شعار قسم مدونات

التلفزيون ودور الأزياء.. يفضحان انحيازنا للمُتنمِّرين!

blogs التسوق

(ظاهرة "التنمر" في المدارس.. خطورتها وضرورة مواجهتها، "التنمّر يقتُل أحيانًا".. حكايات "السخرية" بين انتحار إيمان وبُكاء بسملة، مأساة جديدة بالإسكندرية.. انتحار طالبة بسبب التنمر) جميعها عناوين تُطالعنا بها الصحف والمواقع الإلكترونية وتدور غالبيتها في فلك التنمر المدرسي الأمر الذي يوحي وللوهلةِ الأولى بأن التنمّر يقتصر فقط على الساحة التعليمية وأنّه يُمارس إلزامًا ضدّ الطلاب خصوصًا أو ربما الأطفال بشكلٍ عام، لكن وبنظرة أكثر تعمق نجد أنّنا جميعا شركاء تارةً وضحايا تاراتٍ أُخر لهذا المفهوم الذي بتنا نسمعه كثيرًا في الأعوام القليلة الماضية على الرغم من وجوده على مدار التاريخ.

يقول الخبراء بأنّ التنمّر هو البلطجة أو السلوك العدواني الذي يمارسه الشخص المتنمِّر ضد أشخاص آخرين، حيث أن الشخص المتنمِّر يرى أن لديه السلطة أو القوة التي تمكّنه من الاعتداء أو السيطرة على أشخاص آخرين، ويعتقد أنه أكثر سلطة أو قوة منهم بدنية كانت أو حتى نفسية، وإذا انطلقنا من هذا العنوان نجد أنّ أننا جميعًا نعيش في دائرة التنمر، فمن نشرات الأخبار إلى المسلسلات والأفلام وحتى الإعلانات إلى أحدث صيحات الموضى، جميعها تُمارس علينا أشد أنواع التنمر من خلال محاولتها السيطرة علينا وتغيير قيمنا وزرعُ أخرٍ جديدة.

يذكر التاريخ أنّ الصحابي عمرو بن العاص رضي الله كان أوّل الرافضين للتنمر من خلال ردِّه على دعوة مُسيلمة الكذّاب لدينه الجديد حين قال (والله يا مُسيلمة إنّك تعلم أني أعلم أنّك تكذب)، وهي دعوة صادقة لمواجهة كافة أشكال وأنواع التنمر فرض دعوة مُسيلمة هي أولًا رفضٌ للتنمر في جوهرة المُتسلط، ومن ثم رفضٌ لتلك الدعوة الكاذبة، واليوم يمكن تشبيه دعوة مُسيلمة تلك بما تُطالعنا بعض نشراتُ بعض القنوات التلفزيونية إذ لا ينطق مذيعها بكلمةٍ حقٍ واحدة، إنّما يُحاول "تلميع أو تقبيح" ما تُمليه عليه سياسات تلك القناة وتوجهاتها، وعلى هذا الأساس فإنّ جميع مُتابعي هذه النشرة وقعوا ضحية للتنمر من قِبل تلك القناة، فهذه القناة -وطبق لكلام الخبراء- مارست الاعتداء أو السيطرة على أشخاص آخرين.

 

كثيرةٌ هي حالات التنمر، وإذا كانت تبدأ منذ الطفولة فإنّها لا تنتهي بها، بل باتت تتطور مع المراحل العمرية لتصل في أعلى مستوياتها إلى التنمر السياسي الذي تُمارسه الدول والحكومات بحق شعوبها

وهنا قد يسأل سائل بأنّي لستُ مُجبرًا على متابعة هذه القناة، لكن ماذا بشأنّ من يتابعونها، والجميع يعلم أنّ لكلِّ قناةٍ جمهورها الذي ينقاد وراء آرائه التي تُمثلها تلك المحطات وتخبره بما يحب هو نفسه سماعه، وعلى هذا الأساس؛ فإنها –تلك المحطات- تُمارِس بحق جمهورها أشد أنواع التنمر من خلال السيطرة على أفكاره وتوجيهها لما يخدم سياسات تلك الدولة أو المحطة، وهنا نفتقر جميعنا إلى الرأي الصائب الذي واجه به بن العاص مُسيلمة الكذاب، ورفض التنمر بل حاربه.

وبناءً على ما سبق يمكننا إسقاط ذلك التنمر على المسلسلات والأفلام والإعلانات التجارية، فجميعها تُمارسه عن سبق إصرارٍ وترصد، هدفها الأوحد تغيير آرائنا وانطباعاتنا، ومن أنواع التنمر الأكثر قبحًا على الشاشات هو التنمر الذي تُمارسه ما بات يُعرف "بالكاميرا الخفيّة" من خلال إحضار بعض الناس ووضعهم في مواقف مُحرجة لإخراج الأقبح من داخلهم أمام الملايين بهدف مُعلن هو إضحاكهم وأهدافٍ أخرى خفيّة ليس أقلّها جني الملايين من جيوب المتابعين، وهنا يُشارك الجمهور في التنمر على ضحايا تلك البرامج، فالأولى إمّا مقاضاة تلك المحطات أو بالحد الأدنى العزوف عن مشاهدتها.

أكثر من ذلك؛ عروض الموضة التي تدعمها كبريات دور الأزياء العالمية تمارس التنمّر ولكن بنوعٍ مختلف، وربما أشدُّ ضراوة، فملايين النساء يُمارس بحقهنّ التنمر القبيح من خلال فرض أسلوب ومقاييس للجمال –لا أحد يعلم من وضعها- إنّما المستفيد الأكبر من تلك الأساليب والمقاييس هي دور الأزياء ذاتها، فعلى سبيل المثال باتت المرأة النحيفة هي مقياس الجمال، على الرغم من أنّه وفي فترة من الفترات كان العكس هو الصحيح، الأمر الذي دفع ملايين النسوة إلى تغيير أشكالهم وطرز لباسهن في محاولة للتماشي مع "الموضة" التي لن تنتهي، وكثيرًا ما نسمع عن حالات انتحار وأمراض نفسية لدى بعض النساء ناتجة عن الخوف من عدم مجارة تلك الموضوات التي تتغير يومًأ بعد آخر.

إذاً؛ كثيرةٌ هي حالات التنمر، وإذا كانت تبدأ منذ الطفولة فإنّها لا تنتهي بها، بل باتت تتطور مع المراحل العمرية لتصل في أعلى مستوياتها إلى التنمر السياسي الذي تُمارسه الدول والحكومات بحق شعوبها، وبحق بعضها البعض أيضًا، فالجميع ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر شهد كمًّا كبيرًا من التنمر مارسته أمريكا ليس بحق دولة بعينها إنّما بحق العالم أجمع. الصدمة الأكبر لا تأتي فقط من سلوك الشخص المتنمر أو الدولة المُتنمرة، فهي غالبًا ما تكون نابعة من أمراضٍ اجتماعية، أو شعور بالتفوق والقوة، إنّما تأتي من بقية المتفرجين على سلوك ذلك المُتنمر إن كانوا دولًا أو فردًا، حيث فضّلوا البقاء صامتين حينًا وأحيانًا أخرى انحازوا إلى جانب المُتمر.. ربما اتقاءً لشره، وهذا عذرٌ أقبح من ذنب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.