شعار قسم مدونات

يوسف وإخوته.. حكاية تعلمنا معاني التعامل الراقي مع إخواننا

blogs أصدقاء

عندما نتكلم عن الأخ والأخت الرّحِم هل ندري بالفعل ما قيمة ذلك؟ أم أن جهلنا وسرعة انفعالنا وخطأ تقييمنا لذلك يدفع العلاقة بيننا إلى التدهور والضياع عند أي منعطف؟ هل كلما كبرنا وكبرت مصالحنا وزاد أولادنا كبرت الفجوة بيننا وبين إخوتنا مع أنه ينبغي علينا عكس ذلك؟ نَنشأ أطفالا في غرفة واحدة، فنلعب في بيت واحد وفِي القرية نفسها.. نذهب إلى المدرسة سَوِيًّا ونرجع سَوِيًّا، نأكل من مائدةٍ واحدة ولربما نمنا في فراشٍ واحد أيام طفولتنا..

نكبر وتكبر الأحلام والمسؤوليات والطموحات، نُنهي المدرسة ومن ثم الجامعة وبعدها تأتي الوظيفة، ثم نتزوج وننجب.. وفِي كل مرحلة نزداد بُعدًا عن بَعضنا البعض ليزداد شعورنا مع الأيام أننا نفقد شيئًا جميلاً.. ما كان أيام الطفولة يبقى حاضرًا في الذاكرة بقوة، محفورًا في القلب بكل تفاصيله الجميلة.. والأخوة لها من ذلك نصيب.

رحم الله نفساً صفحت أخطاء الآخرين بحقها حُباً للعفو وحفظا للمودة والعلاقات الجميلة، وتسامت عن حظوظ النفس وزينة الشيطان فارتقت في مدارج السمو والنبل.

لقد ضرب يوسف – عليه السلام – أروع الأمثلة في التعامل مع الأخوة الذين جفوه وعادوه، فهو الذي لقي من أخوته بكثرتهم في مقابله هو وحده وعمرهم في مقابل عمره ما لقي من العداوة والكيد والظلم، فكانوا سببًا في غربته عن الأهل والوطن وشقائه في طفولته البريئة وشبابه. وبعد تطاول السنون وتعاقبها جاءت الفرصة سانحةً بين يديه وهو متمكنٌ في منصبه الكبير على خزائن مصر، أن يأخذ حقه من إخوته الذين أصبحوا في تعبٍ من أمرهم وضنكٍ من العيش، لم يكن يوسف – عليه السلام – ذلك الانتهازي والانتقامي ليقابل السيئة بالسيئة، رغم كل ما حدث ورغم كل ما أسلف من تعبٍ وعسر. لكن كان مثالاً رائعًا راقيًا خلده القرآن الكريم وضرب فيه أحسن القصص ليكون قدوة ودرسًا لمن بعده.

رحم الله إنسانًا كتم كلمة سيئة – مقصودة أو غير مقصودة – لأخيه أو أخته أو أسلوباً لم يكن في محله وتغاضى عنه ولَم يبدِه له أو لها.. فكم من كلماتٍ ومجادلات ونقاشات ساخنة كانت سببًا في الهجر والجفاء بين الأخوة.. رغم كل ما حدث ما كانت لتفلت كلمةٌ سيئة من يوسف الكريم تنزل من مستوى نفسه الراقية "قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ" (سورة يوسف – الآية 89) جاهلون.. لم يقل ظالمون – مع أنهم ظلموا – ولا فاسدون ولا مجرمون، بل هي كلمة اختارها بعناية كي يحافظ على حبل الود بينهم في خضم الصراحة المُرة التي تكشف ما طوته السنون وربما طواه نسيانهم ولكن لم تُطوِه ذاكرته..!

ورحم الله نفساً صفحت أخطاء الآخرين بحقها حُباً للعفو وحفظا للمودة والعلاقات الجميلة، وتسامت عن حظوظ النفس وزينة الشيطان فارتقت في مدارج السمو والنبل. وهذا ما كان عليه هذا النبي الكريم فعقب تذكيرهم بجرمهم يقص الله عفوه وصفحه عنهم: "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (سورة يوسف – الآية 92). قمة في العفو والصفح وطيٌ لصفحة الماضي – بعدما تكشّف الحق – ليبدأ بعدها صفحة جديدة، يغفر الله ذنوبا مضت برحمته..

فهل نعي نحن هذا الدرس ونتغاضى عن هفوات بَعضنا البعض لأجل الود الذي يجمعنا والتي لا تصل في أغلب الأحيان لشيء مما حدث ليوسف – عليه السلام- مع إخوته؟ أم أننا سنفتح باباً للشيطان حتى لأتفه المواقف يستغلها كي يوقع بيننا؟! كما لو أنها تبرئة لهم – مع أنهم مخطئون – وإلقاء كامل اللوم والخطأ على الشيطان الرجيم، وهي إشارة من يوسف – عليه السلام – فوق ذلك لما يتربص بالإنسان من كيدٍ من عدوه الشيطان وأهمية الحذر منه وسدّ كل نافذة لذلك.. علينا أن نستلهم من هذه الحكاية معاني التعامل الراقي والحكيم مع إخواننا في شتى المواقف ومع كل من نتعامل معه، هكذا تُبنى البيوت السعيدة والمجتمعات الناجحة التي تتخلص من كل ما يسبب جراحا لعلاقاتها الاجتماعية وتتفرغ بعدها لمعالي الأمور وتحقيق طموحاتها وإبداعاتها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.