شعار قسم مدونات

تكنولوجيا إسرائيلية وعضلات مصرية.. هذا ما يحدث في سيناء

blogs - حدود سيناء

في سنة 2014، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس بشكل رسمي عن مبايعة تنظيم الدولة الاسلامية وتمثيلها في ولاية سيناء، وفي 2015، سيطر المسلحون لفترة قصيرة على بلدة الشيخ زويد شمال سيناء، ولم يتراجعوا إلا بعد أن قصفت الطائرات والمروحيات المصرية البلدة، حسبما أفادت وكالات الأنباء الحكومية. وفي نهاية العام نفسه قام المتشددون بإسقاط الطائرة الروسية، مما أسفر عن مقتل جميع الركاب البالغ عددهم 224 شخصًا. ومع ازدياد عمليات الاغتيال والهجمات المتتالية ضد أجهزة أمن الحكومة المصرية والمدنيين، وصل عدد القتلى بالمئات من المدنيين والعسكريين.

أظهرت هذه الحوادث عجز الحكومة المصرية عن وضع حد لهذه الهجمات وتبين عدم قدرتها على القضاء عليها بشكل نهائي، رغم التصريحات المتكررة من الحكومة المصرية عن انطلاق عدة عمليات عسكرية في شمال سيناء لغرض القضاء على المسلحين. إلا أن هذه المنطقة الصحراوية الواسعة المساحة والتي تتخللها الوديان والكهوف، قد أصبحت لعنة جغرافية تقف أمام سعي الحكومة المصرية في بسط الأمن الداخلي وإيقاف التهديدات. استشعرت إسرائيل هذا الخطر الذي يتسع قرب حدودها، وخوفاً من امتداده واتصاله بغزة، بدأت مرحلة جديدة من التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر، حيث مدت إسرائيل يد المساعدة الأمنية للحكومة المصرية وفي المقابل وافقت الحكومة المصرية بشرط أن تبقى سرية وغير علنية.
  

كان المسؤولون الإسرائيليون قلقين في عام 2012 عندما انتخبت مصر، بعد ثورة الربيع العربي، زعيمًا للإخوان المسلمين في الرئاسة.

فحسب تقارير الصحف الأمريكية، سعت كلا الدولتين لإخفاء دور إسرائيل في الغارات الجوية خوفاً من رد فعل شعبي داخل مصر، حيث يواصل المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة المصرية على إظهار إسرائيل كعدو متعهدين بالوفاء للقضية الفلسطينية. في حين أعلنت الحكومة المصرية أن شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، مما يمنع الصحفيين من جمع المعلومات هناك. نَفَذّت إسرائيل أكثر من مئة طلعة جوية عبر طائرات بدون طيار والهليكوبتر والمقاتلات، خافية لشعار دولتها على الطائرات وفق تقارير صرح بها عدة مسؤولين أمريكان وإسرائيليين عن عمليات جوية تشنها إسرائيل داخل مصر للقضاء على التنظيمات الجهادية بموافقة الحكومة المصرية. كما صرحوا بأن هذه الحملة الجوية الإسرائيلية زادت من جعل كفة المواجهات تميل للجيش المصري ضد المسلحين.

يمثل هذا التعاون الأمني مرحلة جديدة من العلاقات بين إسرائيل ومصر، بعد أن كانوا أعداء في ثلاث حروب وخصوم بعد معاهدة كامب ديفيد عام 1978، إلا أن المرحلة الجديدة جعلت منهم حلفاء ضد عدو مشترك. حيث ساعدت الضربات الإسرائيلية في تعزيز عمليات الجيش المصري في سيناء بعد قتال دام لمدة خمس سنوات ضد المسلحين الجهاديين، في حين زادت إسرائيل من أمن حدودها. حيث أشار نتنياهو إلى الاجتماعات الأخيرة مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقادة الأوروبيين والرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "كما أوضحت للرئيس ترامب وبعد ذلك للقادة الأوروبيين والرئيس بوتين، فإن وجودنا هنا هو العنصر الرئيسي في الشرق الأوسط الذي يمنع انتشار الإسلام الراديكالي، الذي تقوده إيران والدولة الإسلامية، والذي يهدد أيضاً جميع العناصر الأخرى في العالم".

هذا التصريح مشابه لتصريحات المسؤولين الإيرانيين في توضيح سبب وجود مستشارين إيرانيين ومسلحين موالين لها على أرض العراق خلال حرب الحكومة العراقية مع تنظيم داعش، بأننا متواجدون للقضاء على تنظيم الدولة الذي يمثل تهديداً للمصالح والأمن القومي الإيراني. لا نستغرب إذاً التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل – سري كان أم علني – من أجل نفس الأهداف، فقد حصل بالعراق تعاون أمنى واضح بين العراق وإيران والولايات المتحدة. فإيران على الأرض والتحالف الغربي في الجو متشاركين في نفس الأهداف ألا وهي محاربة مسلحين تنظيم الدولة، رغم التصريحات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة في شجب أحدهما الآخر وإتهام إيران من قبل الغرب في دعم الإرهاب والتنظيمات المسلحة.

