شعار قسم مدونات

احترف بنادي أتلتيكو مدريد.. ماذا تعرف عن الأسطورة المغربية "بن مبارك"؟

بن مبارك

تزف لنا كرة القدم في كل حقبة من حقبها خبر ميلاد لاعب أو لاعبين جدد ذوي مهارات غير عادية، فمنهم من يعمل على صقل موهبته عبر المثابرة وتتبع نصائح مدربيهم، ومنهم من يعتقد خاطئا أن الموهبة تكفيه ليصير لاعبا كبيرا ستحفظه الذاكرة الكروية، ليتوارى على حين غرة عن الأنظار بعدما كان اسمه يتصدر عناوين أشهر الصحف العالمية. فإذا تصفحنا تاريخ كرة القدم الطويل سنجد لاعبا ينتمي إلى الفئة الأولى التي ذُكرت من اللاعبين الموهوبين، لاعبٌ استثنائيٌ ظُلم لأن الأقدار شاءت أن يتزامن وجوده مع فترة عصيبة، كان العالم يشهد خلالها وضعا غير مستقر نتيجة اندلاع الحرب العالمية الثانية وخضوع المغرب للاستعمار الفرنسي، فهو أول من أُطلق عليه لقب الجوهرة السوداء وكان ذلك في إسبانيا، إنه العربي بن مبارك.

رأى العربي بن مبارك النور حسب رواية ابنه الأكبر سنة 1914 بمدينة الدار البيضاء، حيث قضى طفولته يتيم الأب وعشق كرة القدم التي مارسها في أزقة أحد الأحياء الفقيرة بالمدينة. لعب بعد ذلك في فريق الوطن وهو أحد فرق الحي في سن صغيرة، حيث تألق في صفوفه وكانت فنياته تفوق بكثير فنيات باقي اللاعبين، الأمر الذي ساهم في أن يذيع صيته في الوسط الكروي بمدينة الدار البيضاء. ومثَّل فريق إديال المنتمي آنذاك إلى حضيرة القسم الثاني الوجهة التالية لبن مبارك، الفريق الذي جاوره لمدة موسمين ليساهم في توهجه وقيادته إلى الصعود إلى القسم الأول.

أثارت طريقة لعب بن مبارك وكيفية مداعبته للكرة وقدرته الهائلة على التحكم بها وإجادته لدوري صانع الألعاب والهداف في الآن ذاته وتميزه بالسرعة والقوة البدنية اهتمام الاتحاد المغربي، الفريق الأكثر تتويجًا في المغرب قبل الاستقلال والذي عرض عليه الانتقال للعب في صفوفه مقابل العمل في محطة للوقود. عانى اللاعب بعض الشيء في بداية مسيرته مع الاتحاد المغربي الذي كان يعج آنذاك بنجوم من العيار الثقيل مثل، جوست فونتين، مُسجل أكبرِ عددٍ من الأهداف في نُسخةٍ واحدةٍ من كأس العالم سنة 1958 بالسويد بما مجموعه ثلاثة عشر هدفا، لكن هذا الوضع لم يستمر لوقت طويل ليصير بعد فترة قصيرة النجم الأول للفريق.

دخل بن مبارك قلوب جماهير أولمبيك مارسيليا العاشقة لفريقها حتى النخاع دون استئذان، بفضل الأداء الذي كان يقدمه والأهداف الكثيرة التي سجلها وعجلت بانضمامه للمنتخب الفرنسي

انبهرت البعثة المرافقة للمنتخب الفرنسي الثاني بالفنيات الهائلة للاعبٍ اعتبر اكتشافا جديدا كان يُدعى العربي بن مبارك خلال المباراة التي جمعت بين منتخبين المغربي ونظيره الفرنسي، حيث تألق وأبدع في هذه المواجهة واختير أفضل لاعبٍ خلالها، رغم هزيمة المغرب بأربعة أهداف مقابل هدفين. سعى بعد ذلك فريق مارسليا للتعاقد مع العربي لكن فريق الاتحاد المغربي رفض فكرة التخلي عن نجمه في مرحلةٍ أولى، إلا أن إصرار النادي الفرنسي على الظفر بخدمات اللاعب أجبر الفريق المغربي على الرضوخ لرغبة الفرنسيين في ضم هذه الأيقونة في السنة التالية مقابل مبلغٍ ماليٍ مهمٍ آنذاك.

