شعار قسم مدونات

احذر.. أنت مراقَب!

مدونات - مراقب
"احذر .. أنت مُراقَب !"، عبارة كفيلة بقلب نظام يومنا رأسا على عقب، فجأة تتغير الأولويات، وتختلف التصرفات والمعاملات، يتحول حديثنا من العفوي التلقائي إلى حديث مرت كل كلمة فيه على طاقم للمراجعة والإعداد، يصبح السكون ملازما لنا كأن على رؤوسنا الطير؛ نفكر مليا، أهو راض عنا أم أن سخطه نزل علينا، كيف يراقبنا، لكنا غير مستعدين، هل رآنا ورأى فعلتنا؟ لكن مهلا، من يراقبنا؟ أهو مدير شركتنا أو مراقب عملنا، أم رئيس جمهوريتنا؟ لكن تُرى كيف يراني بأفعالي ؟!
ننتظر الإجابة بكل ترقب؛ الله يراقبك، نعم أعرف، حمدًا لله أنه ليس مراقبي كنت سأصبح في حال يُرثى لها ولأصبحت في "خبر كان"، لكن يا صديقي الله يراقبك، ومطلع على أفعالك تلك التي لا ترضى أن يراها رئيسك أو أي شخص آخر، فكيف ترضى بأن يراها ربك وخالقك؟ ألا تعلم بأن الله معك في أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك؟ ألم تعلم أن الله يعلم ما تُسرّ وما تعلن؟ ألم تدرك أن هناك رقيبا وعتيدا على ما تلفظ؟ ألا تفهم أن الله على كل شيء رقيب؟ ألم تعلم بعد أن الله يرى؟

يتخلل الشيطان إليك في أضعف لحظة وفي وقت الخلوة، يرشدك إلى الطريق الأمثل لطريق الضلال، نعم، فالشيطان لا يدعوك لفعل الذنب مباشرة، وخاصة إذا كنت ممن يقبضون على دينهم كقبضتهم على الجمر أو ما شابه، فالدعوة الأولى من نصيب الذنوب التي يراها عامة الناس لا حرج فيها وأنها مباحة لانتشارها وكثرة سالكيها، ثم تتابع نزغاته، حتى يوقعك في معصية لم تكن تعطي لها بالا لبُعدها عن طريقك ونهجك أشد البُعد!

أحيانًا إذا بلغ الإنسان مرتبة عالية، وتمكَّن من قلوب الناس، نسي أن هذا فضل من الله عليه، فيُحجب عن الله بهم ويَنسى مراقبته، وكذلك الناس حينما يعظمون هؤلاء إلى درجة كبيرة على حساب طاعتهم لله عزوجل ولا يتوقعون خطأه فيحجبهم عن الله

فهذا الشيطان يدفع الطبيب لتعدى حقوقه في النظر أكثر مما يستحق لدى المريضة، فيمتد بصره ويتجاوز نطاق الألم، ويختلس نظرة بعد نظرة، وهذا الفتى يملأ عينيه من امرأة جاره ويشبع نظره بعد أن اطمأن من خلو منزله وعدم كشف فعله لتلك المخالفة، فهذه أعين خائنة، ولا يعلم خائنة الأعين سوى الله.

نجد استشعار المراقبة من خاتم الأنبياء، حيث أوجز معنى المراقبة ووضعه في أعلى مقام، وهو مقام الإحسان، وفيه "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". المراقبة هي التي دفعت نبي الله يوسف أن يستبق امرأة العزيز إلى الباب، وبرغم تشابه طريقيهما، فإن اختلاف النوايا كبير، فقد كانا يركضان على نفس الطريق ولنفس الباب، لكنه كان يهرب من المعصية؛ خوفًا من الله، وهي تركض وراءها.

المراقبة أن تكون واعظا لقلبك ونفسك، ولا يغرنَّك اجتماع الناس عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك، المراقبة هي التي جعلت عبد الله بن المبارك يبكي حينما دخل على جمع غفير، وبالغوا في تكريمه، وكان رده : "يارب، لا تحجبني عنك بهم، ولا تحجبهم عنك بي"، فأحيانًا إذا بلغ الإنسان مرتبة عالية، وتمكَّن من قلوب الناس، نسي أن هذا فضل من الله عليه، فيُحجب عن الله بهم ويَنسى مراقبته، وكذلك الناس حينما يعظمون هؤلاء إلى درجة كبيرة على حساب طاعتهم لله عزوجل، ولا يتوقعون خطأه فيحجبهم عن الله.

إذا دخلت متجرا، ورأيت آلات التصوير تنتشر في زوايا متعددة منه، وقرأت لوحة فيها أن المتجر مراقَب بالكاميرات، فلا يُعقل أن تمد يدك وتأخذ حاجة وتضعها في جيبك، هذا مستحيل؛ لأنك مراقَب، وستلقى جزاءك إذا ما امتدت يدك والتقطتك عدسات الكاميرات، وستكون فضيحة لك في نطاق معارفك، فما بالك بمراقبة الله لك، وفضيحتك أمام الخلق يوم العرض؟

خلاصة القول؛ ذنوب الخلوات بالفعل مهلكات، واستشعار مراقبة الله من أعظم العبادات، ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذا خلا؛ لم يعبأ الله بشيء من عمله، فكل عمله نفاق ورياء، أما من كانت خلوته كجلوته يعلم أن الله يراه، فهذا الذي ينجح ويُفلح، فاللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.