شعار قسم مدونات

رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط.. من هم أبرز اللاعبين؟

blogs شطرنج

شهدت منطقة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً، صراعات وحروب وأزمات عديدة أثرت بدورها على العلاقات الإقليمية بين الدول التي تعاقبت عليها أنظمة سياسية مختلفة في اتجاهاتها وأيديولوجياتها. فقد شهدت مصر وسوريا والعراق ومصر ثورات وانتفاضات وانقلابات إعادتها عقودا إلى الوراء بسبب استغلالها من قبل فئة بعينها بحيث أنجبت في بعض الدول أنظمة سياسية تفننت في إضاعة ثرواتها وإيقاف عجلة تقدمها.

 
لم يقتصر الأمر على الثورات والانتفاضات والانقلابات السياسية الداخلية، فمن جهة أخرى وقعت حروب طاحنة في الشرق الأوسط في العقود القليلة الماضية كحرب الثماني سنوات ١٩٨٠ – ١٩٨٨ بين العراق وإيران وعملية عاصفة الصحراء التي قادتها الولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت عام ١٩٩١، وعملية إسقاط النظام العراقي عام ٢٠٠٣، كما شهدت المنطقة حروبا عديدة بين حزب الله من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، كما وقعت سوريا ومصر ضمن الدول التي شملتها ثورات (الربيع العربي) عام ٢٠١١، ولولا تدخل روسيا لصالح النظام السوري لكان التغيير السياسي قد عصف بنظامها السياسي.

رُغم أن العديد من الكُتاب والمُفكرين يربطون بين ما حصل في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الثانية ومصالح الدول العظمى، إلا أن الحقيقة هي أن الشرق الأوسط أشبه برقعة شطرنج، فإذا افترضنا أن أمريكا وروسيا اليوم هما اللاعبان الرئيسيان، إلا أنه يجب ألا يُقلل المرء من اختلاف تنقلات القطع (الأنظمة السياسية)، إذ تختلف قطع الشطرنج في تنقلاتها على الرقعة من جهة، ومن جهة أخرى تكتسب كل القطع أهميتها رغم اختلافها في الواجب الذي تؤديه.

  

يرى المراقبون اليوم أن أكراد العراق سعوا للمضي قُدماً نحو تحقيق حلمهم القومي مستفيدين من التغييرات عصفت بعلاقات دول الشرق الأوسط والتغييرات التي طالت أنظمتها السياسية

فالمصالح السياسية والمذهبية والأيديولوجية اليوم تطغي على علاقات الدول بعضها ببعض، خاصة مع دخول المنطقة مرحلة صراع جديدة لم تشهدها في السابق، فبعد أن كان الصراع العربي الإسرائيلي يحتل أهمية عظمى في المنطقة، أصبحت الصراعات الإقليمية بين دول الشرق الأوسط هي البارزة والحاضرة، ومن أجل فهمها وفهم أبعادها ينبغي تحليل عناصر تلك الصراعات كلٌ على حدا، كالصراع الخليجي الإيراني ودور دول الخليج في دعم قوات المعارضة المسلحة في سوريا، ودعم إيران لحزب الله وللحوثيين ودعم تركيا لقطر في مواجهتها لدول الخليج المنضوية جميعها تحت (دول التعاون الخليجي) وبروز حلفاء لإيران في الشرق الأوسط كالعراق وسوريا وحزب الله وقد وصل دعم إيران المباشر للحوثيين في اليمن وللشيعة في الكويت والسعودية والبحرين.

ساهمت كذلك عوامل أخرى في تأجيج صراعات الشرق الأوسط، فاللاعبان الرئيسيان (الولايات المتحدة وروسيا) لم تعدا غائبتين فعلياً عن منطقة الشرق الأوسط كما في الماضي، ففي العقود الماضية لم تكن لدى أمريكا وروسيا اَي وجود عسكري مباشر في دول الشرق الأوسط، إذ كانت أجهزة المخابرات الغربية هي الحاضرة في المنطقة، إلا أن عملية تحرير الكويت وإسقاط النظام العراقي ساهمت في دخول القوات الأمريكية إلى العديد من الدول: السعودية، الكويت، العراق، سوريا ما ضاعف من قلق روسيا باستيلاء أمريكا على الشرق الأوسط كاملة، فسنحت فرصة القتال بين النظام السوري والمعارضة من دخول روسيا المنطقة من خلال دعم القوات الحكومية السورية وإنقاذ النظام السوري من السقوط الفعلي ثم قامت بتوسيع نفوذها ووجودها العسكري في الوقت الذي يرى العديد من السياسيين الأمريكيين بأن الوجود العسكري الروسي في سوريا سيكون لها أثارا سياسية وعسكرية سيئة على المدى الطويل.

للعراق وضع أخر أكثر تعقيداً مما يتصور البعض، إذ لا يستطيع المرء تحليل عناصره واستشفاف أبعاده بسهولة، فقد أنتجت عملية تغيير النظام في العراق عام ٢٠٠٣ نظاماً سياسياً مؤيداً لإيران، وقد وصل الأمر إلى حصول الحكومات العراقية المتعاقبة على التأييد الإيراني وإلى مساهمة قادة عسكريين إيرانيين في قيادة العمليات العسكرية لتحرير المناطق السنية من تنظيم داعش. وهو ما زاد الوضع تعقيداً، بسبب الصراع الإيراني الخليجي من جهة والإيراني الأمريكي من جهة أخرى.

