شعار قسم مدونات

هكذا كانت تفاصيل تجربتي المتطرفة الداعشية

blogs داعش

بدأت هذه الرحلة منذ وفاة والدي رحمه الله تعالى، وتقلدت كوني الابن الأكبر مراسيم تسليم شقيقتي الأولى والأكبر مني بستة سنوات لعريسها أمام المأذون.

السيطرة

من أقوى أدوات السيطرة على الأسرة لشبل ضعيف البُنية هي إسطوانة التدين، وكأن أهلي كانوا في ضلال مبين وأنا ابن المسجد الذي يمنع باسم الدين ويُحرّم الموسيقى والمسلسلات والملابس والشالات والأفراح ويوقّع آلاف الفتاوى باسم الرب، فكان التكفير والتخوين والتضليل والتفسيق بداية لحب السيطرة على الأسرة، وكنت قد هويت كلمة حَرام وممنوع، فكنت أرى فيها نفسي وليس دين الله.

الظهور والتسحيج

الاستقطاب السريع لحركة حماس -كونها حركة إسلامية- لشباب الجيل كان لا بد من الظهور بينهم على أني الحريص على حركة حماس، فجيب أن أظهر الولاء المُباشر للمسؤول في تخوين وتضليل وتفسيق وتكفير مخالفينا، ولا أخفيكم سرا أن بعضاً منهم -المسؤولين- كان يطرب لهذا والبعض الآخر كان لا يقرنا على التكفير، إلا أن الصف القيادي الشبابي وقتها كان يميل إلى تكفير التيار العلماني في غزة -عام 1996 وما بعده-، إن أعظم أعمالي التي كنت أتباهى بها أني لا أقف للسلام الوطني في طابور الصباح وكنت أنال بها الثقات.

غسيل الملابس

إن كل إنسان منا في وقت مراهقته يذنب ذنوبا جديدة عليه في وقت معرفته بمعاني البلوغ والشدة، وقد كان والدي متوفياً، وصراحةً: أنا اكتشفت كل ذلك بنفسي بالسؤال والتنبيش والعبث، فسقطت ورقّعت، وكنت بعد كل رقعة يجب أن أنتقم من العُصاة ومخازيهم التي تعرفت عليها أثناء التنقيب.. إنهم الضلاليون الفجرة بينما أنا الذي ستر علي الله وعلى ذنبي، فكنت أغسل ملابسي بتكفيرهم وتفسيقهم وضلالاتهم.

تقلد منصب شيخ

عندما وقفت أمام الناس لأول وهلة كنت قد تنكرت في زي شيخ ولست كذلك، وقلت للناس قال الله وقال رسوله، فلبسني جلبابي وقتها، ولم أستطع الخروج من هذه العباءة لوقت طويل وطويل جدا، ولسيطرة منصب الشيخ علي كان يجب أن أكون مخلصاً في كل وقت بأن أقذف الناس بالبدع والضلال والتكفير، حتى كفرت وقتها من لم يدين لحماس بالولاء وأصبحت التكفير أغنية على لساني وراحة للعقل من التفكير والحوار.

وفاة ياسر عرفات
تزوجت وعرفت معنى الحياة، وأصررت على إنهاء مرحلتي التعليمية التي كنت بدأتها متأخرا في عام 2005، وكنت أدرس الشريعة الاسلامية في الجامعية الإسلامية، وصدقا الشريعة غيرتني كثيرا

كنت وقتها أعمل في السلطة السابقة -رام الله- وكنت قد خرجت بإذن من مدير المركز الذي كنت أبطن له الفسوق، فقال لي اذهب وصلي قيام الليل في المسجد لأنه يعلم أني متدين ومن حماس، وندمت على فعلتي هذه، فجهزت شريطا للقرآن في مسجدي لأحد القراء متوقفا عند آية (خذوه فغلوه.. ثم الجحيم صلوه) وطلبت من صديقي إن توفي عرفات في ذلك اليوم أن يقوم بفتح هذا الشريط على مكبرات صوت المسجد، وفعلا قام بفتحه لأنا كنا نصنف الناس في الجنة والنار.

