد المسؤولين العرب "أنتم خائنون، سيكتب التاريخ أنكم أضعتم فلسطين"، وللأسف الشديد حصل كما قال الشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد بعد يومين من كلامه هذا في معركة القسطل.

وعندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، قامت بسحب الأسلحة من الفلسطينيين في فعل عجيب غريب، في الوقت الذي كان يجب على هذه الجيوش أن تسلح الفلسطينيين من أجل الدفاع عن أراضيهم، وهكذا ضاعت فلسطين وانتهى أمرنا إلى الشتات والتيه في أصقاع الأرض، لتبدأ مأساتنا في مخيمات اللاجئين التي ما زلنا فيها إلى يومنا هذا. وخيانة حكام العرب تاريخ لا ينتهي، وها نحن اليوم أمام خيانة جديدة منهم، تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية للتخلص من الصداع المزمن في رؤوسهم والمسمى القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن التي أعدتها أميركا والتي تساعدها في تنفيذها العديد من الحكومات العربية، التي بدأت بوادرها بإعلان أميركا القدس عاصمة لإسرائيل.

لذا علينا نحن الفلسطينيين أن نحارب هذه الصفقة بكل ما أوتينا من قوة، ولا نستمع إلى كلام الحكام العرب الذين يدسون السم في العسل، فتاريخ خيانتهم لنا طويل جدا، وواجبنا يحتم علينا أن نفعل كل شيء من أجل ألا ينسى العالم قضيتنا حتى نحرر أرضنا ونعود إلى وطننا العزيز، وإن أول خطوات تحقيق هذا الأمر مسيرة العودة الكبرى التي ستضع العالم الحر أمام ضميره، إما بالوقوف مع المظلومين أو التماهي مع الظالمين، لذا يجب أن يكون الحشد على مستوى الحدث، فالأخطار التي تحيط بالقضية الفلسطينية كبيرة، وهي على مفترق طرق هام، فإما أن تبقى وإما أن تختفي ويختفي معها وجود الشعب الفلسطيني.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.