شعار قسم مدونات

تحولت من أنثى باهتة الملامح إلى امرأة بكامل قواها

blogs زواج

طفلة أم شابة، لا يهم ما الصفة التي علينا أن نسمي بها فتاة قروية بسيطة، لم تكتمل ملامح الأنوثة لديها بعد، ذات جسم نحيل ووجه بريء، تبلغ من العمر سبع عشرة سنة، لا تعرف شيئا عن الحياة سوى تلك التي تعيشها مع أسرتها الصغيرة، حتى أنها لم تجرب الجلوس على طاولة المدرسة كقريناتها من الفتيات في سنها، كانت تقضي يومها في غسل الأواني وتنظيف البيت، والاستيقاظ باكرا لتحضير الفطور لوالدها الفقيه الملتزم الذي لا يبتسم في وجه أولاده حفاظا على هيبته، وأوامره التي لا تسقط أرضا، لا مجال لعتابه فتجاعيد وجهه الحزينة، تحكي حكاية أب يمارس سلطته نتيجة حياة قاسية عاشها هو أيضا؛ علاقته بأسرته علاقة سببية، كعلاقة النار بالماء لا يمكن أن يندمجا إلا في حالة الانطفاء، الأب هو الماء والظروف هي النار، اجتمعا ليطفئا البريق في عين ابنته.

وسط هذه الفوضى والتفاصيل التائهة، جاء مدرس جديد للقرية، يدرس صفوف الابتدائي، كان كل يوم يخصص وقت للتجول في تلك البلدة الصغيرة، حتى جاءت اللحظة اللعينة التي رأى فيها تلك الفتاة التي تختبئ داخل ثياب بسيطة جدا كانت ملفتة للنظر، كأنها فراشة تعيش وسط الشوك، تمعن فيها جيدا لدقائق وأكمل طريقه، بعد أيام قليلة طرق باب بيتهم وطلبها للزواج، جلس مع والدها لمده لم تتجاوز ساعة فهذه المدة كانت كافية لتغيير مسار حياتها كليا، كما لو أن الزمان لا توجد فيه إلا تلك الساعة، هي لا تعلم أن حياتها سوف تتغير، وأن التفاصيل الفقيرة التي كانت تعيشها في تلك البيت البسيط وسط أخواتها وإخوانها والشجارات ستفتقدها وتحن إليها.

أخبرها والدها أنها ستتزوج وكأنه يخبرها أنه اشترى لها فستان العيد، حتى أنه لم ينتظر منها الجواب، فاكتفت هي بالصمت، ومئة سؤال يتراقص داخل رأسها، ترى ما غرض رجل في الثلاثينات من عمره يشغل منصب أستاذ، من فتاة تبدو كابنته، لكنها لم تجد جواب بل لم يحالفها الوقت في إيجاده، فبعد يومين غادرت البيت الذي ولدت فيه دون أي احتفال، مشاعرها مختلطة، كانت بالكاد قادرة على التقاط أنفاسها، أنفاس طفلة برائحة البراءة، لا تعرف هل تفرح لأنها ستذهب بعد فترة معينة يقضيها زوجها في تدريس أطفال البادية، إلى العيش في المدينة، أم ستندم وتقول اللهم طفلة باهتة الملامح، أو امرأة بدون ملامح أصلا.

نطقت المحكمة بقرار الطلاق بعد مرور أربع سنوات تنازلت عن كل حقوقها ومستحقاتها لكنها لم تتنازل عن كرامتها وقوتها أحسست أنه أمر واقع أن تجمع شتات أسرتها وتضم أطفالها الثلاثة

كيف لرجل بدى شعر رأسه يختلط بالشيب، وتفاصيل وجهه مخيفة، ولون بشرته غريب عليها، أن يعيش تحت سقف واحد مع فتاة بنكهة طازجة من الطفولة. قناع الأدب والرزانة والرجولة الذي كان يرتديه، خلعه عند أول خطوة لها في بيته، إذ حلت عليها لعنة الحياة عندما دخل حياتها ذلك المخلوق، حكم عليها القدر بحياة بائسة بالإضافة إلى الأعمال الشاقة المرهقة، والحالة النفسية القذرة، رغم أنها كانت لا تزال عروس كانت تعيش معه العنف والضرب والإهانات بالجملة، كانت تعاني الحرمان من أبسط ما هو بسيط من متطلبات العيش العادي، حتى من الأكل.

كانت تتغدى على بقايا دخان سيجارته المنتشر في كل زاوية من البيت، لم تكن بالنسبة له زوجة، بل جارية من البادية في نظره لا تستحق سوى معاملة الجواري، كانت تهرب منه إلى أبيها تشتكيه، لكنه كان يصدها ويرجعها إلى بيت زوجها رغما عنها، فلا مجال لكسر صورته المتزنة أمام الناس بسببها. مضى الوقت وانتقلوا للعيش في المدينة. انتقلت من روتين البادية إلى صخب وضجيج الشوارع وأصوات السيارات.

