شعار قسم مدونات

لبنان ضحية التنمّر.. كيف يعالج الأطفال من هذه الظاهرة؟

ضحية التنمّر

كيف لطفل أن يستوعب الدرس، وهو لم يتجرأ حتى على الاستفهام عما لم يفهمه خوفًا من ردة فعل زملاء الصف. كيف تنمو ثقة الطفل بنفسه إذا كانت المسافة بينه وبين الأستاذ قائمة على قدرة الأخير على معالجة التنمّر بين طلاب الصف الواحد. هذا أحد أسباب قيام جمعية إنقاذ الطفل – save the children – بحملة توعية نظراً لتأثير هذه الظاهرة على مستقبل الطفل ووفق نتائج التقرير لدراسة "كيف يتجلّى التنمّر في المدارس والمجتمعات المحلية في سياقات متنوعة في جميع أنحاء لبنان".

 

خلصت هذه الدراسة وعينتها 2033 طفل – وتمثّل هذه العيّنة السكّان اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في جميع أنحاء لبنان – إلى أن طفل من أصل اثنين يتعرض للتنمر في مرحلة من حياته غير أن الكارثة الفعلية هي أن 53 بالمئة من الراشدين لا يعرفون بمصطلح "التنمر" أصلاً و39 بالمئة من الأطفال فعلوا. هذا إن دل على شيء فهو يدل على الهوّة بين عالم الأطفال والراشدين. تعرف الدراسة أن التنمّر عبارة عن "تصرّفات متكرّرة للتحرّش بالضحية أو تخويفها أو تعريضها للاستبعاد الاجتماعي. ويشمل التنمّر أشكالًا مختلفة من العنف الجسدي أو النفسي أو اللفظي والتنمّر آفة عالمية ولبنان ليس بمنأى عنها، وهو يحدّ من قدرة الأطفال على تحصيل التعليم ويعيق نموّهم الاجتماعي".

يشكل التنمّر الجسدي 42 بالمئة من العينة وهو أكثر أشكال التنمّر شيوعًا، يتبعه التنمّر اللفظي 30 بالمئة ثمّ التنمّر الاجتماعي 22 بالمئة أما التنمّر عبر الإنترنت فيؤثّر على 6 بالمئة بالتالي تمت دراسة وقع التنمر على الضحية وليس من منطلق القائم بالفعل. وفقًا للأطفال، 16 بالمئة من الأطفال الذين تعرّضوا للتنمّر قد تغيّبوا يومًا أو أكثر عن المدرسة، و12 بالمئة من الأطفال تركوا المدرسة نهائيًا مما يدل على أن التنمّر يؤثر إما على اندماج الطالب في صفه أم على تحصيله العلمي.

قد تصل الحالات المأساوية للتنمر إلى أن الطفل لا يريد الذهاب إلى المدرسة بل أيضاً قد يرغب بترك الحياة كاملةً فيتمنى الموت

"هناك دراسات تقول أن الذي يقوم بالتنمر قد تعرض في وقت سابق للتنمر، فتكون هذه الظاهرة ردة فعل".. وفق مديرة الإعلام والحملات في جمعية إنقاذ الطفل علياء عواضة. أما عن مصادر التنمر على حد تحديد علياء "الأهل ومحيط المنزل غير الصحي للطفل فيتحول إلى شاهد على العنف أو طريقة التربية في المنزل مختلفة فتكون ردة فعله التنمر على الأطفال الأخرين" هذه الظاهرة العابرة للأعمار التي لا تنتهي مع بلوغ الطفل عمر الـ 18 تتابعها جمعية إنقاذ الطفل حتى عمر الرشد.

 

تأثيرات التنمر متعددة على الطفل فيمكن أن تقضي على القدرات القيادية للطفل إضافة إلى تأخير نموّه الأكاديمي وهذا ما استهدفته جمعية إنقاذ الطفل التي تلمست الحاجة إلى هذه الدراسة على حد قول علياء بعد أن قامت الجمعية ببرامج ميدانية تستهدف الأطفال وأدركت بعد 100 حالة كانت الجمعية تديرها أن كل هؤلاء تعرضوا للتنمر دون معرفة أن ما يحدث لهم اسمه "تنمر" فبدأت الجمعية البحث عن دراسات حول هذا الموضوع في لبنان فلم تجد واحدة تقوم بقياس لحجم التنمر في المجتمع والمدارس فكانت هذه الدراسة الإحصائية مع "إحصاءات لبنان" وكان البحث محلي حول هذه الظاهرة دون الدخول أي المدارس فتمت محاورة الأطفال.

