شعار قسم مدونات

تحرير أستونيا.. هكذا انتزاع الثوار السلطة من الجيش الأحمر

blogs تجحرير أستونيا

فهمت الحكومة السوفيتية نهج الثوار فاتجهت لمبارزتهم بنفس الطريقة، مستخدمة الروس المقيمين في أستونيا عن طريق تشكيل جبهة شعبية مضادة لهذه التحركات، في ذلك الوقت كان الروس قد زاد عددهم في البلاد منذ حكم ستالين، وأنجبوا أجيال عاشت جنبًا إلي جنب مع الشعب الأستوني بل شكلت في نهاية المطاف ما يعادل نصف إجمالي عدد السكان، وخروج هذا العدد في صورة محتجين يعطي شرعية للسوفييت في التدخل في سياسة البلاد وبالفعل اتجهت الحشود للبرلمان واقتحموه بالقوة ونزعوا العلم الأستوني ووضعوا مكانه علم أستونيا الشيوعية.

 

وما كان على الثوار سوى الاتجاه للراديو ومطالبة الشعب الأستوني بالتوجه للبرلمان وحصاره، رغم استعداد الروس باستخدام العنف إلا أن المحتجين الأستونيين أظهروا مشهد غير مسبوق في ضبط النفس وحاصروا البرلمان بأعداد كبيرة ثم سمحو للروس بالخروج بعد بضع ساعات وأفسحوا طريقًا واحدًا فقط لهم للخروج وهم محاطين بالثوار دون الإساءة لهم أو استخدام العنف واكتفوا بتكرير كلمة ارحلوا فقط.

لقد أدرك الثوار أن استخدام العنف يعني إرسال المزيد من القوات السوفيتية للبلاد ولم يعطوا هذا الاحتمال فرصة للحدوث على أرض الواقع. في هذه الفترة طلبت لاتفيا وليتوانيا الاستقلال عن السوفيت وذهبوا للاحتجاج في الشوارع والاشتباك مع الجيش السوفييتي، في غضون ساعات جرى إطلاق النار عليهم وقتل العشرات منهم. حبس العالم أنفاسه انتظارا لنصيب أستونيا من العنف. ليقتحم السوفيت الحدود.

أستونيا حافظت على هويتها من خلال التوعية المنزلية والحديث عن الثقافة والغناء وسرد القصص التاريخية، كل هذه الأفعال ثورية النهج مثلها مثل حمل السلاح

حينها اجتمع البرلمان وناقش قرار الانفصال وتم إذاعته قبل وصول القوات السوفيتية للعاصمة وفتحوا قنوات البث لنشره ثم قاموا بوضع حواجز إسمنتية لتحيط بالبرلمان وقام المدنيين بغلق كل الطرق المؤدية للبرلمان بسياراتهم وتركها فارغة لسد الشوارع وتشكيل حواجز بشرية حول مبنى الإذاعة، لم ينجح السوفيت باقتحام البرلمان، بل اتجهوا إلى مبني الإذاعة واقترب الناس من الدبابات وتبادلوا الحديث مع الجنود وقادة المدرعات وقادة الفرق وكانت هذه وسيلة للحد من التوتر بين الطرفين الأمر الذي أجبر الجيش على الوقوف وإرسال استغاثة لموسكو. كان هذا الطلب فقط رغبة من القادة الميدانيين للتخلي عن مسؤولية أي مجزرة قد تحدث، ولإعطاء الجنود والناس وقتا أطول للتفاوض لإيجاد حل أخر يرضي الطرفين.

مرت ساعات طويلة، ولم يأتي أي أمر عسكري باستمرار الاقتحام بل طلبت القيادة الجيش بالتخلي عن مواقعهم في جميع أنحاء البلاد والعودة لموسكو سريعا للسيطرة علي الوضع الأمني المتأزم هناك. فور بدأ الجنود الرجوع عن ساحة مبني الإذاعة، أكدت استونيا استقلالها التام عن الاتحاد السوفيتي ورحيل الجنود واعترف العالم بالحكومة والبرلمان والعلم الرسمي للبلاد. واجهت استونيا السوفيت لحوالي خمسين عاماَ وتجاوزت تجربة غير ناجحة في تسليح الثورة معتمدةً على العمل السلمي في التصدي لسياسات التغير الديمغرافي للسكان، وطمس هوية المواطن الأستوني من خلال محاولات فرض مناهج تعليمية معينه وغرس روح المواطنة السوفيتية في المواطنين هناك.

واليوم، أوكرانيا أو بلاروسيا وغيرهم من الجمهوريات السوفيتية المستقلة في العصر الحالي تعتمد اللغة الروسية كلغة ثانية ويسكنها مواطنين موالين لروسيا دائما، يتدخلون في السياسة ويشتتون أي محاولة للاستقلال عنها اقتصادياً أو سياسياُ أو عسكرياً، لكن أستونيا حافظت على هويتها من خلال التوعية المنزلية والحديث عن الثقافة والغناء وسرد القصص التاريخية، كل هذه الأفعال ثورية النهج مثلها مثل حمل السلاح.

 

نشر الوعي هو ثورة، الغناء وإنتاج أعمال فنية ثورة، نشر النكات للسخرية من الحكومة ثورة، كلها أعمال ثورية فعالة جداً. فكل المستعمرين أو الحكومات القمعية ينتهي بها المطاف في إصدار أمر للجنود أو العساكر لتنفيذها وعندما تبدأ هذه الفئة من المجتمع بالتفكير في هذه الأوامر قبل التنفيذ ستنتهي المحنة وتسقط السلطة تدريجيا، أستونيا نجحت في ثورتها خلال ثلاثين عاما فقط وهذه فترة ليست بالكبيرة في عمر الدول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.