شعار قسم مدونات

حزب الله وإسرائيل.. من نؤيد في المعركة؟

مدونات - حزب الله
عقب إسقاط الطائرة الإسرائيلية يوم السبت الماضي، كان السؤال الذي يشغل الجميع في مواقع التواصل الاجتماعي من ستؤيد في حال اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله، ولعل هذا السؤال يبدو صادما للوهلة الأولى، إذ لم نعتد في المنطقة العربية على مدار السنوات أن نسأل مثل هذه الأسئلة البديهية، فإسرائيل هي العدو الأول للشعوب العربية، ولا أحد يفكر في تأييدها حتى لو كانت في حرب مع الشيطان نفسه، فكيف نؤيدها وهي تحارب عربا مسلمين من بني جلدتنا مثل حزب الله أو سوريا.
 
لكن الحقيقة أن الأمور لم تعد بهذه البساطة منذ 2011، وأصبحت الإجابة على هذا سؤال صعبة وشائكة بقدر لم يتوقعه أحد من قبل، فلم تعد إسرائيل هي العدو الأكثر إجراما في المنطقة، ولم تبق هي الخطير الوحيد الذي تتمنى الشعوب العربية زواله، بل انضمت إليها جوقة لا تنتهي من الأنظمة والميليشيات، التي لا تتوانى عن سفك الدماء ببرود تام تحت أعذار وحجج مختلفة، لدرجة تجعل الحليم حيرانا في اختيار الأسوأ بينهم.
 

من يظن أن إيران ستقوم بتسليم القدس أو حتى فلسطين للعرب والفلسطينيين في حال تحريرها سيكون واهما، ومن يظن أن انتصار إسرائيل سينهي الأزمة السورية فهو أيضا مخطئ

ربما تؤرق فكرة أن إسرائيل لم تعد العدو الوحيد أو الأكثر خطرا الكثيرين في منطقتنا العربية، وتجعلهم يعتقدون أن البوصلة انحرفت عن قضية العرب المركزية، ألا وهي فلسطين، وتجعلهم يعيدون الكلام المستهلك عن المؤامرات الغربية، وعن النجاح الإسرائيلي في خلق عدو جديد اسمه الشيعة أو إيران، وجعلتنا بصورة أو أخرى ننشغل بقتال بعضنا البعض، بدلا من قتالها، والواقع أن مثل هذا الكلام الساذج يحتاج لمساحة طويلة من الرد، لا أعتقد أنها تناسب طبيعة الموضوع، وسؤاله المركزي؛ من يجب أن نؤيد إذا اندلعت مواجهة بين حزب الله وإسرائيل؟
 
والحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تنطلق من منظورين، الأول أخلاقي مجرد، والثاني سياسي مصلحي له علاقة بطبيعة التفكير، وإذا تناولنا الجانب الأخلاقي المجرد في البداية، سنجد الإجابة بسيطة وسهلة، أننا غير معنيين بتأييد أي طرف في هذا النزاع، فالطرفان أوغلا في دماء الأبرياء والمساكين، بغض النظر عن الأسباب والمكان الذي حصل فيه الإيغال، والنزاع بينهما هو نزاع ظالمين بغض الطرف عن أسبابه، ولا يمكن لنا في الواقع أن نؤيد طرفا منهما؛ على أساس أنه قتل أقل من الآخر، أو أنه أكثر إجراما.
 
أما إذا تطرقنا إلى الإجابة على السؤال من منظور سياسي مصلحي، فسنجد الإجابة صعبة جدا، فهناك اتجاهان يتنازعان هذا المنظور، الأول يرى أن إسرائيل هي العدو الأكثر خطرا على المنطقة والأكثر إجراما، ويرى في انتصارها أو تأييدها انتهاء لآخر القلاع العربية التي تواجه إسرائيل، بينما يرى الاتجاه الثاني أن إيران هي العدو الأكثر خطرا في المنطقة، ويرى في انتصار حزب الله أو انتصارها تكريسا للنفوذ الإيراني على المنطقة؛ الذي يستحيل مواجهته في حال انتصار حزب الله، فإذا كانت إسرائيل بقوتها وجبروتها غير قادرة على ذلك فكيف الحال بالأنظمة العربية المسكينة.
 
في الاتجاهين، قد تسمع حججا منطقية تجعلك غير قادر على تمييز الأكثر خطورة بينهما، فانتصار إسرائيل يعني أنها قد أحكمت قبضتها على فلسطين وتخلصت من آخر المخاطر الخارجية التي تهدد احتلالها، وانتصار حزب الله يعني مزيدا من تكريس النفوذ الإيراني في المنطقة، ومزيدا من التوغل في القضايا العربية، والنتيجة باختصار هي أن تأييد أي طرف لا يصب في المصلحة العربية، فانتصار أي منهما سيكون في المحصلة على حساب المنطقة العربية، فإذا استطاعت إسرائيل حزب الله فنحن أمام كارثة حقيقية، ستفتح لإسرائيل الباب لمزيد من الهيمنة والحروب، وإذا حصل العكس فإننا أمام كارثة لا تقل خطورة، وستجعل توسع الميليشيات الإيرانية في المنطقة مسألة وقت لا أكثر.
 

أي حرب مهما يكن المنتصر فيها
أي حرب مهما يكن المنتصر فيها "حزب الله أو إسرائيل" فإن الخسارة العربية ستكون مضاعفة على عكس ما يعتقد الكثير، وبالتالي فإن تأييد أي طرف للانتصار على الطرف الآخر لا يبدو فكرة حكيمة
 

فمن يظن مثلاً أن حزب الله أو إيران سيقومون بتسليم القدس أو حتى فلسطين، للعرب والفلسطينيين في حال تحريرها سيكون واهما، ومن يظن أن انتصار إسرائيل سينهي الأزمة السورية، أو أن الأمر سينتهي فهو أيضاً مخطئ، فانتصار إسرائيل سيعني أنها أمنت الحدود اللبنانية والسورية من أي خطر، وسيجعلها تفكر في مد نفوذها نحوهما.
 
والخلاصة أن أي حرب سيكون فيها المنتصر أي طرف منهما، فإن الخسارة العربية ستكون مضاعفة على عكس ما يعتقد الكثير، وبالتالي فإن تأييد أي طرف للانتصار على الطرف الآخر لا يبدو فكرة حكيمة من الناحية المصلحية، فمصلحتنا السياسية لا تقضي بانتصار أي طرف منهما، ولكنها تكمن في عدم تأييد أي طرف أيضا، والتمني أن تكون معركة بلا فائز إن حصلت.
 
فمعركة بدون فائز، ستعني بالنسبة لنا تحطيم الطرفين، بشكل يجعل كل منهما غير قادر على تحقيق أي مكاسب سياسية أو حتى عسكرية، سوى إضعاف الطرف الآخر، أما بالنسبة للتأييد فطبعا يجب أن نؤيد المعركة، فأي نزاع بين طرفين من هذا النوع سيصب في صالحنا شرط أن لا ينتصر به أحد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.