شعار قسم مدونات

حين يتحول الوطن إلى جحيم!

blogs - مظاهرات

نحن في وطن، نريد زرع أمل في نفوس جفت من ماء الحياة، في عنق زجاجة انتظرنا لعقود حقنة أكسجين تحيل صحراءنا واحة، تُعيد لنا المقهى وتعيد لنا الرفاق، وتعيد لنا نسائم الكرامة الإنسانية وتقدس حرية الفرد والمجتمع. وتنفي، بالعمل، نظرتنا الميؤوسة للسياسة الرعناء التي ينهجها المقيمون على شؤون البلاد.. وتفند، بالعمل، الخطابات المنمقة والقرارات الأحادية الجانب والاستراتيجيات الفاشلة، في كل الميادين، قبل بلورتها.. والقطع مع سياسة بيع الوهم وافتعال، عند كل ضغط مجتمعي.. قضايا مخزية وتضخيمها بوسائل إعدام تدعي الوطنية، وإشغال الرأي العام بها، ثم اقتراح حلول ترقيعية لتمديد الأزمة وتكريس العبودية والاستبداد لفترة أخرى.

الوطن هوية وانتماء، الوطن حرية وكرامة إنسانية، الوطن موطن الثقافة والتقاليد والأعراف، الوطن دستور الحقوق والواجبات، الوطن منتهى العدل والعدالة في كل الموجودات، الوطن أنا وأنت والآخر.. وإننا في هذا الوطن، نفعل ما يفعل السجناء والعاطلون عن العمل نربي الأمل، ولسان الحال يقول لا تكبر.. لا تكبر فما عاد لنا وطن يستحق الفخر والحياة.. لقد أصبح ما نسميه الوطن مزرعة حيوان ومنبت الفاشيين، حظيرة تحكمها قطعان الضباع وتفرض قيود الطاعة والعبودية، وتفتح أبواب سجونها لمن تمرد عن الطاعة والقطيع، وتُكَمم أفواها بحت صدحاً للحق وضد كل أشكال الفساد والاستبداد..

لقد علمونا نشيد الأحرار ونحن صغاراً وحفظناه عن ظهر قلب لنكبر، ويا ليتنا لم نكبر، ونكتشف أن كلمات النشيد الوطني تَحكي قصة البؤساء والمنبوذون في ضفة بحر يعانون الويلات والإقصاء الممنهج والتشريد والإبادة العرقية. وفي الضفة الأخرى يتربع قوادوا دوغول على كراسي الريادة وموطن الإبادة وحق العبادة. لقد كرسوا فعلاً سياسة الانتهازية وأصبحوا لعقود من الزمن، ينهبون وينهبون وينهبون. لقد صار الوطن ثروة لهم وخيرات الوطن لهم وقطيع الوطن لهم وما زالوا ينهبون وينهبون وينهبون..

في رحاب جهنم، الوطنية جريمة أكثر وقعاً في نفوس الضحايا. أما المجرمون فيرتكبون جريمة تلو أخرى في حق هذا الوطن المغتصب، ولا حديث عن محاكمتهم، فكيف نحاكمهم وهم الخصم والحكم.

الوطن صيرته السياسات الجوفاء الزائفة وتكالب الداخل والخارج ومصاصو دماء الأبرياء، صيرته إلى قطعة جحيم تنذر ويلاً وسعيراً، وتحرق شرايين الأحرار والغيورين على هذا الوطن. إن صحت كلمة وطن، وتقتل فيهم كل خيط وصل بأمل العيش وألم الفراق وما أصعب الفراق وما أحقر خيبة وطن.. كانت لسنوات طويلة تنتهك، في حق الوطن المكلوم والشعب الملغوم، جرائم ناعمة تحت مسميات عديدة وبأدوات فريدة، مرة باسم الوطنية وأخرى باسم الدين وثالثة باسم التخوين، ورابعة باسم خدمة أجندات أجنبية وخامسة وسادسة..

