شعار قسم مدونات

الحيوان الخيالي تدبّ فيه الروح.. نصف إنسان ونصف حيوان

blogs شطرنج

انتشرت في الثقافات والفلسفات الاعتقادية الغابرة عدة أساطير، رسخت في ذهن الشعوب لعقود وقرون ممتدة، واحدة منها على سبيل المثال لا الحصر: أسطورة الكائن الخرافي الوهمي الذي يتمتع بنصف جسد إنسان من الأعلى، ونصف جسد حيوان من الأسفل.

 

لست ممن يحبون التعلق بالأساطير – أو هكذا أصف نفسي على الأقل – ولكن عدداً من شواهد الحاضر دفعتني لإعادة التفكير في أمر الأساطير الإغريقية واليونانية القديمة وسبب انتشارها ورسوخها لقرون طويلة، حتى تأثرت بها السينما العالمية اليوم برغم التقدم البشري والتكنولوجي والتجارب البشرية.

 

فمن مشاهداتي الخاصة، ومتابعاتي للإعلام العربي خلال العام الماضي تحديداً، وجدت أن هذه الأسطورة واقع ونحن لا ندري، فقد رأيت سياسيين وإعلاميين ومحللين وناشطين وفنانين وشيوخ دولة وأعيان مجتمع تتمتع بكل فخر بصفات الكائنات الخرافية ولم نكن ندرك ذلك، وكأن على عيوننا غشاوة أعمتنا عن النظر بصورة طبيعية لهم من قبل.

 

التحدي الكبير اليوم لا يكمن في كشف المستور فحسب، بل بإزالة الغشاوة عن عيون الناس البسطاء الذين لا زالوا متأثرين بنصف حيوان ناطق، أو بنصف شيخ سلطوي ناعق، أو بنصف أعلامي مصلحي منافق

لقد رأينا – في هذا الجيل – أعلى الجسد لهذه الكائنات والذي هو على شكل بشر، فكان لكل منهم اسم وصفة ولقب وهوية، ويتحدثون ويتكلمون ويحللون ويفتون ويبرّرون ويطبّلون، ولكن ما إن تدقق النظر جيداً ستلمح ذيل الحيوان يلوح خلف هذا المشهد البشري، أو أثر حوافره بعد مغادرته ستوديوهات البث، أو بقايا لعابه على أرضيات المواقع المؤسسية.

 

أنا أصرح هنا ولا ألمح، وأتحدث عن حقيقة لا عن وهم، فهل يمكن لأحد منكم أن يجادلني في أن الشخص الذي يبرر الاحتلال لوطنه بشر؟ أو أن مطبلاً لفاشل لم يخدم وطنه مهما كانت رتبته يعتبر أنساناً؟ هم بالتأكيد ليسوا حيوانات – بصورة كاملة على أقل تقدير – ولكنهم ليسوا بشراً بالمطلق كذلك، فهم أقرب الخلائق لنصف الإنسان ونصف الحيوان.

 

المشكلة اليوم لم تعد في فهمنا لحقيقتهم، قادة وسياسيون ومحللون وإعلاميون ونخب مصطنعة لا تتصل بالفهم ولا تمت للواقع بصلة، بل إن مشكلتنا في أن هذه المخلوقات بدأت بكشف نصفها الأدنى دون خجل أمام العامة، فترى الكائن منهم يتباهى بحيوانيته، ويرفع للجمهور حافره، ويلوح بذيله للعامة لعل أحداً ينكر عليه ذلك.

 

إن التحدي الكبير اليوم لا يكمن في كشف المستور فحسب، بل بإزالة الغشاوة عن عيون الناس البسطاء الذين لا زالوا متأثرين بنصف حيوان ناطق، أو بنصف شيخ سلطوي ناعق، أو بنصف أعلامي مصلحي منافق بذيل مزركش، فما دام هؤلاء أمام الكاميرا، وخلف مكبر الصوت والميكروفون، فنحن كشعوب سحقها الجهل والإعلام والاستبداد تحت تأثير سحر العمى لزمن طويل، وسنرى نصف الحيوان إنساناً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.