صحيح أن الأحزاب الشيعة حصلت على أغلبية مقاعد مجلس النواب العراقي في الانتخابات الأخيرة، إلا السنة والكرد والتركمان مكونات لا يمكن الاستهانة بها في العراق، فرغم تشتت السنة وافتقارهم إلى قيادة سياسية مؤثرة وتمسك الكُرد بمشروعهم القومي على حساب وحدة الأراضي العراقية وانشغال التركمان بترسيخ هويتهم القومية، إلا أن البساط السياسي في العراق لا يزال يقف عليه السنة والكُرد والتركمان ويأبون أن تقوم الشيعة بسحبه من تحت أقدامهم.

يرى المراقبون اليوم أن أكراد العراق سعوا للمضي قُدماً نحو تحقيق حلمهم القومي مستفيدين من التغييرات عصفت بعلاقات دول الشرق الأوسط والتغييرات التي طالت أنظمتها السياسية، تحديداً بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام ٢٠٠٣، ولكن رُغم ذلك فهشاشة الديمقراطية في الإقليم والنزاعات الداخلية بين الأحزاب الكُردية والأزمات الاقتصادية التي نشأت نتيجة سوء الإدارة، أدت جميعها إلى تفويت الفرصة أمام إقليم كُردستان لكسب تاأيد أمريكا والغرب في مشروع استقلاله.

تجمع الدولتين مصالح اقتصادية وسياسية ونظرتهما المشتركة إلى مستقبل الشرق الأوسط، فتركيا وقطر تقفان بالضد من المفاهيم التي روجها الكُتاب الغربيين في السنوات القليلة الماضية كمفهوم (الشرق الأوسط الجديد)
تجمع الدولتين مصالح اقتصادية وسياسية ونظرتهما المشتركة إلى مستقبل الشرق الأوسط، فتركيا وقطر تقفان بالضد من المفاهيم التي روجها الكُتاب الغربيين في السنوات القليلة الماضية كمفهوم (الشرق الأوسط الجديد)
 

بعد وضوح الصورة السياسية في الشرق الأوسط، بدأت التحالفات تتشكل بغرض تحقيق المزيد من المكاسب السياسية، فإيران والعراق وسوريا وحزب الله والحوثيين في اليمن انضوت تحت التحالف الشيعي ودول الخليج (عدا قطر) ومصر ضمن التكتل السُني، أما تركيا وقطر فهما تراقبان الأوضاع عن كثب في الشرق الأوسط، فمن جهة ترغب تركيا الاحتفاظ بعلاقات سياسية إيجابية وفاعلة مع السعودية وإيران والعراق ومن جهة أخرى تغازل إيران التي دعمت لسنوات حزب العمال الكُردستاني PKK المحظورة في تركيا، بهدف ضمان إنهاء دعمها لمقاتلي الحزب الذين يخوضون منذ عام ٢٠١٣ حرب عصابات في بعض المناطق داخل الاراضي التركية، كما أن لتركيا وإيران استراتيجية مشتركة تتمثل في إجهاض مشروع الدولة الكُردية في العراق.

أما إيران فهي تنظر إلى تركيا الجارة كدولة قوية عسكرياً واقتصادياً وجيوبوليتيكياً، فهي وإن تتفوق عليها اقتصادياً، إلا أنها أحد منافذها الاقتصادية والتجارية وتربطها بها علاقات سياسية لم تشهد استقراراً منذ وصول حزب العدالة والتنمية (حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) للحكم عام ٢٠٠٢. كما أن إيران تنظر إلى تركيا على أنها لا تتدخل في الشأن الإيراني، فتركيا لم تلعب يوماُ مثلا بورقة الآذريين في إيران (الذين يتحدثون اللغة التركية) رغم أن عددهم يفرق ٣٠ مليوناً.

للتقارب التركي القطري أسباب أخرى ليست عسكرية بحته ترجمتها تركيا في بداية الأزمة القطرية السعودية بإرسال ٢٠٠ جندي لحماية قطر من احتمال اجتياح سعودي. تجمع الدولتين مصالح اقتصادية وسياسية ونظرتهما المشتركة إلى مستقبل الشرق الأوسط، فتركيا وقطر تقفان بالضد من المفاهيم التي روجها الكُتاب الغربيين في السنوات القليلة الماضية كمفهوم (الشرق الأوسط الجديد). فتركيا وقطر رُغم الانتقادات الإقليمية التي تتعرضان لها بسبب موقفهما المحايد من الصراع الخليجي – الإيراني والأمريكي – الإيراني إلا أنهما ترغبان في بقاء الصراع سياسياً واقتصاديا على أن يؤدي انتهائه عسكرياً إلى تشكيل دويلات صغيرة في الشرق الأوسط لتصبح بؤرة للحروب الصغيرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.