شعار قسم مدونات

الزمن ليس حياديا.. إما أن تواجه خوفك بشجاعة أو تتنازل عن ذاتك!

blogs أجندة

هذا الزمن لا يعرف كيف يقف، لا ينتظر ولا ينام ولا يقضي نفسه حائراً، لا يعرف كيف يحزن لموت أحدهم ولا يسقط خلف الجدار ولا يجلس داخل دائرة، تلك الأجندات التي نمزقها كانت الاكتشاف الوحيد الصادق في حق السنين، دق الساعات الذي منحنا الطمأنينة علمنا عادات سيئة أخرى، فنحن في الحقيقة لم نفكر أبدا ماذا سنفعل لو توقفت تلك السنين عن السير، ولم نأبه إن وصلنا للستين في لحظة تحديق أخرى، ولم نجد طريقة آمنة ترضينا أن يمشي هذا القطار سريعاً دون أن نسحب صافرة التوقف في محطات لا بد علينا أن نترك مقاعدنا ونترجل فيها، ونمشي جوار الزمن دون أن يكون الأمر سباقاً، يكفي فحسب ألا يمر العمر عليك ويهترئ عظمك قبل أن تجرب اندفاعة القفز خلف حقيبتك في مكان ما حيث لا أحد في انتظارك.

ما لا يمكن تغييره في تلك السنين أنها دائماً سوف تمشي فوقك، لن يهمها أن تستيقظ في يوم ما دون أن تغادر فراشك أو تستعمل فرشاة أسنانك، إن أصبحت ذقنك شعثاء وعيناك تكحلت بسوادها، لا يهم حقاً إن كنت ترى أو لا ترى فهي لن تتوقف عن الحراك لمجرد أنك لم تمزق ورقة اليوم من الأجندة على الحائط، هي تعلم أنك ستتنازل في يوم ما وتقف على أقدامك العارية وتمزق كل الأيام التي فاتتك، رغم أنها لم تكن!

لا يأخذ الزمن مواقف حيادية بشأن الذين يقطنون بداخل خوفهم المصاب بالخمول، إما أن تتخذ موقفاً خائفاً بشجاعة أو أن تتنازل عن أيام كثيرة ومعها الكثير من ذاتك، عدد من المخاوف التي لم تكن في محلها فحسب كفيلة بأن تغلق مسام حياتك وسينجلي لك بأنك دائماً كنت أسيراً داخل حلق أفكارك الجائرة وكنت تقاتل أشباحك الخاصة وتظن أن عليك كباقي الناس سلوك طرقات مؤمنة مؤهلة بالأقدام كتمام الصواب، تلك الطرقات المكشوفة يكثر روادها وأنت في الحقيقة تحتاج طريقك الخاصة التي سيحمل حذائك غبارها الأول دون أن تسأل أحد وقت إضافي لتجاوز حاجز صعب أو بوصلة سفر!

بعض اللحظات ينبغي تركها دون لمس ثغراتها وبعض الحقائق تجعلك قادراً على أن تكبر بشرف ابتلاءك في ذاتك دون أن ترى ضرورة لرد الاعتبار

عام من كل شيء يشبه الحياة، تأهلت للعام الرابع من دراستي وهذا أمر فعله المئات من قبلي ولا بد أن يكون الكثير منهم قد شعروا بتلك الهواجس تتلاشى، لأن الأمر ليس سنوات ف حسب بل هو رضوض كثيرة تتأهل للشفاء، وقفت للمرة الأولى بردائي الأخضر لخمس مرات داخل غرفة عمليات في أسبوع واحد لم أكن إلا فرداً يمسك بيد حملتني يوماً وليس المشرط، فأنا مجرد إنسان يشعر بنشوة التخلص من سواد البداية ولست مؤهلاً لأي شيء يتعلق بالطب أو كنت أظن نفسي كذلك، السؤال يتكرر في كل مرة، هل ستستطيعين الصمود، هل هذه مرتك الأولى، بإمكانك الانتظار في الغرفة المجاورة، الساعة الثانية عشر في تموز الأشد حرارة وجسد أشد برودة من الثلج.

 

أنها في الحقيقة مجرد يدٍ خائفة مهما أمسكتها سيبقى الدم هارباً منها لا إليها، يجب أن أعترف هنا أن هناك شيء أصابني بذاك النوع من البرود المطلق ليخرج مني كائن آخر لم ألتق به قبل ذلك، ما يهمني حقاً أنني لن أجلس على مقعد بارد في الخارج أنتظر الملاحظات، ما يهمني أنني سأتأكد من أنها في كل مرة كانت فيها توقع اتفاقية مبرمة مع الموت كنا نستطيع إفسادها، كنت أبكي ثم أضحك وأطلق النكات واتهمت بالتداعي ولم يكن الأمر غريباً أو صادماً، اختزلت الأمر في صمت الحرص على عدم إفساد التجربة وابتلعت في جوفي كل الكذبات الملفقة حين توجب الأمر، وحدي أعرف كيف تبدو الأشياء في الخلف وتلك الأصوات الخافتة في الظهر لم تكن لتشققه أبداً لأنها لم تكن صائبة والضحكات المتروكة في الوجه كاذبة ولا ضير من تحمل كذبة واحدة إضافية، هذه مشقة بالرغم من قساوتها إلا أنها ستبقى أبداً على هيئة حكايات عادلة ومرضية!

بعض اللحظات ينبغي تركها دون لمس ثغراتها وبعض الحقائق تجعلك قادراً على أن تكبر بشرف ابتلاءك في ذاتك دون أن ترى ضرورة لرد الاعتبار، تمر بأعوام تقودك إلى ماهيتك وقشرتك التي يظنها الناس تداعٍ وجمود ما هي إلا ترفع عن أنفاق سوداء كنت لتدخلها لو حدثت هذه المصاب قبل عام أو اثنين ولا أحمل في نفسي رغبة أن أظهر مكشوفاً ويلتقي بي الجميع قبل أن ألتقي بنفسي، هذا امتحان لمراتب الأوراق التي مزقتها وكيف رتبك الثقل المتروك من الأيام التي أصبحت اليوم في خانة ذكرياتك، كل الأيام التي أرفقناها في حمى الأرق بسبب قول أو اثنين، عجز أو تردد أو حتى أقدام مرتجفة تحت الرداء، هذه أيام تنكرت بالصبر حتى تأهلنا من خساراتنا سالمين ندندن لحن أغنية قديمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.