شعار قسم مدونات

البطولة المزعومة والطائرة المشؤومة!

blogs الطائرة الإسرائيلية

شهدت الساحة العربية في الآونة الأخيرة تطورات خلطت الأمور وغيرت الكثير من المضامين والمفاهيم، مما جعل الكثير من الناس يغرق في غياهب السياسة ومؤامراتها، فلربما في هذه اللحظات يخرج من كان يُشهد له ببطولته ونزاهته، ويظهر خيانته علانية دون تردد أو خجل كما ظهر لنا مشهد قديم كانت قد أُغلقت أبوابه منذ سنوات، إلا أنه عاد ليناجزنا على إرجاع صورته القديمة.

إنه في صباح يوم السبت 10/2/2018 قام الجيش السوري بإسقاط طائرة إسرائيلية من طراز "إف16" قامت باختراق المجال الجوي السوري وقصف موقع عسكري سوري بريف حمص، حسب الرواية السورية، ولم تلبث إسرائيل إلا لحظات حتى صرحت بأن جيشها قد رصد طائرة استطلاع إيرانية دون طيار فوق الأراضي المحتلة فأسقطتها، وأرفقت ذلك بصور للمشهد، الأمر الذي أنكرته إيران ووصفته بالمضحك!

كل ذلك قد أعادنا إلى الأجواء القديمة التي كانت تظهر النظام السوري كنظام مقاوم للاحتلال الصهيوني، مع أننا لم نشاهد منه ما يثبت لنا مقاومته على أرض الميدان، فمنذ احتلال الجولان بعد حرب 1967 لم نشاهد مبادرة له لإرجاع الأراضي المحتلة، إلا أنه كان يحمل شعارات تحت اسم الممانعة التي اكتشفنا مؤخرا أنها كانت ممانعة على أبناء الشعب السوري والفلسطيني، ومنها الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 وانتهت في 1990. حيث قامت قواتٌ لبنانية من ضمنها "حركة أمل" التي خرج من عباءتها "حزب الله"، بأوامر إسرائيلية باقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا عام 1982 وقتل ما يقارب من 3500 فلسطيني، ليكونوا قد ارتكبوا حينها مجزرة من أبشع مجازر التاريخ. حيث إن الأجنة في بطون أمهاتهم لم تسلم من حقدهم الطائفي.

 

لم يعد هناك ما يخسره النظام السوري بعد الثورة إلا كثير من المقابر والأبنية المدمرة ورائحة الكيماوي التي ملأت أجواء مدن سوريا، فربما كان هذا دافعا قويا لحملها للرد على التعجرف الإسرائيلي
لم يعد هناك ما يخسره النظام السوري بعد الثورة إلا كثير من المقابر والأبنية المدمرة ورائحة الكيماوي التي ملأت أجواء مدن سوريا، فربما كان هذا دافعا قويا لحملها للرد على التعجرف الإسرائيلي
 

وما فعله النظام أثناء الثورة في مخيم اليرموك، ولا تنسوا دور إيران بتسخير كل جهود الشيعة العرب ضد مرسي، والذي دفعها إلى ذلك أسباب عدة ذكرت في كتاب "الردة عن الحرية" للكاتب محمد الراشد كان من أهمها: أن يقظةَ مصر إذا استمر الإسلاميون في الحكم ستكون سُنيّة تضمحل أمامها صورة الدولة الخمينية الكارهة للعرب.

ومن الطبيعي بعدما سقطت أقنعة الممانعة وظهر ما كان يُخفى من سوءاتهم أن يخسر هذا التحالف نسبة كبيرة من أرضيته الجماهيرية التي خُدعت بالشعارات الكاذبة تحديدا بعد الثورة السورية، ورغم محاولاته التي باءت بالفشل لإعادة صورته القديمة عن طريق دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، إلا أن الهدف الحقيقي من دعمه للمقاومة يصبّ في تعزيز المصالح الاستراتيجية لإيران، ولو كان هدفه هو تحرير فلسطين لشاهدتم صواريخه تضيء سماء تل الربيع، ولرأيتموه يرص صفوف جنوده على ثغور فلسطين المحتلة فهو دولة متكاملة لا تنقصه عدة ولا عتاد، إلا أن الحقد الطائفي قد أشعل نيرانه في جوارحه فسخر عدته وعتاده لحرق أحفاد خالد بن الوليد في حمص وحماة.

لم يعد هناك ما يخسره النظام السوري بعد الثورة إلا كثير من المقابر والأبنية المدمرة ورائحة الكيماوي التي ملأت أجواء مدن سوريا، فربما كان هذا دافعا قويا لحملها للرد على التعجرف الإسرائيلي الذي دام لعقود على أرضها، غير أنه من الممكن أن النظام السوري قد استحاط بأخذ الأوامر مسبقا من روسيا للرد على مثل هذه المباغثة الإسرائيلية، ومن المحتمل أن تكون هذه صورة سينمائية جديدة غايتها تضليل وتعتيم الطريق أمام أعين الجماهير في الساحات العربية، وكل شيء يحتمل حدوثه في هذه السنوات التي وصفها النبي محمد صلى الله عليه وسلّم بأنها خدّاعة يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق.

وفي الوقت الذي كان العالم أجمع يبحث عن المغزى الحقيقي وراء الرد السوري على الهجوم الإسرائيلي ما بين مسحج ومؤيد ومكذب، كانت سماء الغوطة وإدلب مغطاة بدخان طائرات المُمانعين التي كانت تشن غارات جوية لقصف التجمعات السكانية، مما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى ما زالت دماؤهم تسقي الشوارع والأتربة في الأزقة والحارات. وإن أخوف ما أخاف منه في خضم هذه الأحداث المضطربة أن تلدغ الجماهير العربية من ذات الجحر مرة اخرى فتكون قد وقعت في شباك البدعية الشعوبية الكارهة للأمة العربية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.