شعار قسم مدونات

خمسة عوامل تساهم في تحقيق النهضة في الصومال

مدونات - الصومال
تفاءل الكثير بتجاوز المرحلة الانتقالية عام 2012 بعد اختيار حسن شيخ محمود رئيسا للبلاد لمدة خمس سنوات، وعلى الرغم من تحسن الأوضاع بنسب ملحوظة عن سابق عهدها إلا أن تطلعات الشعب الصومالي لم تصل إلى المستوى المطلوب، ولم يختلف الأمر كثيرا بعد انتخاب محمد عبد الله فرماجو الذي أنهى عامه الأول في اليوم الثامن من الشهر الجاري، إذ لم يسلم من الانتقادات الشديدة والإخفاقات التي نالت من شعبيته، فالشعب الصومالي كان يأمل الكثير لما عرف عن  فرماجو من إرادة ونية صادقة في إعادة الصومال من جديد، لكن مجريات الأحداث أثبتت أن شخصا واحدا لا يستطيع فعل الإنجازات بمفرده مهما علت مصداقيته، ذلك أن التدخلات الخارجية وبمساعدة أيد خفية من داخل المجتمع عملت على زعزعة المخطط الذي أراد القيام به الرئيس المنتخب.
  
إن مجتمعنا يعاني الفساد أكثر من عقدين من الزمن، وهذا يعني أن إصلاحه يحتاج إلى جهود كبيرة قد تصل إلى سنوات طويلة من العمل، ولما كان واقع الرؤساء يواجه تخبطات عدة، تنوعت التوقعات لما سيؤول إليه وضع الوطن، فهناك من فقد الأمل تماما معتقدا باستحالة عودة الصومال كدولة قائمة، وهناك من يرى أن الحل يكمن في ضربة عسكرية شاملة من جنوب الصومال إلى شماله(*)، وفئة أخرى ترى أن تدارك الأمر ما زال قائما. ضمن هذه السطور عوامل أساسية تساهم في إقامة التوازن بين سقف التوقعات الواهمة والواقع المرير:
    

العامل الأول: الموازنة بين قدرتنا العقلية وحجم الأزمة
يجب إدراك سنة التدرج والعمل وفقها، لا أن نحاول القفز من مرحلة حتى نصل إلى مرحلة أعلى، فالحضارة الإسلامية لم تبلغ أوج نهضتها إلا في عصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

يعتبر العقل البشري من أكثر نعم الله تعالى إعجازا، من خلال قدرته الفائقة على حل المشكلات مهما كانت مستعصية إلا ما كان في أمور الغيبيات، مع ذلك نجد أن التقليل من شأنه بالمقارنة مع الأزمة القائمة تعد آفة لدى فئة ليست بالقليلة من المواطنين الذين يروعهم كبر الأزمة، فهم يرونها معقدة مستحيلة الحل، متناسين أنه مهما كانت درجة تعقيد الأزمة وطول مدتها لا يعني ذلك أن العقل لا يستطيع إيجاد الحل المناسب لها، كل ما في الأمر هو الجهل باستيعاب الأزمة، وما إن تدخل ضمن نطاق الوعي يتمكن العقل من معالجتها، كأن يجعل المواطن النهضة بالمجتمع قضيته الرئيسية ويتميز في تخصصه، عندها تكون الأزمة حيز الاستيعاب.

        
العامل الثاني: العمل وفق سنة التدرج
الإنسان منذ ولادته يمر بمراحل عمرية مختلفة حتى يبلغ السن المقدرة له، كذلك الأمر مع الحضارات، فهي تمر بمراحل عدة؛ الميلاد ثم النضوج ثم الانهيار، لذلك وجب إدراك سنة التدرج والعمل وفقها، لا أن نحاول القفز من مرحلة حتى نصل إلى مرحلة أعلى، فلكل مرحلة ظروفها وأدواتها لا يمكن تجاوزها دون إتمام مهامها على أتم وجه، كما أن لكل مرحلة رجالها و زمن محدد بها.
    
