شعار قسم مدونات

عبد السلام الهراس.. ماذا تعرف عن المفكر الإسلامي الذي دافع عن المرأة؟

blogs عبد السلام الهراس

عانى العالمُ الإسلاميُّ، وما زال يعاني مشاكل عديدة لا تعد ولا تحصى؛ لعل من أخطرها مشكل المرأة الذي ظل يؤرق عقول المفكّرين الذين حملوا على عاتقهم مشاكل هذه الأمة، وقضاياها ولا يزالون ظاهرين على هذا الواقع المر لا يضرهم قهر، ولا يبعدهم عن الأمور الجادة تهميش، هدفهم إصلاح الأمة، والأخذ بأيديها إلى مدارج الشرف.

المرأة والفكرة الإسلامية:

والدكتور عبد السلام الهرّاس واحد من هؤلاء المفكّرين المسلمين الذين ماتوا مهمومين بقضايا الأمة. ومشكل المرأة من المشاكل التي تصدّى لها الدكتور عبد السلام الهرّاس، وبحث لها عن حلول ناجعة، ودافع عن المرأة دفاعًا مجيدًا رصينًا، وعالج الأمر في رحم "الفكرة الإسلامية"؛ حيث يقول: "وكان من الواجب علينا كأمة إسلامية أن نرجع إلى الإسلام لنقتبس منه النور الذي ينير لنا السبيل في معالجة مشكل المرأة إذ إن الإسلام قد تصدى لهذه المشكلة وعالجها معالجة جدية عميقة".

 

لقد شغلت المرأة في كتابات الدكتور عبد السلام الهرّاس حيِّزًا مُهِمًّا يليق بمقامها، وأهميتها في المجتمع، وأعطاها تصورًا جديدًا.. ورأى أنه لا إصلاح إلا بإصلاح الأسرة؛ "لأن الأسرة هي المصدر لقوة المجتمع وبفسادها يكون فساده". وظل الدكتور عبد السلام الهرّاس يشيد بنعمة الإسلام التي أنقذت المرأة من سمادير الجهل، وأحدثت ثورة عارمة من أجل إعادة الاعتبار للمرأة؛ إذ يقول: "وهكذا نرى أن الإسلام قد أحدث ثورة كبرى في العلاقة بين الذكر والأنثى ولم يجارِ العالم "المتمدن" آنذاك في نظرته للمرأة. ولهذا كانت نظرة الإسلام أصيلة غير متأثرة بعوامل خارجية أو عوامل ذاتية بل كانت نظرته للمرأة نظرة موضوعية عادلة متمشية مع طبائع الأشياء".

ما تقدمه عاطفة المرأة المؤمنة، وحنانها، ورقتها، وإخلاصها ودموعها وصوفيتها من خدمة للمجتمع ليفوق بكثير خِذْمَات المفكرين والفلاسفة

كان في كتاباته يشخص الداء ويبحث عن مكمن الخلل من أجل الدواء؛ لأن تحديد العطب أصعب من إصلاحه ـ كما يُقال ـ ولذلك فكل الدراسات التي عالجت أو حاولت علاج مشكل المرأة لم تصل إلى المبتغى؛ لأن "تلك العناية كانت سطحية ومؤسفة لأنها ضللت المرأة ولقنتها عن النهضة معاني تتعلق بقشور وشكليات". لقد كانت المرأة حاضرة بجانب الرجل، وأدت دورا مهما في بث "الفكرة الإسلامية"، وكانت لها مواقف مشرفة لا تقل أهميةً عن مواقف الرجل.

المرأة.. بين الأسرة والمجتمع

إن عناية الدكتور عبد السلام الهرّاس بالمرأة كان وراءها تأمل صائب، ونظر ثاقب، وتوجيه راغب؛ لأنه كان يعرف، ويدري دراية الخبير أن "ما تقدمه عاطفة المرأة المؤمنة، وحنانها، ورقتها، وإخلاصها ودموعها وصوفيتها من خدمة للمجتمع ليفوق بكثير خِذْمَات المفكرين والفلاسفة".

يرى الدكتور عبد السلام الهرّاس أن المرأة عنصر أساس في الدعوة إلى الله وخير داعية إلى "الفكرة الإسلامية" وإذا أخلصت للفكرة تخلص لها إخلاصا صوفيا حيث قال: "والمرأة أيضا هي المسؤولة عن الأجيال فهي التي تحمل وترضع وتربي وتمرِّض وتواسي، وفي كل تلك الأطوار والأحوال تبث عقيدتها وأفكارها في أولادها من خلال البسمات والدموع فهي خير داعية للفكرة ومبشر بها". 

