شعار قسم مدونات

قراءة في رواية "عندما التقيت عمر"

مدونات - رواية عندما التقيت عمر

منذ ثماني سنوات تقريباً والعالم العربي يشهد أزمة شعارها حق الإنسان في تقرير المصير والحرية، في كل مرة كانت تُزهق أرواح تأتي المرة التي تليها الصورة أبشع وطريقة قتل تقشعر لها الأبدان. في تونس البوعزيزي الذي قضى حارقاً نفسه لأنه يريد أن يسد رمق جوعه؟ أما في ليبيا لقد قضوا في أقبية التحقيق السرية. اليمن حق تقرير المصير أُلغيَ وعانى الشعب من المجاعة.

إن تحدثنا عن مصر نتحدث عن الشعب الذي أُزهقت أرواحه في الميادين وفي داخل سيارات الترحيلات، وتم سجن الحرية داخل قفص زجاجي وحكم عليها بالإعدام. أما في سوريا فإن أبناء شعبها قضوا بأنواع شتى من صنوف الموت، كانت كأنها صنوف الموت التي تحب أن تقضي بأحدها بالبراميل المتفجرة بالتعذيب التجويع وبالكيماوي.

وسط كل هذا التخبط تعيش القضية الفلسطينية الحالة الأسوأ، والكثير من محاولات نزع حق العودة وتدجين الشعب من أجل القبول بالعيش لجانب المحتل. الكثير من الأصوات التي تم إسكاتها من أجل أن نغض الطرف عما يُحاك لهذه القضية. والمفارقة أنه تم الإعداد لصفقة قرن عنوانها المال لا غير، ومن أجل ذلك قامت الدولة السعودية بدس السم لهذه القضية. بل وغيرت على الصعيد الداخلي والخارجي، في الداخل اعتقلت كل الأصوات المعارضة لهذه السياسات، وأبقت على من يؤيدها من الإعلاميين والسماسرة المطبعيين. على الصعيد الخارجي كانت الكلمة الفصل وظهرت صورة الموت الحديثة على يد من حارب ومازال يحارب كل من يريد أن يحيى كريماً على هذه الأرض.

جهاز يقتل أحلامنا قبل أن تولد، يقتل تطورنا قبل أن يبنى بل يقتل فينا الارتقاء لأنه يعتقل حتى الطلاب وبذلك يدمر كادرنا التعليمي المنتظر.

جاء القتل هذه المرة لخاشقجي، الذي رفض مراراً تسمية نفسه بالمُعارض، وكانت نهايته في عُقر داره. وكيف لنا أن نتخيل هذه النهاية ضرباً وتخديراً ومن ثم القتل ونشر العظم وتفريق قطع الجثة وإذابتها بالأسيد، كل ذلك لأنه نادى بالإصلاح السياسي. لقد كنا نتغنى نحن العرب بأمجادنا على مر التاريخ، حتى جاء من يطمس كل تلك الأمجاد. ولكن عندما شاهدت بعضاً من فيديوهات المقابلات التي أُجريت مع خاشقجي، وجدته صارماً لا ينقسم رأيه لاثنين خاصة في موضوع القدس حتى قال: "لا شرعية للملك طالما لم تكن القدس ضمن سلم أولوياته" يجب التركيز على هذا الجانب حيث أن كل من يدافع عن هذه القضية الأساس، يَلقى حتفه هذا هو الشيء الأكيد.

لن أعود لطحن الكلام الذي ضجرت آذاننا من سماعه بهذا الخصوص، ولكن ولأجل الصدفة كنت أقرأ في رواية "عندما التقيت عمر بن الخطاب" للكاتب أدهم الشرقاوي، ومررت بالكثير من القصص والتي من أهمها العدل في إدارة الحُكم والقضاء. حيث كان الراوي يطرح السؤال وأميرنا يجيبه، وأنا أرى أن جُل هذه الأمور التي قام بالاستفسار عنها هي ذاتها التي حارب وضحى من أجلها جمال خاشقجي والتي أذكر جانبين منا على النحو التالي:

1- في موضوع مراقبة الرعية والولاة في الولايات التي قام بتقسيمها يقول أمير المؤمنين: "كان لي جهاز سريّ مرتبط بي مباشرة لمراقبة أحوال الولاة والرعية". لقد كان هدف أمير المؤمنين حفظ مصلحة الرعية من هذا الجهاز حيث رمى إلى مراقبة الولاة حتى لا يستعبدوهم وحتى يعطي كل فرد حقه. يرد كاتبنا وكأنه يتحدث بلسان وتفكير الشعوب الحرة: يبدو هذا أشبه بما نسميه في زماننا هذا جهاز المخابرات! المأساة الحقيقية اليوم هو أن هذا الجهاز أصبح اسمه "المخابرات" ومهمته الأولى هي مراقبة الرعية حتى لا تطلب أو تفكر بالحرية. جهاز مخابرات من أجل أن يبقى أصحاب السادة في داخل قصورهم في حين يبقى الشعب في أدنى مستويات الحياة. جهاز يقتل أحلامنا قبل أن تولد، يقتل تطورنا قبل أن يبنى بل يقتل فينا الارتقاء لأنه يعتقل حتى الطلاب وبذلك يدمر كادرنا التعليمي المنتظر.

