شعار قسم مدونات

شيماء الصباغ وقصة عروس النيل المغدورة

blogs شيماء الصباغ

منذ آلاف السنين؛ وفي عهد الفراعنة العتيد، توقف نهر النيل عن الفيضان وخيم الهلع على أهل مصر، فقال الكهنة بأن النيل غاضب وإلاه الرخاء؛ لأن "حابي" (إلاه الرخاء) يبحث عن عروس ليرضى ولتكون له قربانا يقينا شر اللعنات.

 

 فارتأى الناس إلى التضحية بأجمل عذراء حملوها ما تيسر من الحلي والثياب وأكاليل الزهور، أنزلوا الفتاة في قارب وضعوه على فوهة النيل وأطلقوا عليها اسم "عروس النيلّ. منذ ذلك الحين وكما تقول الأسطورة: إن النيل دأب على عادة استقبال العرائس؛ فبهن يستكمل فيضانه وتنبع مياه الخير من جوفه ويبوح لنا التاريخ بان نساء مصر كن أول من يحرسن البلاد من اللعنات، حتى إن تراب أرض طيبة لا يزال معطرا بدمائهن الطاهرة ولا سيما دماء آخر عرائس الحرية شيماء الصباغ.

 

امرأة ثلاثينية تناضل من أجل العيش والحرية والكرامة الاجتماعية؛ تقول الأسطورة: إن شيماء كانت تهتف ضد حكم العسكر في الذكرى الخامسة للثورة قبل أن يطلق عليها الرصاص. لا تستغرب سيدي القارئ؛ فالأسطورة هي تعريف نسنده حيال كل موقف خرافي وبطولي، ولا أكثر بطولة ممن يقف أمام فرعون مصر الحالي: قائد القوات المسلحة،والأمين والحامي والأب الروحي والزعيم، ولولا بعض الحياء لأدعى باأنه المهدي المنتظر. 

 

غريب أمر هذه العروس
غريب أمر هذه العروس "شيماء الصباغ"!  كيف خلدت وهي المقدمة قربانا عند طلقات الغدر وافتها. غريب أمر هذه العروس من تزف وهي مخضبة بالدماء فلا أكاليل ولا كهنة بل تحقيق وطب شرعي
 

الدكتاتور السيسي من وقف أمام الشاشات وقال: "شيماء دي بنتي هو أنا مش منكو؟" ونادى حاشيته مزمجرا أمام الكاميرات العريضة التي تواكب قرار حاكم مصر: "تحملوا المسؤولية!". لقد كان حديثه صارما وبدا الغضب على وجهه، وقلت في نفسي:إن الأب سيثأر لابنته وسيتخذ قرارات لصالح شباب ثورة.

 

وأمام حزم الرئيس السيسي؛ صمت المجلس وقام سيد الوزير بالالتزام بالتحري في حيثيات استشهاد شيماء، وبعد أيام؛ وفي 12 فبراير 2015 أصدرت الحكومة المصرية قرارا بحظر النشر في واقعة مقتل الناشطة شيماء الصباغ، و قال الطب الشرعي لجمهورية مصر؛ بأن خراطيش الأمن التي أطلقت على المتظاهرين في الذكرى الخامسة للثورة لم تكن قاتلة، مضيفا أن شيماء ماتت بسبب نحالتها وليس بسبب الخرطوش.

 

واستمرت حكومة المجلس العسكري في سياسة الوعد والوعيد والتهديد بالسجن والملاحقة الأمنية لكل من يفكر في معارضة أي قرار يصدر عنهم، ولكن شيماء كانت عتية؛ فقد نُقش اسمها بين ألحان الشيخ إمام، فلكأنك تسمع هتافاتها عند لحن: "يا مصر قومي وشدي الحيل كل تمنيه عندي"، وعلك تقرأ اسمها بين كلمات بيرم تونسي، وقد ترى وجهها الباسم حذو صومعة الأزه،ر وقد يتراءى لك بين أحضان العذراء.

 

أي كلمة عن الديمقراطية ومشتقاتها تعتبر تهديدا لسلامة حكم السيسي القائم على ثنائية السلطان والرعية، لا ثنائية الرئيس المنتخب والمواطنين. فلا خير يأتي في زمن القحط ولا كرامة تحت البوط العسكري
أي كلمة عن الديمقراطية ومشتقاتها تعتبر تهديدا لسلامة حكم السيسي القائم على ثنائية السلطان والرعية، لا ثنائية الرئيس المنتخب والمواطنين. فلا خير يأتي في زمن القحط ولا كرامة تحت البوط العسكري
 

غريب أمر هذه العروس!  كيف خلدت وهي المقدمة قربانا عند طلقات الغدر وافتها. غريب أمر هذه العروس من تزف وهي مخضبة بالدماء؛ فلا أكاليل ولا كهنة، بل تحقيق وطب شرعي يتنكر لغدرها، وصمت من أزهر المسلمين؛ وكأن الشهيدة لكم تكن على دين محمد صلوات الله عليه. جاء في الأثر، أن نهر النيل غضب مرة أخرى وتوقف عن السيلان فتوجه له عمرو ابن العاص قائلا: " إن كنت تجري من لدن الله؟ فنسأل الله أن يجريك.. وإن كنت تجري من لدنك فلا حاجة لنا فيك".

 

يذكر أن النيل فاض وامتثل لإرادة عمرو ابن العاص وتوقفت لعنات الآلهة، وتحولت العرائس من عذارى إلى عرائس طين، وأصبحت لعنة "حابي" عيدا لفيضان نهر النيل. وهل من ابن عاص جديد ليوقف العتاة الجدد؟ أولئك الذين فاق ظلمهم بطش الفراعنة وغدت أسماؤهم مثل الصخور الكاتمة على أنفاس المصريين؛ هم جماعة المجلس العسكري أو بالأحرى جماعة مجلس السيسي؛ لأن دورهم بات مقتصرا على التطبيل والتهليل.

 

إن دستور الحاكم الدكتاتوري له لغته الخاصة التي لا تعترف بهذه الكلمات ومشتقاتها؛ من ديمقراطية وحقوق إنسان ومواطنة وعدالة وسلم أهلي، على اعتبار أنها تهديدا لسلامة حكم السيسي القائم على ثنائية السلطان والرعية، لا ثنائية الرئيس المنتخب والمواطنين، من أجل ذلك نسوق ذكرى عرائس النيل؛ لأنه لا خير يأتي في زمن القحط ،ولا كرامة تحت البوط العسكري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.