من الأمثلة على سنة التدرج في بناء الدول: الحضارة الإسلامية التي بلغت أوج نهضتها في عصر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بينما كانت في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم فترة التأسيس، وما إن أصبح الصحابة رضوان الله عليهم -أي المجتمع الإسلامي- يدرك كل فردٍ منهم ما له وما عليه اتجاه نفسه والآخرين، ساعد على إقامة دولة ذات مقومات متكاملة في عصر الخلفاء الراشدين. في العصر الحديث نرى حزب العدالة والتنمية بدأ عمله على إعادة تركيا إلى الواجهة العالمية منذ عام 2001 من خلال تقديم الإصلاحات وتأمين احتياجات المجتمع، وفي وقتنا الحاضر لا يخفى على أحد الفرق الهائل بين تركيا التسعينيات وتركيا المعاصرة. تؤكد هذه الصورتان أهمية سنة التدرج وضرورة التزامنا بها، كما يعطيان إشارة قوية أن ابتداء الإصلاح من المجتمع يكون أفضل وأضمن نتيجة.
      

العامل الثالث: طوق النجاة في المنظومة الفكرية
أساس المجتمع يتمثل في منظومته الفكرية التي تعكسها سلوكيات الأفراد، مما يعطي الأولوية للخروج من أزمتنا لدراسة المنظومة الفكرية في مجتمعنا
أساس المجتمع يتمثل في منظومته الفكرية التي تعكسها سلوكيات الأفراد، مما يعطي الأولوية للخروج من أزمتنا لدراسة المنظومة الفكرية في مجتمعنا
      
"فقط الفكرة تستطيع نقل أمة من مكان لآخر" كانت هذه العبارة بداية عهد جديد لأمة عانت التشرد والقتل والظلم أكثر مما حدث ويحدث لنا كصوماليين، قالها أبرز مؤسسي الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، وما نراه اليوم من قوة اليهود وجبروتهم كانت بدايته فكرة.
  
"إن تنظيم المجتمع وحياته وحركته، بل فوضاه وخموده وركوده، كل هذه الأمور ذات علاقة وظيفية بنظام الأفكار المنتشرة في ذلك المجتمع، فإذا ما تغير هذا النظام بطريقة أو بأخرى فإن جميع الخصائص الاجتماعية الأخرى تتعدل في الاتجاه نفسه"(1).. توضح هذه المقولة أن أساس المجتمع يتمثل في منظومته الفكرية التي تعكسها سلوكيات الأفراد، مما يعطي الأولوية للخروج من أزمتنا لدراسة المنظومة الفكرية في مجتمعنا من حيث تحليلها ونقدها ثم تطويرها، وهذا يحتاج إلى العديد من الأبحاث والمؤلفات والمشاريع، لكنني أتطرق إلى ركيزتين ذات أهمية:
  
1. الانفتاح وعدم الانغلاق: رفض نموذج التحضر الغربي يعد من الأفكار التي يؤمن بها نسبة من علماء الدين، الذين تتملكهم مخاوف من الانفتاح على الحضارة الغربية متعللين بأنها تؤثر سلبا على المجتمع الصومالي، كما أن حركة الشباب تطبق هذه النظرة فعليا. إن هذا الاعتقاد يصعب تطبيقه منطقيا في ظل العولمة التي نعيشها، لذلك من المفيد اقتباس الأفكار من الغرب لا بشكل كامل وإنما بشروط معينة؛ أي استيراد المناسب منها وترك الأفكار الفاسدة.
  
2. الحل من الداخل وليس من الخارج: بالمقابل، هناك من يرى الحل في تطبيق النموذج الغربي على المجتمع الصومالي، وهذا يخالف طبيعة مجتمعنا، بسبب الاختلاف الجذري بين مكونات المجتمع لدينا والمجتمع الغربي، فالعلاج المناسب لما نعانيه محلي الصنع لا علاج يتم استيراده بشكل كلي من الخارج، حيث إن "كل المشاكل التي تكون في المجتمع إنما تنتمي إليه في دورته الزمنية الخاصة وليس لها أي ارتباط في المقارنة مع الحضارات الأخرى".(2)
  