ظلت شريعة هضم الحقوق وكسر العظام وزهق الأرواح الشريعة السائدة والدستور الحق، بين كل الدساتير الكونية لحقوق الإنسان وكرامة البشر، الذي تحت رايته تجري كوابيس الظلم والقهر والطغيان وشرعنه الفساد والاستبداد مع تراكمه انهارت القيم من رأس الهرم إلى أسفله. فتغير بذلك جوهر الوطن جذرياً – في مخيلاتنا ووعينا الجمعي – وأصبح تاريخاً منسياً في رفوف الذكرى كتاريخ العرب قبل قرون مضت. نبكي عليه أسفاً ولا نحرك الساكن نصرة لبنائه والفخر به، فرغم كل هذه الثورة التكنولوجية التي غيرت نسبياً من مستوى وعي الفرد والمجتمع وكل موجات الغضب القطاعي التي عرفت أوجهاً في العقد الأول من القرن الحالي، ما لبثت أن تشهد انتكاسات مخزية وتراجعات أكثر خطراً من ذي قبل.

ورغم هذا الكم الهائل من طرق ووسائل التوعية الثقافية والمعرفية، إلا أن الدولة بشقيها السياسي والبنيوي أصبحت تنتهج وسيلتين اثنتين مفضوحتين، الأذان الصماء نحو كل الحركات التحررية والتظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير الجدري في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتأبى ألا أن تدع الأيام لتجيب عن كل الأزمات الخانقة التي يحيياها الوطن الجامع، وكأن حال لسانها يقول الانفجار المدمر قادم والأزمة الخانقة قادمة لا محالة. فتخلق أعذاراً وقضايا لا لشيء سوى لتمديدها. كما تنهج سياسة خطيرة تعتمد بالأساس على الجرائم المتوحشة في حق أبناء وبنات هذا الوطن الجريح، فما عاد لديها مانع في القتل والخطف والاغتصاب والاعتقال ولخير دليل توزيع قرون من السجن بالمجان لكل من قال لا في وجه الطغيان وتمرد على الزنازين والسجان.

فوسيلة الجريمة المنظمة والمشرعنة تهدف، في وعي مؤلفيها وأدواتهم، إلى إعطاء العبر لكل من ساورته نفسه عن الصياح بالحق والعدل وزرع الخوف والرعب في نفوس الشعب ضاربة عرض الحائط كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وكرامته. أما من خولت لهم مسؤولية الدفاع عن حق الإنسان العربي عامة والمغربي على وجه الخصوص فيأكلون من الغلة ويلعنون الملة فهم في واد والشعب في واد.. لقد أصبح ما نسميه الوطن، بحق، قطعة من جحيم لا يطاق، ولنقف ثانية عند المرضى في المستشفيات العمومية، لنرى أبشع الجرائم التي تنتهك في حق هذا الشعب في غياب تام لضمير الإنسان وقيم الإنسانية، لنغوص قليلاً في خبايا المنظومة التعليمية. ونقف انبهارا أمام أهدافها السرية والعلنية نحو إقبار كل نية حسنة نحو تعليم أفضل يرفع مستوى الوعي والمعرفة ولا ينتج فرداً هجيناً مستهلكاً في خبر كان.

لنبحث قليلاً عن العائلات الحاكمة منذ الاستقلال المزعوم، ونلاحظ مدى ترابطها وقرابتها ولعبة الشطرنج، حتما سنعرف جيداً لماذا تتذيل بلادنا قائمة الدول على جميع المستويات، إلا على مستوى واحد – نقولها بصدق – حيث تحتل المرتبة الأولى عالمياً في النهب والسلب والظلم والطغيان.. في رحاب جهنم، الوطنية جريمة أكثر وقعاً في نفوس الضحايا. أما المجرمون فيرتكبون جريمة تلو أخرى في حق هذا الوطن المغتصب، ولا حديث عن محاكمتهم، فكيف نحاكمهم وهم الخصم والحكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.