كان المسؤولون الإسرائيليون قلقين في عام 2012 عندما انتخبت مصر، بعد ثورة الربيع العربي، زعيمًا للإخوان المسلمين في الرئاسة. الرئيس الجديد محمد مرسي تعهد باحترام اتفاقيات كامب ديفيد. لكن الإسرائيليين قلقون من القرابة الأيديولوجية للإخوان المسلمين مع حماس وعدائها التاريخي للدولة اليهودية. بعد بضعة أسابيع من تولي السيسي السلطة، في سنة 2013، أدى انفجاران غامضان إلى مقتل خمسة متشددين مشتبه بهم في منطقة بشمال سيناء ليست بعيدة عن الحدود الإسرائيلية. وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن مسؤولين مصريين لم تُذكر أسماءهم قالوا أن طائرات إسرائيلية بدون طيار أطلقت صواريخ قتلت المسلحين وأكثر الهجمات كانت مركزة على اغتيال رؤوس قادة التنظيم، ربما بسبب التحذير المصري من هجوم مخطط له عبر الحدود على مطار إسرائيلي – أغلقت إسرائيل المطار في اليوم السابق.

وأنكر المتحدث باسم السيد السيسي، العقيد أحمد علي، ذلك. وقال في بيان في ذلك الوقت "لا توجد حقيقة من حيث الشكل أو من حيث الجوهر لوجود أي هجمات إسرائيلية داخل الأراضي المصرية". "إن ادعاءات التنسيق بين الجانبين المصري والإسرائيلي في هذا الشأن تفتقر إلى الحقيقة تمامًا وتتعارض مع المنطق". في المقابل رفضت إسرائيل التعليق.

بدا أن المسلحين يتبنون أهدافًا أقل طموحًا عن ذي قبل، محولين استراتيجيتهم من الارتكاز على مسك الأرض إلى مفهوم جديد يسمى بعمليات الذئاب المنفردة، أي ضرب الأهداف المختارة من قِبل مجاميع محدودة العدد بسرعة والانسحاب التكتيكي والاختفاء. حيث لم يعدوا يجرؤوا على محاولة إغلاق الطرق أو إقامة نقاط تفتيش أو المطالبة بالأراضي، وانتقلوا إلى ضرب أهداف أكثر سهولة مثل المسيحيين في سيناء، والكنائس في وادي النيل أو غيرهم من المسلمين الذين يرون أنهم مرتدين. وفي 2017 قتل المسلحون 311 مصليًا في أحد المساجد الصوفية في شمال سيناء.

undefined

صرح المسؤولون الأمريكيون، أن الإسرائيليين كانوا يشكون لواشنطن أن القاهرة فشلت في متابعة الغارات الجوية بحركات منسقة مع قواتها البرية وفقاً لما نقلته الصحف الأمريكية. وكما وصف بعض المسؤولين الأمريكان أن هذا التحالف بين مصر وإسرائيل هو تحالف التكنلوجيا الإسرائيلية مع العضلات المصرية لغرض القضاء على المجاميع المسلحة في سيناء. بينما يشكو بعض المؤيدين الأمريكيين لإسرائيل من أنه – نظراً لاعتماد مصر على الجيش الإسرائيلي – ينبغي على المسؤولين المصريين والدبلوماسيين ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة أن تتوقف علناً عن شجب الدولة اليهودية.

يبقى التساؤل الأهم ماذا وراء هذا التعاون الأمني؟ لنخرج بعدة تساؤلات أخرى، هل هو تعاون أمني مؤقت لحين القضاء على التهديدات الأمنية المشتركة تجاه مصر وإسرائيل والتي مازالت مستمرة لأكثر من خمس سنوات؟ أم انه تحالف يفضي إلى تهجير وترحيل سكان سيناء بحجة العمليات الحربية لغرض إفراغها وإهدائها للفلسطينيين وفق صفقة القرن التي من بنودها إعطاء جزء من أراضي سيناء للفلسطينيين كوطن بديل منهياً بذلك حق العودة للشعب الفلسطيني؟ أم أن إسرائيل تبحث عن حدود مفرغة من السكان لكيلا تنطلق منها عمليات تهدد أمنها؟ – كما حصل مع محافظة ديالى العراقية التي أُفرغت نتيجة العمليات الحربية والإرهاب الكثير من القرى من سكانها وبسبب موقعها الجغرافي المتصل بالحدود الايرانية والتي بدورها تشكل تهديداً أمنياً لإيران كما تمثل بعض مناطق سيناء تهديداً لإسرائيل.

أم سنعتمد بالإجابة على هذه التساؤلات وفق اقتراح جون كيري وزير الخارجية الامريكية حينذاك، على مصر والأردن ضمان أمن إسرائيل من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية لينتهي هذا الاقتراح بسخرية وزير الدفاع الاسرائيلي من جون كيري عندما قال إن مقترحات الولايات المتحدة في حل الصراع أرخص من الورق والحبر الذي كتبت عليه. وهل يعتقد كيري بأنه المخلص المنتظر ليذهب ويحصل على جائزة نوبل، ليضيف عليها نتنياهو سخريته أيضاً من مقترح الولايات المتحدة حين قال أن الجيش الإسرائيلي كان بالفعل يدعم الجيش المصري، إذا كانت مصر غير قادرة على السيطرة على الأرض داخل حدودها، فإنها من الصعب أن تضمن الأمن لإسرائيل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.