العامل الرابع: إشباع الرصيد العاطفي
ما يميز الشباب الصومالي التمتع بقدر كبير من الحيوية والنشاط، وهذه دلالة واضحة على رغبة الكثير في إصلاح الواقع قدر المستطاع
ما يميز الشباب الصومالي التمتع بقدر كبير من الحيوية والنشاط، وهذه دلالة واضحة على رغبة الكثير في إصلاح الواقع قدر المستطاع
      
عادة ما يصاحب التغيير مقاومة عنيفة من قبل الناس، مما يجعل مهمة المفكرين والمصلحين صعبة تتخللها الكثير من العقبات، فالمفكر أو المصلح يعمد إلى انتقاد سلوكيات المجتمع، ويضع يده على مواضع الجرح، مما يسبب نفور الناس منه بل ومحاربته، من أجل ذلك كان حسن الخلق والحميمية وتقديم الأفكار بقوالب مغلفة بالعاطفة يسهِّل عملية تقبلها والامتثال لها، فالناس بطبعها تميل إلى الكلمة الطيبة وحسن الخلق، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فقد كان يحب الرفق واللين في الأمور كلها، وهذا ما نجده عند تعامله مع الأعرابي الذي بال في المسجد(3)، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عطوفا ورحيما في تصحيح السلوكيات الخاطئة، وما أروع عندما يقتدي المفكر والمصلح بالرسول الكريم في مخاطبتهم للقلوب قبل العقول حتى تقبل آراؤهم.

     

العامل الخامس: الارتقاء إلى مستوى الفاعلية
الفكرة السليمة المقرونة بالعمل المتقن تنتج الفاعلية؛ بعكس التنظير أو الأنشطة التي تفتقر إلى رؤية ورسالة قيمة، إن ما يميزنا كشباب صومالي التمتع بقدر كبير من الحيوية والنشاط، وهذه دلالة واضحة على رغبة الكثير في إصلاح الواقع قدر المستطاع، ولكي نرتقي إلى مستوى الفاعلية من الجميل أن نطبق النقاط التالية:
    
1. لضمان فاعلية ما ينتجه المفكرون والأقلام المبدعة والناقدة لما هو عليه المجتمع، يستحسن قيام كل مفكر وناشط بتوثيق أطروحاته بواسطة مؤلفات أو تسجيلات مرئية، ومن ثم حفظها ضمن قاعدة بيانات يسهل الرجوع إليها والاعتماد عليها في تحويل المنتجات الفكرية إلى واقع ملموس تساهم في نهوض وتنمية المجتمع.
2. تحويل الأنشطة التطوعية ذات الطابع الفردي التي تتميز بالإبداع والإتقان إلى عمل جماعي ومؤسساتي؛ حيث إن تأثير المؤسسات يكون ذا فاعلية كبرى وعلى نطاق أوسع مما هو عليه المجهود الفردي.
3. تطبيق المؤسسات التنموية المنتشرة في المجتمع خطة إستراتيجية ورؤية واضحة تساهمان في القدرة على التماس المشاكل ووضع الحلول المناسبة لها، وتجنب الروتين القاتل للإبداع، وضمان استمرار إنتاجية المؤسسات.
    
تعد هذه العوامل الخمسة أساسات تمهد الطريق نحو الوصول إلى غايتنا المنشودة؛ إعادة الوطن إلى الواجهة العالمية، وهي بالتأكيد ليست كفيلة وحدها بإصلاح المجتمع في معزل عن العوامل الأخرى، مما يعني ضرورة استثمار جميع العوامل التي تساهم في نهضة المجتمع، والتاريخ حافل بالأمثلة لدول أصابها انهيار شبه كامل ثم عادت من جديد كاليابان وألمانيا والكثير من الدول، وهذا محفز يدفعنا لإصلاح مجتمعنا.
____________________________________________________ 

(*): هناك فئة من المواطنين الصوماليين ترى القوة العسكرية حلا مناسبا، متغافلين أن القمع يولد العنف والتطرف ناهيك عن الهرج والمرج.
(1): مشكلة الثقافة، مالك بن نبي، ط 20 ص13
(2): مالك بن نبي عصره وحياته، د.فوزية بريون، ط1 ص206
(3): صحيح البخاري، كتاب الوضوء 220

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.