شعار قسم مدونات

ثورة شعبية أم افتعال إسرائيلي.. لماذا اندلعت المظاهرات في السودان؟

blogs انتفاضة السودان

تفاجأ المجتمع العربي والدولي بالمظاهرات التي عمت العديد من المدن السودانية في الأيام الماضية، وذلك عبر تصدر هاشتاج مدن_السودان_تنتفض عربياً، ولكن بالنسبة للراصد والمتابع للشأن السوداني، فالأمر كان مجرد مسألة وقت ليس إلا! وذلك نتيجة عوامل كثيرة ومعقدة، نوضح أبرزها في هذا المقال.

أولاً: الأزمة الاقتصادية

وهي مشكلة مرتبطة بالتدهور الكبير والمستمر للجنيه السوداني، والذي بدأ منذ انفصال جنوب السودان، وتفاقمت المشكلة ليقفز سعر الدولار من حوالي ٣ جنيه في ٢٠١٢ ليصل إلى أكثر من ٧٠ جنيه في ٢٠١٨. على الرغم من هذا التدهور الكبير ظلت الرواتب ضعيفة في حدود متوسط ٢ ألف جنيه، وهذا يعني أن نفس الراتب القديم، يعادل حالياً أكثر من ٤٠ ألف جنيه لمعادلة الزيادات.

 

ومما زاد النار استعارا؛ تطبيق سياسة تجفيف السيولة المالية عبر تقليل السحب النقدي، دون توفير بدائل كافية، فأصبح الراتب البسيط، لا يتحصل عليه إلا بشق الأنفس، وتفشت ظاهرة الربا لتوفير السيولة عبر بيع المال في المصرف (الشيكات المصرفية أو التحويلات) مقابل مال عيني أقل، ونتج عن هذا فقدان المصارف مصداقيتها عند المواطنين. هذا ولو أنك تحصلت على المال بصورة أو بأخرى، فستفاجأ بندرة حادة في السلع أساسية مثل الخبز والوقود والدواء، ناهيك عن ارتفاع أسعارها.

ثانياً: انتشار الفساد المالي
التعديلات على قانون الانتخابات، قد خلفت نوعاً من الشقاق في الحوار الوطني، وزاد من الشكوك لدى المراهنين على انتخابات ٢٠٢٠

لعل الفساد قد تسلل إلى كافة النواحي في الدولة واستشرى فيها، لكن هنا نركز على الفساد المالي، حيث أورد المراجع العام في آخر تقرير له اتهامات لعدد من مؤسسات الدولة بالفساد، وأشار إلى مخالفات لوزارة المالية وبنك السودان، وهي الجهات المناط بها مراقبة المال العام وتوجيهه، فما بالك بباقي مؤسسات الدولة. ولعل من الأسباب التي كان لها أسوأ الوقع لدى المواطن السوداني، هو الإحساس بعدم الجدية في التعاطي مع قضايا الفساد، وأنها مجرد إجراءات لذر الرماد في العيون، وهذا يتجلى في ظهور إجراءات مثل فقه (التحلل)، وأيضاً الأخبار المستفزة مثل ما أوردته الصحف بأن متهماً بقضايا فساد مالي، قد منح إذناً للسفر لمتابعة العلاج بالخارج، والسبب هو إصابته بحالة من الاكتئاب.

ثالثاً: تدهور الخدمة المدنية

يعتبر تردي الحال في الخدمة المدنية من الأسباب التي لا يعيرها الكثير من الناس الاهتمام الذي تستحقه، إلا أنه لا سبيل لنهضة وتنمية حقيقية إلا عبر المؤسسات الخدمية، بحيث يعتمد الاداء على المؤسسات لا فرد بعينه. وما عرى الخدمة المدنية من تردي يعود بصورة كبيرة إلا تبني سياسة التمكين، بحيث تكون الأولوية للمناصب بناءا على درجة الولاء. هذا التدخل أثر على أداء المؤسسات وكان له دور كبير في عزوف وهجرة الأشخاص المؤهلين ذوي الخبرة، بينما ساهم تردي الأوضاع الاقتصادية وضعف الرواتب في عزوف الشباب المؤهلين، فأصبحت المؤسسات يعمل بها، في المجمل، أغلبية لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

رابعاً: فقدان الأمل في المستقبل

ولعل الأسباب السابقة كلها تساهم في ذلك، هذا بالإضافة إلى الأزمات السياسية، مثل قرار تعديل الدستور للسماح للرئيس البشير بالترشح للرئاسة مدى الحياة، والذي بعث برسائل سلبية ولقي معارضة حتى من داخل الحزب الحاكم. بالإضافة إلى أن التعديلات على قانون الانتخابات، قد خلفت نوعاً من الشقاق في الحوار الوطني، وزاد من الشكوك لدى المراهنين على انتخابات ٢٠٢٠.

إن المتأمل في هذه الأسباب يجد أنها جزء رئيس من أسباب شتى مختلفة، ساهمت جميعها في تولد إحساس قوي، أن الحكومة حالياً عاجزة عن توفير حل مقنع للشعب، لا على المدى القريب أو البعيد، مما أدى إلى حدوث المظاهرات الشعبية المحضة، دون أي تدخل سياسي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.