شعار قسم مدونات

المرأة المسلمة.. حرية في عبودية الله!

blogs الحجاب

قد يتساءل البعض كيف تجتمع الحرية والعبودية معا في آن واحد، إنه الإسلام الذي منح الحرية المطلقة للمرأة ولكن ضمن إطار العبودية لله. الحرية للمرأة المسلمة تتمثل ليس بِعُرِيها وتفلّتها من قيم الأخلاق والحياء وانصياعها وراء صيحات الموضة متجردة من كيانها وتميزها لتكون عبدة لهذه المفاهيم الزائفة. لكن حريتها تكون بتمسكها بالكيان الذي انشأها الله عليه، الكيان المؤلَّف من ثلاثة أجزاء غير قابلة للاجتزاء أو للذوبان.

الجزء الأول هو العقل الذي يغترف العلم والأدب ليرقى ويصل إلى معرفة الله أكثر وتحقيق العبودية له بحسن استعمال هذا العقل في الخير والحق. الجزء الثاني ألا وهو الروح التي تتشبّع بالأخلاق والرحمة والخوف من الله والحب له ولعباده. أما الجزء الأخير هو الجسد الذي يُصان ويُحفظ ويتنعّم بالعافية ويلبّي حاجاته من الأكل والشرب والجنس ضمن منظومة مشرّعة من الله. 

إن المطالبة بحقوق المرأة على الطريقة الغربية مؤامرة مكشوفة هدفها إفساد المرأة المسلمة وجعلها تقترب من نموذج المرأة الغربي المنحط.

المرأة في الإسلام تتربع على عرش بيتها، فهي حرة في مالها حرة في عملها ما دام أنه يراعي أنوثتها وحيائها وعفتها ولا يتعارض مع أمومتها. المرأة منذ نشأة الإسلام ونفياً لكل ما يُزعم عن تخلّفها وعبوديتها، كانت أماً وسيدة أعمال ومحاربة وطبيبة تتمتع بحقوق وترقى إلى منزلة مميزة تجعلها ملكة. ولكن اليوم ومع اجتياح موجات العولمة والعلمانية والتحرر لبلاد المسلمين وغياب القيادة الحكيمة والإعلام الهادف، أصبحت المرأة المسلمة الهدف السهل الاختراق والخليّة القابلة لبث سم الأفكار والصور الفارغة والمغلوطة.

إن المرأة المسلمة باتت تُحسد اليوم على كثرة الاهتمام بها، لكن المؤسف أنها اليوم تُطحن ظلماً بين من يزعمون إنصافها بإبعادها عن موقعها الذي رسمه الإسلام لها وأقامها الله عليه. وذلك خدمة للغرب وبين أدعياء الإسلام الذين يستشهدون بالآيات والأحاديث ويكررونها جهلاً في غير سياقاتها وبعيداً عن معناها، فيظلمون المرأة باسم الدين مثل "الرجال قوامون على النساء" و"النساء ناقصات عقل ودين" و"ليس الذكر كالأنثى" وآيات الميراث والشهادة وغيرها. وهكذا تضيع المرأة في غياب الوعي الصحيح عن وضع المرأة في المجتمع في نظام الإسلام وعن علاقتها بالرجل، تضيع بين من يظن جهلاً أن قوامة الرجل على المرأة تعني أن الرجل أفضل وأن المرأة إنسان من الدرجة الثانية، وأن المرأة وُجدت للإنجاب فقط.

بين من يطالب من المتفقين والعلمانيين والمتشرّبين للثقافة الغربية من أدعياء العلم من أبناء جلدتنا بإعادة تشكيل العقل المسلم وخلق مفاهيم جديدة وتسويقها بكافة الطرق وحتى مراجعة نصوص الإسلام، بحجة موافقة العصر والتجديد والتحديث لإنصاف المرأة وإلغاء التمييز والعنف وغيرها من الاتهامات الغبية الزائفة التي تلصق عن خبث بالإسلام. إن المنادين والمتباكين على ما يسمى حقوق المرأة عندنا، إما جهلة بما يقوله الإسلام عن دور المرأة العظيم، وإما مجرمون خبيثون وأصحاب أجندة فكرية وسياسية هدفها ترسيخ صور نمطية ابتدعها أسيادهم من الغربيين عن المرأة، حتى يظل المسلمون تائهين ومنشغلين باللهث وراء أوهام وسراب عبيد متجردين من التميز والإبداع والتطور الفكري.

لقد مللنا من الكتابات العلمانية الخبيثة ومن الإعلام المضلل المأجور في بلاد المسلمين الذي ينادي بتحرير المرأة وإعطائها ما يسمى حقوقها، ويتهم مجتمعات المسلمين بالتقصير في حق المرأة. إن المطالبة بحقوق المرأة على الطريقة الغربية مؤامرة مكشوفة هدفها إفساد المرأة المسلمة وجعلها تقترب من نموذج المرأة الغربي المنحط. أما من يسير في هذه المؤامرة فهو يحاول تضليلاً أن يُظهر نفسه أنه يريد النهضة والحرية للمرأة – حسب زعمه – من رجعية ديننا وعقد تقاليدنا وتسلط آبائنا وأزواجنا ودكتاتورية مجتمعاتنا. وهؤلاء انتفضوا دجَلاً للاهتمام بشؤون المرأة مدعين خوفهم على حالتها النفسية والصحية، وأنهم يخشون عليها الكبت الديني والعرفي وأنهم يريدون لها أن تثق بنفسها والتمتع بشبابها وجمالها والتعبير الحر عن رأيها وإبداء مفاتنها لإبعادها عن طهرها وعفتها تحت شعاري الحرية والمساواة الخبيثين.