يذهب المفكر عبد السلام الهرّاس أن بناء الحضارة الإسلامية رهين ببناء المرأة على أساس "الفكرة الإسلامية"؛ لأن "المرأة الجديدة" – كما يسميها – هي المخلص الوحيد من مشاكلنا التي نعانيها؛ يقول: "يجب أن تزود المرأة بالفكرة الإسلامية البناءة لأن إهمال صياغة المرأة إيديولوجيا تعريض للأجيال المقبلة للخطر، لأننا نعتقد أن البيت هو المدرسة الأولى والأساسية لتكوين المواطن الصالح، الذي ينبغي أن لا نعتمد على الصدف لتكوينه، لأن المرأة هي القادرة وحدها على هذا التكوين، وكل محاولة تجهل هذه الحقيقة البديهية أو تتجاهلها فهي فاشلة في البداية والمصير. ويجب أن يتم التكوين الثقافي للمرأة على أساس الفكرة الإسلامية، تلك الفكرة التي ستجد فيها "امرأتنا الجديدة" من الحقوق والمكاسب، والاستقرار النفسي والاجتماعي ما لا تظفر به في أي فكرة أخرى".

تناول الأستاذ الدكتور عبد السلام الهرّاس ــ رحمه الله ــ مشكل المرأة وأحاط به في شموليته، ونظر فيه بموضوعيته بعيدًا عن الأهواء
تناول الأستاذ الدكتور عبد السلام الهرّاس ــ رحمه الله ــ مشكل المرأة وأحاط به في شموليته، ونظر فيه بموضوعيته بعيدًا عن الأهواء
 
مشكلةُ المرأة في ضوء الإسلام

هذا؛ وقد بيّن الدكتور عبد السلام الهرّاس نظرة الإسلام إلى المرأة وكيفية علاجه لمشكلتها؛ حيث يشخص أسس العلاج كالآتي:
1- أن مشكلة المرأة حلقة في سلسلة من المشاكل الأخرى مرتبطة بها ارتباطا حيا وعضويا؛ فلذلك يجب النظر إلى الجزء في مركبه عن المعالجة حتى لا تؤدي معالجة الجزء ـ فحسب ـ بقطع النظر عن علاقاته بالأجزاء الأخرى، وملاحظة ما قد تتأثر به تلك الأجزاء إلى شلل هذه الأجزاء، وحينئذ يسري الشلل حتى إلى ذلك الجزء المراد علاجه.

2 – أن الإسلام عندما تناول مشكلة المرأة لم يعتبرها منفصلة عن الرجل؛ بل نظر إليهما على أنهما فرد واحد في المجتمع.

3 – أما الأساس الثالث؛ فهو أن الفرد، أو أن هذا الكل فيه الذكر والأنثى، ولكل منهما خصائص بيولوجية محددة. وقد عالج هذا الأساس الدكتور عبد السلام الهرّاس في مقال له في مجلة "دعوة الحق" المغربية الغراء بعنوان (شهادة المرأة بين الإسلام وعلم النفس).

4 – يتمثل الأساس الرابع الذي عُولج في ضوئه مشكل المرأة في التعدد، أو "التعديد" – كما يرى أحد العلماء – حيث عالجه الدكتور الهرّاس في مقال بيّن فيه أن الدين يتفق مع العلم والواقع، أو بالأحرى اتفاقهما مع الدين في موضوع التعديد. ويؤكد الدكتور الهرّاس بأن قضية المرأة – باعتبارها مشكلة فرد – أخطر من أن تحل بكلمة تنشر، وخطبة تلقى أو اجتماع يعقد أو مظاهرة تقام.. إنها شائكة وخطيرة.

كما اهتم الدكتور الهرّاس بالمرأة في "بارقاته" التي نُشرت في ركن من جريدة "المحجة" المغربية ـ لمن أراد الاستزادة من أفكار الرجل ـ وعناوينها كالآتي:
– المرأة المغربية المسلمة بين خطة الارتقاء وخبطة الأشقاء.
– حق المرأة في الزواج وتكوين الأسرة.
– هل تقدرون المرأة حقا..؟
– المرأة بين التنمية والتعمية.
– هناك نساء يردنا تقدم المرأة وسعادتها وهنا ((امرآت)) يردنا تأخرها وتعاستها.
– الإسلام يضمن للمرأة سعادتها أكثر ما تحلم به نساء الغرب.
– العزوبة والعنوسة ظاهرة مستفحلة… فهل من علاج؟
– المرأة والدعوة إلى الله.

تلكُم إلمامةٌ مختصرةٌ عن المرأة في فكر الأستاذ الدكتور عبد السلام الهرّاس ــ رحمه الله ــ حيث تناول مشكل المرأة وأحاط به في شموليته، ونظر فيه بموضوعيته بعيدًا عن الأهواء، فكان يعالج مشكل المرأة بعمق وتؤدة، ودافع عن المرأة في الملتقيات، والمؤتمرات التي حضرها داخل المغرب، وخارجه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.