شعار قسم مدونات

مدونة التغيير.. تأقلَّمْ أو انْدثرْ

blogs لابتوب

في عالم فرضت تكنولوجيا المعلومات والشبكات الاجتماعية على الجميع واقعا جديدا لا يمكنك الهروب منه أو تفاديه.. لقد جاءك العالم الذي كنت تبحث عنه، فالمكتبات التي كنت تقطع المسافات للوصول إليها والشراء ما تيسر منها أصبحت بين يديك بضغطة زر يمكنك زيارة أكبر مكتبة الكترونية (افتراضية) في العالم وهي أمازون، ومنها تستطيع شراء ما تريد وتدفع وأنت جالس في بيتك أو خلف مكتبك.

 

تستطيع أن تواصل تعليمك وتحصل على شهادة إنهاء التعليم الجامعي أوالماجستير والدكتوراة في أرقى الجامعات العالمية عبر الإنترنت أي أن الجامعة جاءت إليك بدلا من أن تسافر إليها. تستطيع التسوق عبر موقع e-bay أو موقع Alibaba بكل حرية وتنتقي ما تشاء من الملابس والأجهزة والمعدات وأنت في بيتك أو حتى وأنت تركب المواصلات العامة من خلال هاتفك النقال.

 

هل هذا عالم مستقر، ثابت، ساكن، جامد، أم أنه عالم متحرك وديناميكي ومتغير وضاغط عليك وعلى الجميع من أجل التغيير؟ لا أعرف كيف يتحدث البعض عن الاستقرار وكل شئ حولهم متحرك؟ ولا أعرف معنى كلمة الاستقرار إلا أنها تفسير خجول للجمود والتراجع والتخلف؟ إذا كنت مستقرا، وغيرك متحرك فسوف يسبقك غيرك وتصبح أنت في الخلف، فهل موقعك في الخلف هو الاستقرار، إن كانت الإجابة نعم وتقبل بها وتفخر بكونك مستقرا فأنت أو شركتك أو حزبك أو جماعتك في المؤخرة ليس إلا.

 

مثلك مثل هؤلاء الذين تأخروا جدا في دخل عالم التجارة الالكترونية والتي أصبحت تمثل 20% من التجارة في جول الاتحاد الأوربي، و13 % من التجارة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومثلك مثل هؤلاء الذين اتهموا الحظ والظروف بأنها حالت دون أن يكملوا تعليمهم رغم وجود عشرات المئات من الجامعات التي توفر التعليم عن بعد، أو غيلاها ممن يقدمون الدورات التدريبية المؤهلة لدخول سوق العمل. ومثلك مثل الذين تأخروا في استخدام الشبكات الاجتماعية لنشر دعوتهم وأفكارهم عبر ملايين المواقع والوصول إلأى مليارات المستخدمين للإنترنت.

 

كل الفرضيات التي كنت تبني عليها خطتك للتنمية أو النهوض أو النجاح أو التقدم لم تعد موجودة أو على وجه الدقة لم تعد مقبولة لأن العصر الحديث له فرضياته وأدواته

هل لا زلت تؤمن بأن كلمة الاستقرار مناسبة أم يجب البحث عن كلمة أخرى تناسب تمثك بما تؤمن به في ظروف مختلفة أو حتى مناوئة؟ مثل المثابرة مثلا أو الإصرار، وهما كلمتان مهمتان ولا تعنيان بحال الجمود بحجة الاستقرار.. الاستقرار أصبح كلمة سيئة السمعة في عالم لا يكف عن الحركة طولا وعرضا وشمالا وجنوبا. لا أعرف معنى للاستقرار سوى أنه محطة قصيرة جدا في تاريخ الأفراد والجماعات والمؤسسات والأمم ومن بعدها قد تنزلق نحو الهاوية أو تعيد شحن بطارياتها لتتقدم من جديد.

 

انعش ذاكرتك.. أرقام وإحصائيات

سأعرض هنا بعض الأرقام والإحصائيات التي يمكن لأي باحث مبتدئ الحصول عليها وبسهولة بضغطة زر أو مجموعة أزرار، وهي أرقام بمجرد قراءتها ستدرك مدى حيوية العصر الذي نعيشه وكيف أن عالم اليوم هو عالم متحرك ويدناميكي بشكل لا يتصوره أحد:

 

* وصل عدد مستخدمي الانترنت فيه إلى4 مليار انسان حول العالم حتى منتصف 2018 أي حوالي 55.1% من سكان العالم، للعلم كان عدد مستخدمي الانترنت في عامه الأول (1995) إلى 16 مليون مستخدم حول العالم، ثم وبعد ثلاث سنوات فقط قفز الرقم إلى 147 مليون أي بزيادة تصل إلى ما يزيد عن تسعة أضعاف المستخدمين في العام الأول.

 

* بعد عشرة أعوام من اختراعه وفي عام 2005 اصبح عدد مستخدمي الانترنت حول العالم مليار مستخدم أي بزيادة وصلت إلى 625 ضعف خلال عقد من الزمان.

 

* اليوم ومع نهاية عام 2018 سيصل عدد مستخدمي الانترنت إلى ما يزيد عن 4.2 مليار مستخدم حول العام بنسبة تزيد 55% من اجمالي سكان العالم.

 

* في آسيا تجاوز عدد مستخدمي الانترنت 2 مليار انسان أي قرابة الخمسين في المائة من عدد السكان، بينما في أوربا وصل العدد إلى 702 مليون أي بنسبة 85% من السكان.