مخالطتي مع أبناء السلطة

كأوراق مبعثرة من السّكير إلى المشيش المصلي إلى الملتزم المتدين، كُلهم كانوا موجودين في المركز وللنقل الصادق فإن واحد من بين 4 مراكز عملت فيها كان سكيرا، ولم أشاهد بعدها أحدا بهذه الصفة الذميمة، كنت عاملتهم في البداية بالتُقية (ولم أكن أعلم ما هي)، ولكني عاملتهم كذلك فأخفيت كرهي لهم. ولكن عندما عملت في أحد المواقع كنا نخرج سويا إلى صلاة الفجر، وأطلق الاحتلال الرصاص علينا سويا، فقاسموني الشفقة لأني كنت أصغرهم -ثمانية عشرة عاما- وقاسموني الزاد والنصح والارشاد، وكانوا يقدموني في الصلاة، ويحترمون وجودي في الغرفة فلا يدخنون، ولم يعرض علي أحد منهم تجربة الدخان، ولا يشاهدون الأفلام المصرية إلا عندما أنام، وليس كلهم يشاهدها، وكانوا يقرؤون نفس القران الذي في المساجد، عجبت لذلك وبدأت أتغير.

الأصابة والغيبوبة وفقدان الذاكرة

في ديسمبر 2006 تعرض لحادث عرضي وأصبت في رأسي نتيجة سقوط من علو، كان الأمر خطيرا جدا لدرجة دخولي الانعاش لأيام، وتيأس الطبيب من علاجي، ولكني أفقت من الغيبوبة إلى فقدان الذاكرة، وبقيت على هذا لشهرين حتى فبراير 2007، وبعد إفاقتي حدثوني ما حدث لي، وأني طويت أحداث جسام أثناء فقداني للذاكرة منه ما أصدم له وأضحك على آخر، وأراجع ألف حساب على آخر.

حدثوني بعد استيقاظي لعقلي الواعي بما حدث:
1- كانت والدتي تمسك بالمدفأة طوال الليل حتى أستطيع النوم، فكان يجب أن أتغير لأجلها.

2- أصدقائي في العمل الذين كنت أسميهم بالعلمانيين كانوا يأتون ويذرفون علي الدموع ويدعون لي بالشفاء كل يوم.

3- مديري كتب كتابا اخفى فيه تنظيمي عن قيادة السلطة حتى لا يقطع راتبي، وقال بأنه حادث عرضي.. من دفعه لذلك؟! غير الخير الذي بداخله.

4- كدت أن أخسر حياتي إما ميتا تحت التراب، أو بلا عقل مجنون بين الناس فاقداً لذاكرته، وها أنا عدت.

ألا يجب أن أتغير لكل هؤلاء..

آخر محطة أني تزوجت

تزوجت وعرفت معنى الحياة، وأصررت على إنهاء مرحلتي التعليمية التي كنت بدأتها متأخرا في عام 2005، وكنت أدرس الشريعة الاسلامية في الجامعية الإسلامية، وصدقا الشريعة غيرتني كثيرا.

بعد أن درست الشريعة الإسلامية

سمعت الموسيقي فوحدتها عذبة وذهبت إلى الأفراح فعلمت أن الناس طيبون، دعوت زملائي في العمل على وليمة العُرس، وتشرفت بمعرفتهم أمام الناس، علمت أن خلافي مع أي فلسطيني إنما هو سياسي وليس عقدي وديني، علمت أن اقتتال الانقسام لم يكن طائفيا ويمكن انهاؤه، علمت أن ياسر عرفات رحمه الله ليس بكافر وان كنت أختلف معه، علمت أن لساني وقع كثيرا من الفتاوى باسم الرب وما كان ينبغي لي ذلك، انطلقت في المعرفة ..حضرت في الجامعة الإسلامية مؤتمرا حول التطرف، وكانت أول مرة أقف فيها للعلم الفلسطيني باحترام. علمت أن الظلم يقع حتى من أبناء الحركة الاسلامية وأن المعصية يفعلها كل البشر، وأن التوبة تقبل من الجميع وأن المسؤول عن قبولها هو الله. فتأدبت مع نفسي وتأدبت مع البشر.. وهكذا سلخت نفسي من عباءة كادت أن تفتك بعقلي وكدت أن أكون بدل أي انتحاري لو بقيت على نفس الدرب والطريق الضال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.