كيف لو يعلم أمير المؤمنين أن المحتل أصبح صاحب دولة ونتقاسم معه الجغرافيا، يجب أن نقبل بتحريم الجهاد بحجة الإرهاب. لقد قتلوا وسحلوا من أراد أن ينتصر للمسرى، وقسموا إيليا التي فتحت وأعطيت أهلها أماناً إلى شرقية وغربية وأصبحت عاصمة لدولتين؟ هذه المدينة والتي رفضت الصلاة في إحدى كنائسها، حتى لا تُحسب أنها من أملاك المسلمين مستقبلاً. أما عن بلاد الحرمين فحدث ولا حرج، لقد غزاها الانفتاح المدمر والذي يُهلك تفكير العنصر الشبابي، فيها أغرقوها بالمال والطعام حتى أنه لا يوجد فيهم من يحمل هم الأمة، وإن وجد زُجَّ به في السجن!

نعم ففي زماني من يلقى حتفه، لا جثة له.. يتم إذابة كامل الجسد بعد أن يتم نشرها بالمناشير، هذا يا أمير الأمة أحد أصناف الحقد الدفين من أشخاص لا يردون أن يعكر صفو عروشهم أي شيء
نعم ففي زماني من يلقى حتفه، لا جثة له.. يتم إذابة كامل الجسد بعد أن يتم نشرها بالمناشير، هذا يا أمير الأمة أحد أصناف الحقد الدفين من أشخاص لا يردون أن يعكر صفو عروشهم أي شيء

أما عن علاقة خاشقجي بذلك، أنه لم يَطيق الحياة في داخل ولايته السعودية بسبب العيون الكثيرة من ذلك الجهاز المخابراتي، والذي يُراقب الحروف إن كانت ستشكل كلمة "الحرية". لقد ضاقت عليه الدار فاختار الرحيل للغرب الذي يُتاجر ويُحارب من أجل تخفيض سعر البترول لأدنى مستوى ممكن. وفقاً لكل هذه التصورات فإن العنصر المخابراتي ينتقل من مكان لآخر حتى لو وصل الأمر به السفر لدولة أخرى من أجل إحباط كافة ما يدور في العقل.

2- جانب القضاء، وهنا يسأل الراوي عن القضاء فيجيبه أميرنا إني كنت أراقب القُضاة كما الولاة. إن أمير المؤمنين قال أن القضاء فريضة محكمة وسنة مؤكدة، كيف له أن يستوعب تقلب الأمور فأصبح القضاء فريسه تنهش كل شخص يدخله. كيف لأميرنا العادل أن يعلم أن جريمة القتل التي حصلت على مرأى ومسمع الجميع، القضاء يجيرها لصالح الأغلبية التي لها القوة المالية، يتم التفاوض على الدماء يتم التحليل والتقليب في النصوص، حتى تأتي على مقاس وعقل الأغلبية الأجنبية.

لقد سرحت بذاكراتي وشكلت خيالاً لا أعلم هل هو خيال الحسرة أم خيال الحرج من الحال الذي وصلنا إليه، لقد أصبح القضاء يحكم للقاتل ويدين المقتول. إننا في زمان القضاء الذي يحكم على من وافته المنية ويدعى لضبطه واحضاره. إن القضاء في أيامنا هذه ما هو إلا صورة من هولكوست. إن المحكمة عند انعقادها كأن الذي يترأس الجلسة ما هو إلا جزار أصابته عدوى القتل، كلما كان أجر ما يتقاضاه أعلى، جيّر كل الحكم من أجل إعدام كل الحق. إننا نمتلك قضاء وقف أمامه رؤساء شيوخ وعلماء من أجل محاسبتهم لأنهم أرادو الارتقاء بأمتهم، إننا نعيش وكأن المس أصاب حالنا.

ولن أنسى قضية جمال خاشقجي في قضاءنا، تدفع دية من قتل عن سبق وإصرار وكأنه لقيَ حتفه في شجار عائلي! من بعد سفري في داخل هذه الرواية وددت أني لم أخلق في عصري، عصر التطور وظهور الحقيقة بصورة أكبر وعلى الرغم من ذلك يتم طمسها، كيف؟ بالأسيد؟ نعم ففي زماني من يلقى حتفه، لا جثه له يتم إذابة كامل الجسد بعد أن تم نشرها بالمناشير. هذا يا أمير الأمة أحد أصناف الحقد الدفين من أشخاص لا يردون أن يعكر صفو عروشهم أي شيء.

إن الجمال في زمان أمير المؤمنين يتمثل في عدله، كان عادلاً لا يرضى الظلم حتى لو حاسب أهل بيته. كان رضي الله عنه لا يرضى أن تشوب هذا الدين أي شائبة أثناء حكمه. إن زماننا ما هو إلا زمان يعتريه كل السواد يتخلله شيء لا يذكر من البياض، لأننا روجنا للظلم وكفة ميزان العدل تم كسرها من شدة ميلانها. القوي يشطب حق الضعيف من الحياة كلها، وسدة الحكم أمر يجب عدم المساس به، فهي أماكن أُوجدت من أجل خدمة من يحكموننا فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.