إن المطلوب هو النفاذ إلى حياة المسلمين وتدمير الأسرة المسلمة بإفساد نسائها، وبالتالي إفساد الجيل المسلم بأكمله. إن حال المرأة في الغرب حال كارثي أحط بها وجعلها سلعة تُستخدم ببشاعة من قبل المجتمع الديمقراطي العفن ولا وجه للمقارنة بين منزلة المرأة الراقية في الإسلام وبين حالها المتردي في ظل الحضارة الغربية. لا يشك عاقل أن الغرب الديمقراطي ينقم على المرأة المسلمة في ظل ما أعطاها الإسلام من منـزلة رفيعة ويريد أن يفسدها حتى يفسد حياة المسلمين ويوهنها، لأن المرأة هي أساس في هذه الحياة فهي الأم الحنون والزوجة الصالحة والأخت الفاضلة ومن مدرستها الحقيقية يتخرج الأبطال وتتربى الأجيال.

يقول المبشر زويمر
يقول المبشر زويمر "ليس الغرض من التبشير التنصير فقط ولكن تفريغ قلب المسلم من الإيمان وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة بكل الوسائل الممكنة، لأنها هي التي تتولى عنا تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه عن مقومات دينه".

ومن هنا كانت برامج وخطط المفسدين موجهة إلى هذا الكيان القوي الطاهر لزعزعته وتحطيمه، حتى يرسخ في المجتمع المسلم النموذج الغربي عن المرأة وحتى يستطيع الغرب ترويج بضاعته الهابطة عندنا وحتى تكرس المفاهيم المغلوطة في حياة المسلمين. لا شك أن كل الضجة والإثارة اليوم حول المرأة المسلمة بالذات وكل المؤتمرات والدعم المالي والبرامج للمطالبة بحقوق المرأة، ليس لأن المرأة في الإسلام مسلوبة الحقوق في الحقيقة لكن القضية هي أن المناداة بحقوق المرأة ليس إلا جزء من حملات فكرية ثقافية وسياسية مدروسة ومبرمجة يقودها الغرب في بلاد المسلمين منذ أن هدمت دولة الخلافة. وذلك حتى يحرفهم عن دينهم وعن وعيهم على قضاياهم ما يسهم في استمرار تردّيهم وعدم نهضتهم.

إن الحرية في الغرب معناها إباحية المجتمع وتحرره وتحلله من كل القيم التي ترفع من شأن الإنسان. أما الحرية والحقوق التي يُنادَى لها للمرأة المسلمة هي أن تصبح كشأن المرأة في الغرب متفلّتة من أية ضوابط أخلاقية وسلعة يستغلها المجتمع أبشع استغلال. إن أبرز ما يسميه الغرب حرية المرأة هو انقيادها وراء ادعاءات جوفاء وشعارات ساذجة أزالت ما تبقى لديها من الحياء ونزعته منها، محاولة في كل ذلك إعطاءها "حقوقها". هذه الشعارات التي سعت جاهدة إلى تشويه صورة المرأة ودورها الحقيقي في الحياة.

ولا شك أن الهجمة الفكرية الغربية من خلال الإعلام والمناهج في بلاد المسلمين سهلت الصعب وهيأت الأمر في استغلال المرأة لهدم أفكار وأحكام الإسلام. يقول المبشر زويمر "ليس الغرض من التبشير التنصير فقط ولكن تفريغ قلب المسلم من الإيمان وإن أقصر طريق لذلك هو اجتذاب الفتاة المسلمة بكل الوسائل الممكنة، لأنها هي التي تتولى عنا تحويل المجتمع الإسلامي وسلخه عن مقومات دينه". ويكشف د. هنري ماكو وهو استاذ جامعي وباحث متخصص في الشؤون النسوية زيف ادعاءات تحرير المرأة ويصفها بالخدعة إذ يقول "تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد خدعة قاسية أغوت النساء الأميركيات وخربت الحضارة الغربية".

لذا لكل امرأة تريد أن تتحرر وتعلي من شأنها وتثبت نفسها أقول: ثوري ولكن ثوري بعقل وذكاء وليس بهوس وانخداع، ثوري على أغلال المفاهيم المغلوطة عنكِ والأدوار المستحدثة التي أُنيطت بكِ وسلختك من دورك الأساسي. تحرري من سراديب الموضة ومزاعم التحرر واعلمي أن حريتك تنتهي عندما تصبحين أسيرة صور ومفاهيم وموضة تُرسم لكِ وتُحاك وتُعلّب وما أنتِ إلا أنسب من يلبسها ويتلقّفها. كوني حرة في انتقاء من الموضة ما يحاكي واقع الكيان الذي ذكرته في أول المقال كيان العقل والروح والجسد. كيان قائم على العفّة والحياء والحكمة والفكر والحرية التامة في إطار العبودية لله. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.