شعار قسم مدونات

البربرية.. عقدة لا اعتقاد

blogs أمازيغ الجزائر

بعيدا عن الأمازيغية التي نعتز بها.. أسوقاس أمقاس: كلمة أمازيغية تترجم في قاموس اللغة العربية (عام سعيد)، ولها ترجمة اصطلاحية في قاموس السياسة اسمها (عهدة خامسة)، هذه المرة لن يكون سكان الجنوب هم المطية، فلطالما هزء بهم العاصميون والساحليون والشماليون عموما، واتهموهم بكل مصائب هذا النظام لأنهم الأكثر إقبالا على الانتخاب، فصاروا في نظرهم سر التخلف واللاوعي، وكأن المقاطعة التي ورثوها عن الانفصاليين البرابرة (الماك) بادئ الأمر، هي الوعي كله وسبيل التطور والتقدم الوحيد، الوعي أن تتعرف على ماضيك وتفهم حاضرك وتخطط لمستقبلك، أن تتصالح مع ذاتك أن تناضل عن علم، لكي تفرق بين القضية والعقدة.

لا يزال البرابرة منذ عقود يغردون خارج السرب مصابين بداء العربوفوبيا ويهاجمون كل شيء تعلق بالعربية، فتركوا علم الاجتماع كله، ولم يأخذوا من مؤسسه الأمازيغي ابن خلدون سوى هذه الجملة (إذا عربت خربت) ناهيك عما حرف باسمه، وتركوا تاريخ أسلافهم الناصع بالفتوحات والتضحيات الجسام في سبيل الإسلام والمسلمين واكتفوا بالتقاط مشهد إهانة كسيلة مبررين ردته، ومشهد نهاية طارق بن زياد مشيطنين العرب في تشويه بني أمية، تركوا نضال ابن باديس وسماحته، وتغنوا بعنصرية معطوب وكراهيته، تناسوا جرائم الرومان والفرنسيين كمحتلين استعبدوهم لقرون، وتذكروا زلات العثمانيين والعرب كفاتحيين تعايشوا معهم لعصور. تشبثوا باللاتينية نكاية بالعربية، فضيعوا الهوية الأمازيغية، لأنها لم تكن يوما هي القضية.
 

إنها العقدة بكل بساطة، عقدة موروثة تحولت إلى اعتقاد، وليتها كانت القومية والعصبية العرقية، فنجد لها مبررا ونلبسها غطاء الهوية والوطنية والاستقلالية، لكنها العقدة بكل معاييرها، فالمرابطي المنحاز إلى هذه الطائفة، لا يهمه أن يعرف أنه عربي إدريسي شريف النسب، وإن عرف اكتفى بمصطلح الشرف، لكنه سيظل ينتسب إلى لسانه وإلى فكرة البربرية التي ورثها تحت اسم الهوية وتحت شعار القضية، فتراه أكثر الكارهين للعروبة والعربية رغم أنها أصله وأنهم أبناء عمومته، لأنه ليس سوى ضحية عقدة لا اعتقاد، عكس الإباضيين الأمازيغ، الذين انتسبوا إلى عقيدتهم لا إلى عرقهم، وأعطوا أعظم مثال للتسامح وتقبل الاختلاف في أيام قوتهم وعز دولتهم، ولو أنهم خالفوا العرب والمسلمين جميعا في عقيدتهم، إلا أن اعتقادهم كان عن وعي وقناعة لا عن عقدة وكراهية، فبنوا أروع دولة مثالية في صمت واندثروا في صمت.