دخل بن مبارك قلوب جماهير أولمبيك مارسيليا العاشقة لفريقها حتى النخاع دون استئذان، بفضل الأداء الذي كان يقدمه والأهداف الكثيرة التي سجلها وعجلت بانضمامه للمنتخب الفرنسي لخوض مباراة ودية ضد إيطاليا في نابولي انتهت بهدف يتيم لفائدة أصحاب الدار. وتوقف فجأة مسار بن مبارك في تسلق مجد الكرة العالمية إثر اندلاع الحرب العالمية الثانية، ليجد نفسه مضطرا للعودة إلى المغرب ليلعب رفقة فريقه السابق الاتحاد المغربي الذي دافع عن ألوانه لخمس سنوات وقاده لإحراز العديد من الألقاب.

عاد العربي إلى فرنسا بعد انطفاء فتيل الحرب العالمية الثانية وهذه مرة مع فريق Stade Français الذي كان ينشط حينئذ بالقسم الثاني الفرنسي، فمكث ثلاث سنوات في الفريق الباريسي محققا معه نتائج مشرفة، لكن الضائقة المالية التي أثقلت كاهل هذا الفريق بسب فشل سياسة التعاقد مع النجوم دفعت ممثل العاصمة الفرنسية إلى التخلي عن نجومه، وكان بن مبارك أول المعنيين بهذا القرار.

انضم العربي بن مبارك إلى فريق أتلتيكو مدريد سنة 1948 مقابل سبعة عشر مليون فرانك فرنسي، وهو مبلغ لم تشهد له الدوريات الأوروبية حينئذ مثيلا. وخلَّف هذا الانتقال موجة غضب واسعة في فرنسا وسط الجمهور المحب لكرة القدم الذي لم يستسغ فكرة رحيل نجم استثنائي كان اسمه مرادفا للفرجة والإبداع. ساهم اللاعب الذي أُطلق عليه خلال هذه الفترة لقب الجوهرة السوداء في إحداث ثورة كبيرة في الفريق المدريدي، الذي صار ينتمي إلى مصاف الأندية الكبيرة ونجح في قيادته للتتويج بأول لقب له في الدوري الإسباني.

طُوِّيت بوفاة الجوهرة السوداء صفحة إنسان لم يكن مجرد لاعب كرة قدم مميز، بل كان وطنيا حقيقيا وكان يساعد الفدائيين خلال فترة الحماية كما أكد ذلك ابنه الأكبر
طُوِّيت بوفاة الجوهرة السوداء صفحة إنسان لم يكن مجرد لاعب كرة قدم مميز، بل كان وطنيا حقيقيا وكان يساعد الفدائيين خلال فترة الحماية كما أكد ذلك ابنه الأكبر
 

عاد العربي بن مبارك سنة 1951 إلى فريقه السابق أولمبيك مارسيليا حيث استهل مشواره الاحترافي وقضى معه موسما واحدا، بلغ خلاله نهائي كأس فرنسا الذي خسره أصدقاء بن مبارك بهدف وحيد وعمره حينئذٍ كان يقارب الأربعين. امتهن العربي بعد اعتزال كرة القدم التدريب، فعُيِّن سنة 1957 أولَ مدربٍ للمنتخب المغرب بعد الاستقلال للمشاركة في البطولة العربية الذي احتضنتها لبنان، والتي شهدت توافدا كبيرا للجمهور لبناني لا لشيء سوى لرؤية نجمهم المفضل. أشرف كذلك على تدريب العديد من الأندية المغربية على غرار الفتح الرباطي والرجاء البيضاوي ونهضة سطات، هذا الفريق الذي أحرز معه لقب البطولة الوطنية سنة 1971-1970.

انطفأت شمعة اسم قال في حقه يوما أسطورة كرة القدم البرازيلية بيلي: "إذا كنت أنا ملك كرة القدم فأنت إلهها"، وخصه عبد الرحمان بالمحجوب لاعب فريق نيس الفرنسي بهذه الشاهدة " كنت ألعب ضدك وأستمتع بمشاهدتك في الآن ذاته"، وصاحب أكبر مسيرة مع المنتخب الفرنسي يوم الجمعة 16 شتنبر 1992، بعد أن قضى أيامه الأخيرة منعزلا عن الناس في منزله بالدار البيضاء، وشكلت وفاته صدمة لمحبيه سواء في المغرب أو في فرنسا. وطُوِّيت بوفاة الجوهرة السوداء صفحة إنسان لم يكن مجرد لاعب كرة قدم مميز، بل كان وطنيا حقيقيا وكان يساعد الفدائيين خلال فترة الحماية كما أكد ذلك ابنه الأكبر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.