عندما بلغت عامها العشرين، كان تحمل في يدها دفتر العائلة، أنجبت ثلاثة أطفال ذاقوا معها نفس تفاصيل الحياة الباهتة، التي تعيشها مع مخلوق تصرفاته كلها تدل على أن عالم الرجولة لا يمت له بصلة حتى أن الأبوة لم تغير فيه شيئا بل زادته قبحا وتسلطا. كل يوم كان يكبر بداخلها الفراغ والعذاب، والرغبة في التمرد كبرت بداخلها تلك الطفلة البريئة وأصبحت امرأة قوية، لا تخاف، صارت امرأة مكتملة الملامح نعم كيف لا وهي أم تحس بثقل المسؤولية، قالت لن أبقى ضعيفة دائما.

كانت كل يوم تفكر كيف ستخرج من النفق الذي أرغمت على العيش فيه، في حين هو كان كل ليلة يحتسي الشراب، أمامها وأمام أولاده، رائحة الخمر والسجائر التي كان ينفث فيها فشله وقبحه تسللت لكل ركن من أركان البيت التعيس، والدها وأخيرا أحس بمعاناة طفلته الحزينة، تذكر عندما كانت تلجا أليه وقت الحاجة، عندما كانت تهرب من بيت زوجها وتأتي إليه باكية، كان لا يصدقها كان يتهمها بأنها مدللة ومهملة في حق زوجها، ولكن هذه المرة أصبحت الصورة لدية واضحة قرر أن يقف بجانبها وكل لها محام، ورفعت عليه قضية طلاق لا رجعة فيه كيف لها أن تتردد لو لثانية واحدة في الانفصال عن عالم عجوز لا توجد فيه تفصيلة واحدة من تفاصيل البراءة وطيبة القلب.

وأخيرا نطقت المحكمة بقرار الطلاق بعد مرور أربع سنوات تنازلت عن كل حقوقها ومستحقاتها لكنها لم تتنازل عن كرامتها وقوتها أحسست أنه أمر واقع أن تجمع شتات أسرتها وتضم أطفالها الثلاثة حيث الكبير منهم لا يتعدى ستة سنوات هي الآن الأم والأب. كانت تبحث عن العمل في المدينة نفسها التي سلبت منها بريق الطفولة، في حين عاش أطفالها في بيت جدهم، ربما هذا الأمر يخفف من تأنيب الضمير الذي كان يحس به، هكذا مرت الأيام الأطفال في جهة والأم في الجهة الأخرى، تراهم فقط مرتين في الشهر ف العمل لا يرحم ولا الظروف تساعد، كانت تطمح فقط لإيجاد بيت صغير يلم شتاتهم، وهكذا حتى تمكنت من استئجاره عاشوا فيه حياة كريمة بعيدا عن القبح والعنف.

أصبحت الفتاة أم متفهمة ولا تشتكي، ملامحها لا زالت محافظة على العفوية والبساطة، ضجيج المدينة لم يغير شيئا من الطفلة التي بداخلها التي كانت تكبر لمواجهة الحياة
أصبحت الفتاة أم متفهمة ولا تشتكي، ملامحها لا زالت محافظة على العفوية والبساطة، ضجيج المدينة لم يغير شيئا من الطفلة التي بداخلها التي كانت تكبر لمواجهة الحياة
 

تشهد جدران البيت وتشهد الأيام واللحظات على أن هذه الأسرة الصغيرة بعد مرور أزيد من خمس عشرة سنة لم تتشتت، وظلت متماسكة، حياتهم هادئة، كانت تكافح من أجلهم ولأجلهم، كانت لا تطلب منهم شيئا سوى التفوق في الدراسة، هي الآن أم تمكنت من إيصال أولادها إلى بر الأمان، كل واحد منهم يمتلك شواهده العليا ومنصب شغل محترم، كل شيء جميل يحصل الآن في حياتهم هي السبب فيه. 

أم متفهمة ولا تشتكي، ملامحها لا زالت محافظة على العفوية والبساطة، ضجيج المدينة لم يغير شيئا من الطفلة التي بداخلها التي كانت تكبر لمواجهة الحياة، كل الناس تشهد لها بالحق، كل من يلتقي بها يكرر على ما سمعها "ما فعلتيه لا يستطيع الرجال القيام به" وهكذا يكون للصبر حكاية ويكون لزواج الذل والقهر نهاية كريمة!

رسالتها في الحياة عبرة فالمرأة قادرة على تغيير حياتها للأفضل والتمسك بقوتها وكرامتها في مواجهة مطبات هذه الحياة القاسية، المرأة ليست كائن ضعيف، الضعف هو الانحناء أمام سلطة الزوج أو الأب والأخ، لا شيء سيتمكن من تحطيم امرأة قررت أن تنهض بكل ما تمتلكه من قوة وخوف وأحاسيس مختلطة، لا شيء سيعجزها عن تطوير ذاتها وفرض نفسها وكسر كل القواعد التي تكبل يدها وتغلق فمها، هي أرادت أن تكون قوية إذن ستنجح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.