شعار قسم مدونات

أشلاء ثائر.. عندما فقدت رفيق الميدان!

blogs الثورة المصرية

الأمر الملاحظ وبشدة على الساحة المصرية هو غياب الإدراك السياسي عن غالبية صنوف المعارضة بكافة درجاتها وانتماءاتها-عمداً أو سهواً فالأمر سيان- أن المعركة السياسية مع النظام الانقلابي أصبحت فعليًا تراكمية وتحتاج لنفس طويل وجهد مضاعف بتركيز أكبر نظرًا لصعوبة الحشد الشعبي حاليًا لإزاحة النظام كما حدث في ثورة 25 يناير 2011 وإن كان هذا لا يعني أن الأوضاع الداخلية أو أسباب الثورة قد تلاشت أو نقصت أو أن النقمة الشعبية على النظام القائم أقل حدة واستعدادًا وأسبابًا للخروج ضده، على العكس فالأوضاع الحالية أسوأ بكثير عما كانت عليه قبل ثورة يناير في كافة النواحي ومختلف المستويات، لكن الاختلاف هنا والعنصر الأهم الذي تفتقده التكتلات المعارضة هو توحيد الصفوف -مع عدم إغفال وحشية النظام ومنظومته الأمنية بكافة فروعها-.

عندما خرجت الجموع إلى الشوارع في ثورة 25 يناير لم يلتفت أحد بالمرة لخلفية رفيق الميدان السياسية أو انتماءه الفكري أو دوافع خروجه حينها لم يستطع المخلوع مبارك رغم تمكينه لنفسه ولنظامه في كافة مؤسسات الدولة على امتداد ثلاثة عقود من الوقوف في وجه موجات الشعب الثائر ولم تفلح كافة جهود أجهزة الدولة وقتها في احتواء غضب الشارع لتضطر في نهاية المطاف للتضحية برأس النظام ونخبته المقربة والظاهرة العداء للشعب لتتمكن باقي المنظومة من البقاء والاستمرار وتأجيل الانتقام من الثوار إلى حين وهو ما قام به العسكر حرفيًا بعد الانقلاب ولا يزال مستمرًا إلى يومنا هذا.

 

فرغم تباين واختلاف وجهات وانتماءات وأهداف وأولويات معسكر الثورة المضادة في مصر فقد جمدوا كل تلك الخلافات وأزاحوها جانبًا -وهو ما يفتقده ويحتاجه معسكر الثورة حاليًا-، وتفرغوا بكافة جبهاتهم وأدواتهم للتخلص من مكتسبات ثورة يناير ونخبتها والقوى الفاعلة فيها واستفردوا بها الواحدة تلو الأخرى وهو ما نجحوا فيه وبدرجة كبيرة حتى الآن.

الحمى والمعضلة الأكبر وقعت حين تم الانشغال بالشريك في المصير المختلف في الرأي عوضًا عن الالتفات والتركيز على الخصم العسكري المشترك القابع في سدة الحكم دون وجه حق بقوة السلاح مستهدفًا الجميع

من السخرية بمكان أن الدولة العميقة في مصر بكافة مكوناتها بتوجيه المؤسسة العسكرية قد قدمت عمليًا وعلى الأرض درس وافي ومفصل في كيفية خوض المعارك السياسية المفصلية والفارقة عبر توحيد الصفوف -على باطلها- وتنسيق الجهود وتناغم التحركات للوصول للهدف والحري بالقوى الثورية المصرية تعلم الدرس وسياسة النفس الطويل وتنحية الخلافات جانبًا للوصول لهدفها النهائي وتخليص مصر من القبضة العسكرية السائرة بها نحو الهاوية بكل ما يحمله المصطلح من معني وإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تصل البلاد لنقطة الانهيار واللاعودة والتي تشير إليها وتنبئ بها كل الأحداث الجارية والقرارات المتتالية التي يتخذها النظام الانقلابي في كافة قطاعات وأرجاء الدولة.

 

والتي لا يمكن أن تجد فيها حتى شبهة المصلحة أنها تصب لصالح الدولة وشعبها بل في اتجاه رهن الدولة برمتها لموردي الرز للنظام العسكري ومن يمنحوه أسباب الاستمرارية والوسائل اللازمة للبقاء عبر قمع الشعب وتخويفه وتجويعه وتكبيله ليجبر على المشاهدة والمتابعة في صمت وهو يرى النظام يتخلى عن ممتلكات الشعب وثرواته المحروم منها شيئًا فشيئًا، ففي عالم السياسة لا يوجد دعم بالمجان فمن يعطيك باليد اليمنى ينتظر المقابل ليأخذه باليد اليسرى بالإضافة للفائدة فتلك قواعد اللعبة الأزلية مع الأنظمة الديكتاتورية التي تعتمد لبقائها على الدعم الخارجي ولا شيء غيره فمن المستحيل عمليًا أن يعمل النظام على مصلحة الشعب والخارج في آن واحد.

التعلم من الأخطاء في الماضي وتداركها في الحاضر وتلافيها مستقبلًا من أبجديات وركائز العمل السياسي، واتخاذ أخطاء القوى السياسية المخالفة لتحقيق مكاسب سياسية وحزبية هو أمر مشروع ومباح لكن ضمن حدود دولة يسود فيها الدستور ويطبق فيها القانون ويتم الاحتكام لخيارات الشعب صاحب الحق الأوحد في تحديد ومنح تلك المكاسب عبر صناديق الاقتراع وليس في ظل منظومة انقلاب عسكري يتم الاحتكام فيها لقوة السلاح وصوت الرصاص هو من يشكل المشهد ويوزع المكاسب ويحدد المناصب في معادلة الخاسر فيها هو الدولة المصرية برمتها، الحمى والمعضلة الأكبر وقعت حين تم الانشغال بالشريك في المصير المختلف في الرأي عوضًا عن الالتفات والتركيز على الخصم العسكري المشترك القابع في سدة الحكم دون وجه حق بقوة السلاح مستهدفًا الجميع بلا استثناء بشتى أنواع القمع والقهر والإقصاء واقفًا عثرة وسدًا أمام رجوع الدولة لشعبها والحق لأصحابه والثورة إلى مسارها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.