شعار قسم مدونات

ثقافة بلا حدود.. هل تحتاج الثقافة فعلا كي تصبح مثقفاً؟!

blogs مكتبة

شلالاتٌ في شريانات تملأ القلب ثم تعود إليه، ثم ترسلها هذه القبضة التي هي بحجم اليد إلى بقية أجزاء الجسم، تحملُ الأكسجين والغذاء في الشريان لتغذيته، وتصدر النفايات عبر الأوردة إلى الأمعاء، لتتم معالجتها ومن ثم إخراجها عبر مسالكها إلى خارجِ الجسم، عمليةٌ معقدةٌ جداً، هذا شرحٌ بسيط لها. أما المثقفُ ثقافة واسعة وعالِمة فله شأنٌ آخر، أولا: إن المثقف لا يكون كذلك عبرَ مطالعتِهِ لكتابٍ أو كتابيْن، هو قارئٌ متمرس ومطالعٌ عنيد، وهنالك أشكالٌ متعددة للتثقيف، منها الكتبُ والمجلاتُ المتخصصة، ومقالات الشبكات الإلكترونية التي أصبحت في متناول الجميع، وكذلك الأمرُ بالنسبة للمدونات، ووثائقياتِ اليوتيوب، والصحفِ الالكترونية، وغيرها الكثيرُ من الإنتاجِ المعرفي الورقي والإلكتروني.

ثانيا: فإن هذا الغذاء هو غذاءُ الجسمِ والبدنِ والعقلِ والروح، وبعد أن كان حكراً مثاليا، أصبح متناولاً طبيعيا، عابراً للقارات متجاوزاً للحدود، مفهوماً لدى الفئة المتعلمة تعليماً قوياً، هنا تبرزُ النخبُ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، وتمشي في المجتمع، كما يسري الدمُ في العروق، فالثقافة أولا سلوك، وثانيا فهمٌ وتطبيق، وثالثا أسلوبُ حياة، تنحدر من جبل وتصبُ في سهل وتصيب واديا فتنبتُ الزهر.

أما كيف تسري في الجسم، وتختلطُ بالدم، فمن خلال الفؤادِ الذي يرسلها كي يستفيد منها الإنسان، كغذاءٍ للقلبِ والعقلِ والروح، ومما لا شك فيه أن الإنسان بحاجة الى الفكر كما يحتاج الى الهواء والماء، أما كيف يستخدمها الإنسان، فهذا موضوعٌ آخر، لكن لا بد من وضع كثيرٍ من النقاط على كثيرٍ من الحروف في هذا الشأن، كي نتساءل معاً عزيزي القارئ، كيف تستخدم؟ هنا يكمنُ الاختيارُ بين البديلات، افعل أو لا تفعل.

المثقفَ العضوي في أي مكان كان، يترك بصمته التي لا تمحى، واسمه اللامعَ في جميع ميادين الحياة، لذا فإن المسألة ليست مجرد عمليةٍ متراكمة فحسب، بل هي أسلوب حياة مميز وطريقة تفاعل وتعامل

تحتاج إلى بذل الجهد، والعلمُ لا ينال براحة الأبدان، عندما تصبحُ مثقفاً حقيقياً تصبحُ عَلَما متألقاً، وعالماً فذا، وأديباً متمرساً إذا كانت لديك الهواية الأخيرة، لكن! ولا بد من طرح تساؤلات هنا: هل تحتاج الثقافة فعلا كي تصبحَ مثقفاً؟ أم تحتاجها كي تصبحَ عضواً فاعلاً في مجتمعك، عنصراً مؤثراً في محيطك، تترك بصمتك التي لا تنسى في كل واد وسهل وجبل تنزل او تحط فيه. عندئذ تكون من الفئة التي يشار اليها بالبنان، ويحسب لها ألف حساب، وكلمتها تسير في الأرض، مثل النهر الذي يصب في بحور العالم وقاراته السبع.

ولا بد من الإشارة إلى قضيةٍ جوهرية في هذا المضمار، وهي الفرقُ بين المثقف العادي والمثقف العضوي، ونقصد بالأخير الإنسان الذي يجعل من ثقافته نوراً يسير به في الدروب، ويستخدمُ علمه في مكان عمله، أيا كان، وفي أي وقت يكون فيه، تماما مثل الزيت الذي يسرج به في القناديل، هو مضيئٌ مثل القمر الذي بدوره ينير الكون، وكما أنك لست بحاجة إلى إضاءة الكون ولكنك تستفيد من نوره، كذلك الأمر بالنسبة للمثقف العضوي، الذي إن كان طالبا فهو يستثمرُ الإذاعة المدرسية، وإن كان طالبا جامعيا كان نشيطا داخل إطار الجامعة، وكذلك الأمر إن كان مدرسا.

هذا أكاديميا، أما في الحياة العملية، فإن المثقفَ العضوي في أي مكان كان، يترك بصمته التي لا تمحى، واسمه اللامعَ في جميع ميادين الحياة، لذا فإن المسألة ليست مجرد عمليةٍ متراكمة فحسب، بل هي أسلوب حياة مميز وطريقة تفاعل وتعامل، وقضية مجتمع مزدهر، وهذا يقودنا إلى مسألة أخرى، وهي مسألة المثقف النخبوي، علينا في البداية التمييز بين الغثِ والسمين، المتميز والمتسلق، ومن كان بهذا الأمر خبيراً، فهو ناقد متمرس، ومثقف بارز.

عزيزي القارئ، إن النخبة إذا اجتمعت شكلت قوة جبارة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو الهدفُ الذي يجمع النخبة المثقفة، ولكي تجتمع تحتاج إلى وضع خطة للوصول إلى العديد من الأهداف أو تحقيق كثير من الإنجازات، في الحقل والمجال التي تنتهجه النخبة المثقفة سبيلا، وإن الطبيعة البشرية تقتضي التجمع والتكتل سواء ضمن إطاراتٍ سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وثقافية وعلمية مضافة إلى الحقول الثلاثة الأولى. وهذا يدلل على أن الاجتماع والالتقاء الفكري يشكل قوة جبارة وهائلة، لكن السؤال الأهم: لماذا يجتمع المثقفون؟ وهل هناك تكامل؟ وما هو الهدف؟ وما هي خطة العمل؟ وإلى أين يمكن الوصول؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.