 

تتعاون جمعية إنقاذ الطفل مع وزارة التربية التي لديها سياسة لحماية الطفل التي أعلمت بنتيجة البحث وستبدأ بتطبيق سياسة حول التنمر مع مختلف المدارس بدءًا من التدريب إلى المراقبة ثم المتابعة فلا يوجد مدرسة خالية من التنمر "تؤكد علياء". وتصف علياء الحالات المأساوية التي قد يصل إليها الطفل نتيجة التنمر فالبعض لا يرتد فقط عن الذهاب إلى المدرسة بل أيضاً قد يرغب بترك الحياة كاملةً فيتمنى الموت كحالة "راما" (اسم مستعار لطفلة) وتشدد علياء على دور الأهل فهم يجب أن يتفهموا انزعاج الطفل والاعتراف بالظاهرة هذه فالتنمر ليس مزحة باعتبار أن للتنمر تأثير كبير على نفسية الطفل "ليس لكل الأطفال قدرة الدفاع عن النفس عقليا أم نفسيا أم جسديا، لذا يجب أن يكون نظام الدعم في المنزل كبيرًا ليكون للولد مناعة" وهدف هذه الدراسة معرفة كذلك الأمر لم بعض الاطفال لا يكملون دراستهم.

 

 تتدخل جمعية إنقاذ الطفل وتتابع عندما تقوم بإدارة الحالات وتختلف مدة المتابعة بين طفل وآخر. يؤخذ القرار بالمتابعة وفق علياء عبر دراسة المجموعة فـ"ترصد العاملة الاجتماعية الاحتياجات، التحديات، ميدانيا التي تقيّم مستوى تقدم الحالة والحاجة إلى التدخل". كل الحالات التي رصدتها الجمعية تمت متابعتها علمًا أن هذا ليس واجب الجمعية وحدها بل يجب أن يكون في المدارس منظومة متكاملة لرصد التنمر من الطبيب النفسي أو سلطة معينة متخصصة برصد التنمر.

يُخرج التنمر المتعلم من جو التركيز الذي هو بحاجة له ليستوعب الدرس، إلى جو آخر فيه تلبد في الأفكار مع مخاوف وقلق بسبب التنمر مما يؤثر على المستوى الأكاديمي
يُخرج التنمر المتعلم من جو التركيز الذي هو بحاجة له ليستوعب الدرس، إلى جو آخر فيه تلبد في الأفكار مع مخاوف وقلق بسبب التنمر مما يؤثر على المستوى الأكاديمي

التنمر نوع من أنواع العنف المعنوي الذي تصعب عملية رصده لأن الآثار غير واضحة وفق العاملة الاجتماعية في جمعية إنقاذ الطفل دانيال فغالي من قسم حماية الأطفال. يرصد هذا الواقع عبر كسب ثقة الطفل "الضحية" الذي يكون غير أنه يوجد مؤشرات معينة منها كره المدرسة أو المحيط فيتحجج الطفل، الذي يشعر بالنقص، كي لا يتردد إلى هذه الأماكن.

يُخرج التنمر المتعلم من جو التركيز الذي هو بحاجة له ليستوعب الدرس، إلى جو آخر فيه تلبد في الأفكار مع مخاوف وقلق بسبب التنمر مما يؤثر على المستوى الأكاديمي وفق الخبير التربوي ورئيس الجائزة الأكاديمية العربية رزق الله الحلو الذي يؤكد على وجود ورش عمل لمكافحة التنمر في المدارس أكان لدى الضحية أم لدى المتنمر فالاثنين بحاجة إلى متابعة نفسية على حد قوله إضافة إلى ضرورة متابعة المسؤول التربوي للكادر التعليمي ودرايته بما يحصل في الصفوف وفي الملاعب. بنظر الحلو دور وزارة التربية في مساعدة المدارس الرسمية بالتوعية وتنظيم المحاضرات وإطلاع الأهالي على خطورة التنمر كما أشراف وزارة التربية على المدارس الخاصة لتولي هذه القضية الاهتمام اللازم

كل أنواع التنمر قد يتحول إلى نوايا جرمية أو جرم عند التقدم بالعمر أو لدى الطفل نفسه وفق مدير شركة كرايموفوبيا – Crimeophobia – الباحث في علم الجريمة سنايهل دهايل وتتطور النوايا الجرمية هذه عندما يقلل الطفل من أهمية قدراته أو عندما يفعل ذلك أحدهم به أم تتقلص ثقة النفس لدى الطفل فيتم اللجوء إلى الأذية أو القتل عبر التنمر. يمكن استباق هذه المرحلة فقط عبر تكليف الأطفال مسؤوليات قيادية أو مساعدتهم مجددًا على كسب ثقتهم بنفسهم كونهم أطفال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.