 

* في أمريكا الشمالية وصل العدد إلى 345.7 مليون أي بنسبة تفوق الـ 95% من عدد السكان

 

* أما أفريقيا فقد زاد عدد مستخدمي الانترنت ليصل إلى 465 مليون مستخدم وبنسبة تصل إلى 36% من عدد سكانها.

 

* أما في مصر فقد وصل عدد مستخدمي الانترنت إلى 49 مليون مستخدم أي قرابة 43% من السكان بينما وصل عدد من لديهم حسابات على الفيسبوك حوالي 35 مليون نسمة.

 

* في عام 2017 واصلت نسبة التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة الأمريكية صعودها ومزاحمتها للتجارة التقليدية لتصل إلى 453 مليار دولار ما يزيد عن 13%.

 

* أما حجم التجارة الالكترونية عبر الانترنت في الإتحاد الأوربي فقد وصل إلى 530 مليون يورو أي 20% من حجم التجارة الكلية هناك.

 

* في عام 2016 دخلت صحيفة الاندبندنت البريطانية التاريخ كأول صحيفة قومية بريطانية تتخلص من النسخة الورقية وتتحول إلى النسخة الإلكترونية فقط. لن أحدثك عن حجم مبيعات موقع أمازون Amazon الالكتروني سنويا ولا حجم أرباحه فسأتركك وبضغطة زر لتكتشف ذلك بنفسك!

 

نصف حقيقي – نصف افتراضي؟

قد تعني لك ولي أيضا أن المسافة بين العالم الحقيقي والافتراضي تتلاشى تدريجيا، وأن المفاهيم السابقة عن التجارة والتعليم والصحة والتداوي والتي تقوم على المشاهدة والمعاينة وتستخدم حواسا مختلفة بما فيها الشم كما في طلبات الطعام لم تعد بنفس أهميتها قبل قرون أو عقود أو حتى سنوات، ويكفيك الآن أن تطلب زياً أو ساعة بعد أن تعاينها الكترونيا، وتطلب وجبة غذائية عبر الهاتف أو الإنترنت دون أن تتفحصها أو تشم رائحتها.

 

العالم الجديد نصف واقعي – نصف افتراضي يقوم على الثقة بين جميع الأطراف المشاركة فيه، أما من لا يزال يعيش خارجه فسيظل محتفظا بتردده وريبته وخوفه من مجرد الاقتراب من العالم الافتراضي
العالم الجديد نصف واقعي – نصف افتراضي يقوم على الثقة بين جميع الأطراف المشاركة فيه، أما من لا يزال يعيش خارجه فسيظل محتفظا بتردده وريبته وخوفه من مجرد الاقتراب من العالم الافتراضي
 

وقد تعني لك أن كل الفرضيات التي كنت تبني عليها خطتك للتنمية أو النهوض أو النجاح أو التقدم لم تعد موجودة أو على وجه الدقة لم تعد مقبولة لأن العصر الحديث له فرضياته وأدواته التي لا غنى لأي باحث عن النجاح والتقدم غنى عنها. وتعني لك أيضا أن الزمن تضاعفت قيمته لعشر أضعاف بل إن الدقيقة الواحدة في العصر الراهن قد تساوي ساعات من زمن التسعينيات أو بداية الألفية الجديدة، ففي دقيقة واحدة أو دقيقتين يمكنك اجراء عملية التسجيل للدخول إلى مصرفك واجراء عملية تحويل بنكية وأنت جالس على الأريكة تشاهد نشرة الأخبار.

 

كما تعني لك أن طريق أي فكرة إلى العالمية لم يعد يشترط عبور الحدود الجغرافية بين الدول عبر الطائرات والباصات أو السيارات الخاصة أو القطارات بل يكفيك ضغطة زر أو مجموعة أزرار لتنشر الأراء والأفكار والمفاهيم والأيديولوجيات وبسهولة ويسر. كما تعني لك أن الذين تأقلموا مع العصر ولو بدفع كلفة للتأقلم في بدايات الأمور فازوا وتقدموا، فلولا مغامرة أصحاب مكتبة أمازون لما ربحوا المليارات، ولولا مغامرة الصحف الأمريكية الكبرى مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست لكانت خسائرهم بالمليارات بينما هم اليوم يجنون ثمار المغامرة والذهاب إلى العالم الافتراضي في وقت ترددت فيه الكثير من صحف العالم.

 

العالم الجديد نصف واقعي – نصف افتراضي يقوم على الثقة بين جميع الأطراف المشاركة فيه، أما من لا يزال يعيش خارجه فسيظل محتفظا بتردده وريبته وخوفه من مجرد الاقتراب من العالم الافتراضي الذي يمثل له حالة رعب لا يمكن علاجها.

 

التغيير ليس مجرد نية

في مثل هذا العالم لا يكفيك أن تحمل بالتغيير أو تتمناه، فالتغيير سيحدث سواء أردت أم لم ترد، ولكن السؤال الجوهري هو كيف تبدأ عملية التغيير بمحض ارادتك ووفق خطة لإدارة التغيير قبل أن يفرض عليك وتتحول من حالة إدارة التغيير إلى حالة أخرى هي (احتواء الآثار السلبية للتغيير) الذي أصابك دون رغبة منك ربما لأنك تخشى التغيير أو لست مؤهلا له. فالخلاصة.. إما أن تتأقلم واستثمر الواقع ومعطياته أو ستصبح جزء من التاريخ أو على أحسن تقدير ستندثر وتصبح "حاجة من ريحة الحبايب".. تأقلم أو اندثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.