شعار قسم مدونات

رسالة إلى 2019 قبل وصولها!

blogs 2019

أعلم جيدًا أنك ستقرئين رسالتي غير آبهة بكل التّفاصيل التي سأقحمها هنا، لا لأنك غير مهتمة بما كتبته لك بل لأنك مندفعة ومتحمّسة جدًا الآن، على كلّ حال أنا لا ألومك أبدًا فقد كنت كذلك يومًا ما عندما كنت مكانك قبل عامٍ من الآن، كنت منتشية بمنظر الناس وهم ينتظرونني بمختلف الطرق، فقد رأيت نفسي في بيوتهم وفي أسواقهم، رأيت استقبالًا حافلًا في كلّ مكان وها هي الأيام تعيد نفسها ويتجهز الناس لتوديعي واستقبالك، أرجوك اقرئي حروفي جيدًا قبل أن تصلي إليهم اقرئيها بتمهل واحفظي ما فيها فربّما تكونين لحظة لا تنسى من شدّة جمالها في قلب أحدهم وهذا يكفيك لتكوني راضية عن أدائك قبل رحيلك العام القادم.

أدرك جيدًا أنك فرحة بمنظر النّاس وهم يجهزون الزينة لاستقبالك، فأنت الآن شعلة أمل للكثيرين، وأنت الباب الذي فتح لهم بعد طول انتظار. فالبعض ينتظرك لتخلصيه ممّا علّقته أنا بروحه من ألم وغمّ وجراح فقد كنتُ مع الأسف قاسية على بعضهم -كما ستكونين أنت غير قاصدة قاسية على بعضهم أيضًا-، هؤلاء يرون فيك البداية الجديدة والفرصة الوحيدة كي يجابهوا الحياة من جديد.

لو تعلمين كم أشعر الآن أنّني مرتبطة بذكريات سيئة عندهم، ففي أيامي، قُطّع البشر بالمناشير وفي إحدى أيامي أيضًا غرق مجموعة من الأطفال في الأردن في رحلة مدرسية، في إحدى لحظاتي العابرة مات آلاف الأطفال في اليمن جوعًا وحربًا، في أيامي يا صديقتي القادمة فُتحت الحدود السوريّة والمجرم لا يزال متربّعًا على العرش، لم أستطع أن أكون العام الذي توقّفت به الحروب، لم أنجح في أن أكون نهاية الخيبات في سوريا والعراق وفلسطين واليمن، لم أنجح في أن أُنهي تلك اللعبة السياسيّة القذرة التي يروح ضحاياها الضعفاء ويجمع غنائمها المتسلطون والطغاة، لذا أرجوك حاولي أن تصلي إلى ما فشلت أنا في تحقيقه.

أريد منك أن تعلمي أنّك مختلفة في عيون النّاس، فأنت ستكونين صرخة طفل تنفسّ لأول مرّة بالنسبة لأم، وأنت تهجئة حروف بالنسبة لفتاة سيكون يومها الأول في المدرسة واحدًا من أيّامك

ستمكثين بين الناس اثني عشر شهرًا، أي ما يقارب ثلاث مئة وستين يومًا أي ما يقارب أيضًا ثمانية آلاف وستمئة وأربعين ساعة.. وملايين اللحظات، نسيت أن أخبرك أن البشر يقيسون أعمارهم باللحظات لا بالأيام، لذلك حاولي أن تهبيهم لحظات جميلة تليق بانتظارهم. سيشعر البعض أنّ أيامك لم تكن سوى لحظات سريعة خفيفة مبهجة أغرقتهم فرحًا وجمالا، أما البعض الآخر فستكون أيامك ثقيلة جدًا عليهم فيمّر اليوم عن ألف يوم ،على الرغم من ذلك أرجو منك أن تحاولي أن تكوني خفيفة عليهم، أن تغرقيهم بالبهجة والسلام والحب، فقد تعبوا الانتظار .

أعلم جيدًا أنّ الكثير قد كتب لك غيري، أدرك أيضًا أنّ رسالتي هذه قد تكون المئة بعد المليون التي وصلتك، متيقنة جدًا أنّ الكمّ الهائل من الأمنيات التي حوتها كلّ تلك المكاتيب التي كُتِبَتْ وحتى التي لم تُكْتب بعد قد يكون مثقلًا عليك، ففي نهاية الأمر لستِ سوى سنة جديدة ستضاف إلى هذا العالم قبل أن ينتهي، لكن اعذري البشر فهم دومًا هكذا، يؤمنون في البدايات كثيرًا بطريقة طفولية في كثير من الأحيان، يقيمون احتفالات كبيرة كلّ عام يشهدون أنفسهم على خططهم التي يتمنوّن تحقيقها ويرسمون أحلامهم أمام بعضهم البعض علّها تصير حقيقة.

أريد منك أن تعلمي أنّك مختلفة في عيون النّاس، فأنت ستكونين صرخة طفل تنفسّ لأول مرّة بالنسبة لأم، وأنت تهجئة حروف بالنسبة لفتاة سيكون يومها الأول في المدرسة واحدًا من أيّامك، وأنت دفء حضن لشتيتين تجمعا بعد أن ظنّا أن القدر قد حال بين لقائهما، وأنت دمعة مريض أخبره الطبيب أنّه قد تشافى كليًّا من مرضه بعد عناء طويل، وأنت النبضة الأولى لحبٍّ وليد سيرى النور في إحدى لحظاتك العابرة فجأة وبدون سابق إنذار، أنت وجبة طعام يقدّمها أب فقير لأبنائه الجياع، أنت لحظة سكون وهدوء لمدينة ضجّت بأصوات الصواريخ والمدافع، أنت دمعة أمّ لحظة رؤيتها لفلذة كبدها وهو يرتدي ثوب تخرجه، أنت لحظة انتصار للاعب سيفوز فريقه في كأس العالم، أنت فستان أبيض لفتاة ظنت أن القطار قد فاتها وعبر، أنت أيضًا ستكونين لحظة توبة لمذنب غرق في ذنبه حتى أذنيه حتى ظنّ أن التوبة مستحيلة.. أنت دموع لقاء، وضحكات أطفال، أنت حب وسلام وأمان وراحة للكثيرين لذلك أرجوك مرة أخرى أن لا تخذليهم، أو على الأقل حاولي.

المرسل: ٢٠١٨

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.