المتاجرة بقضايا الأقلية حيلة قديمة امتهنها الملوك والحكام على مدار السنين، لأهدافهم القصيرة، و قد أثبت التاريخ ضرر هذه اللعبة على الأقليات ذاتها بدرجة أولى
المتاجرة بقضايا الأقلية حيلة قديمة امتهنها الملوك والحكام على مدار السنين، لأهدافهم القصيرة، و قد أثبت التاريخ ضرر هذه اللعبة على الأقليات ذاتها بدرجة أولى

أما عقدة البربرية التي لا غذاء لها غير العصبية والجهل، فليست بتلك الخطورة التي يتصورها كثيرون منا، لأن العقدة دليل عن الضعف، وصاحبها عجينة في يد صانعه، الخوف من صناع العقدة وتجارها الذين عزموا اليوم على تتويجها بوسام اللغة الأمازيغية، مقابل الظفر بتاج العهدة الخامسة، فنطاف المستعمر، لا يهمها بأي ثمن تبيع أو تشتري الوطن خدمة لمصالح أسيادها، وكل شعارات المقاطعة والقطيعة مع الحكومة وصور الصمود والاحتجاجات الرافضة لسياسة النظام، لم تمنع الجهاز يوما من استغلال ما يحسبه البرابرة قضيتهم، فها هي العصبة اليوم تضحك على ذقون الأمازيغ موهمة إياهم بنصر زائف، ووهم قادم، وها هي اليوم تورطهم في فتنة قد يحملهم التاريخ وزرها، بعد أن اشترت ودهم بقرار شعبوي متهور وغير مدروس، قد يزج بهم في أزمة ازدواجية الجزائر، وانقسامها مثلما ورط بشار الأسد العلويين، حينما قدمهم في طليعة جيشه رافعا راية الانتصار لعقيدتهم حماية لكرسيه، مؤجلا فناءه على جثثهم، ومعدما لهم بكراهية السوريين.

 

ومع الاختلاف الكبير لما يحدث بين البلدين، إلا أن المتاجرة بقضايا الأقلية حيلة قديمة امتهنها الملوك والحكام على مدار السنين، لأهدافهم القصيرة، وقد أثبت التاريخ ضرر هذه اللعبة على الأقليات ذاتها بدرجة أولى، وليس للعصبة اليوم ورقة تشتري بها بقاء الكرسي المتحرك في السلطة، غير قضية الهوية، بعدما استنفدت كل الوسائل والحيل، ولم يبق سوى التظاهر بالاعتراف والانتصار، للخصم العنيد (الأمازيغ)، والسقوط أمامه في الجولة الرابعة بحلبة الملاكمة السياسية، لتنكمش قبضة النظام من أجل جولة خامسة الله وحده أعلم بنتائجها، وقد يجد الأمازيغ الأحرار أنفسهم تسببوا من غير دراية في خيانة قضية جدهم الأكبر ماسينيسا الذي وحد الشمال الإفريقي كله، وصنع دولة الأمازيغ الصرفة (النوميدية) لـ 200 سنة قبل الميلاد، ورغم أنها كانت خالية من العرب ومن كل جنس غير أمازيغي، إلا أنه اختار لها (البونية) كلغة رسمية، بدل اختياره "التيفناغ" التي تعتبر اللغة الأمازيغية الأم.

فما بالنا اليوم نلد للجزائر لغة رسمية قد صار عمرها شهرا، لنبني بها دولة ولدت قبل الميلاد بقرنين، هذا لأننا ابتلينا بثلة بربرية جاهلة، ترافقها عصابة حكم عابثة بمجتمع لم يبلغ الحلم بعد، تسير حبوا خلف كرسي متحرك تدفعه يد من خلف البحار، فتجدنا نعود بالتاريخ لا نعود إليه، ولا نتعلم من درس يوغرطا الذي قتل على يد الرومان، أحلاف جده مسينيسا، وليهنأ مهني وزبانيته بأن فرنسا قاتلة لهم قبل عدوهم، وليعلم الأمازيغي الحر والعربي والأصيل وكل آدمي عاقل، أن الجزائر أرض قائمة شامخة خالدة بالإسلام. لتبقى الأمازيغية جزءا من هويتنا والبربرية سيفا يقطع وحدتنا.. حسرات..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.