شعار قسم مدونات

إنه الفالنتين يا سيد "نايجل"!

BLOGS الطائر نايجل

كثيرون حول الفالنتين، قليلون حول الحب! ربما استحق المسكين "نايجل" أن نعتبره أحد هؤلاء القليلين الذين هم حول الحب حقا، حوله بلا غاية إلا أن يكونوا حوله، بعيدا عن ضوضاء المهرجان الأحمر الكبير للفالنتين. حل الطائر البحري "نايجل" على جزيرة مانا المهجورة في نيوزيلاندا، حيث وضع المدافعون عن البيئة تماثيل أسمنتية ملونة لطيور الأطيش البحرية (وهي فصيلة الطائر نايجل)، أملا في جذب طيور حقيقية تنخدع في الطيور الأسمنتية، ثم تتزاوج وتؤسس حياة برية في الجزيرة المهجورة.

 

في سنة 2013 هبط نايجل على الجزيرة. عشق أطيشة أسمنتية، بنى لها عشا من الأعشاب البحرية والأغصان، رقص لها رقصة الحب، لكن هيهات. الذي جعل نايجل عاشقا كبيرا أنه لم يترك الجزيرة شأن طيور كثيرة غيره؛ تحل قليلا ثم تمضي فور اكتشاف حقيقة الطيور الأسمنتية. نايجل أصر على البقاء مع حبيبته؛ يا له من حب.

 

هناك أساطير متنوعة تعزف نغمات روميو وجولييت، لكنها انتهت بالموت فور استحالة الحب. لن تعيشوا إلا بالحب المتحقق، وإلا فالموت، الموت

وفق الأسطورة اليونانية الشهيرة، كان بجماليون نحاتا بارعا، وكان يكره النساء حد المقت. لسبب قدري نحت تمثالا لامرأة فائقة الجمال، زيّنها بالحليّ الثمينة وألبسها أجمل الثياب، ثم وقع في عشقها. للمفارقة أنه أحب المرأة تمثالا فلم تبادله الحب، كأن النساء ينتقمن منه في شخص منحوتته الحجرية. أصبح مثيرا للشفقة، منهارا.

 

تقول الأسطورة إنه في عيد أفروديت ربة الحب لدى الإغريق، تضرع بجماليون إليها في معبدها، وكانت تدرك مأساته وتشفق عليه، فأرسلت إليه في التو إشارة بأنها قبلت توسلاته. عاد الفنان الموهوب إلى منحوتته ليكتشف أن أفروديت بعثت الحياة في التمثال. لم يصدق بجماليون نفسه وسمّى منحوتته الحية جالاتيا، وتزوجها بعد حب مجنون فأنجبا الطفل بافوس، ومنه استمدت الجزيرة القبرصية اسمها.

 

هكذا دائما فهم البشر الحب: حب فزواج فإنجاب. هنا تتوقف الأساطير؛ لم نجد أسطورة تحكي مثلا عن تعاسة أحد الزوجين العاشقين، عن طلاق عنيف بعد صراعات مريرة، عن تمحور المعارك على حياة هذا الطفل التعيس، رغم أنه ثمرة العشق الملهم الخطير.. لماذا لا يرى البشر أبعد من هذه اللحظات التي رآها المسكين نايجل؟

 

لماذا يتوقف البشر هنا وكأن الفرح سيتواصل والحياة الزوجية الهانئة ستمضي إلى الأبد؟ لعل البشر كاذبون بطبيعتهم؛ لا أدري. أين الأساطير التي تمجّد الحب المحض، الذي يعيش له إنسان أو إنسانة دون انتظار ولا موت. بالطبع هناك أساطير متنوعة تعزف نغمات روميو وجولييت، لكنها انتهت بالموت فور استحالة الحب. لن تعيشوا إلا بالحب المتحقق، وإلا فالموت، الموت.

 

ربما كان نايجل مثالا للعب الطبيعة المدهش، لسخريتها منا. لأن بعض طيور الأطيش هبطت الجزيرة في ديسمبر، لكن العاشق تجاهلها، لن يسمح بخيانة حبيبته الأسمنتية. صرح أحد موظفي وكالة البيئة العاملة على الجزيرة بأن المهتمين بالبيئة والحياة البرية أملوا في أن تتواصل الطيور الجديدة وتتزاوج على الجزيرة، لكن نايجل ظل لصيقا بحبيبته.

 

في أوائل فبراير، وبينما يستعد العالم للفالنتين، وجدوا جثة نايجل بجوار حبيبته. هذه حكاية تشبه الأساطير يا نايجل! لكنها أسطورة لن يؤلفها البشر. لذلك تداولت الصحف العالمية خبر موته، وانطوت الصفحة سريعا. لن نجد بشرا كثيرين يتداولون حكاية نايجل، لن يراه الكثيرون ممثلا لهم، ربما اعتبره الجميع أحمق أو مجنونا، حتى أن أحد مسؤولي الوكالة الذين أحبوا نايجل رجحوا أنه مر بظروف قاسية، أو أنه مطرود من سرب طيور مجاور. لم يروه إلا في إطار الأزمة أو الاختلال.

 

ألا يمكن أن نعتبر هذا الحب شيئا حقيقيا ثمينا؟ غالبا لن نصدقه. لدينا معايير نؤمن بها إيمانا حاسما عجيبا؛ إذا لم يخرج أطفال من بطن الحب فليس بحب. حتى القديس فالنتين تُروى له عدة أساطير عن الحب، تدور كلها في فلك تزويج العشاق سرا، وتختلف الروايات: هل هم جنود أم مسيحيون يُحظر تزويجهم وفق القوانين الرومانية.. ليتزوج الجميع أيها السادة. سلاما لروحك يا سيد نايجل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط

الحب يحاصر الطائر "نايجل" ويودي بحياته

Nigel the lonely gannet dies as he lived, surrounded by concrete birds

The Life and Death of Nigel, the World’s Loneliest Seabird

New Zealand gannet ‘no mates Nigel’ dies alongside fake partner

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.