شعار قسم مدونات

هل نستطيع الحفاظ على الحياة بإنتاج أكثر واستخدام موارد أقل؟!

blogs الموارد الطبيعية بالسودان

الموارد الطبيعية كالمياه والأراضي الزراعية هي موارد محدودة. رغماً عن الاختلافات النسبية بين مناطق ودول العالم في وفرة هذه الموارد إلا أنها عرضة للنفاد والاستهلاك، إن لم تدر بكفاءة.. الطلب على هذه الموارد طلب متزايد نتيجة للانفجار السكاني ولاستخدامها في زيادة التطور والنمو.. بالإضافة إلى هذا الطلب الكبير حالياً فإن عوامل خارجية كالتغير المناخي من المتوقع أن تقلل من الموارد المتوفرة كالمياه وأن تحد في بعض الأماكن من إمكانية الحصول عليها. كمثال على ذلك فإن التغير في مواسم الأمطار وزيادة فترات الجفاف ستقلل من الإمكانيات الإنتاجية للزراعة المطرية وقد تؤثر سلباً على الأمن الغذائي.

إن استنزاف الموارد الطبيعية هو سبب أساسي للتدهور البيئي بما له من انعكاسات سلبية على الإنسان ومستقبله على هذه الأرض.. ما قد يؤدي أيضاً إلى نزاعات حول الموارد.. فهنالك من الدلائل ما يشير على أن السيطرة على الموارد كانت من أهم أسباب الكثير من الحروب التاريخية.. وفي مستقبل ذي موارد أقل وطلب أكثر، بالتأكيد ستزيد احتمالية نشوب مثل هذه الحروب. ولكن هل هناك مخرج؟.. بمعنى أخر.. هل نستطيع أن نحافظ على الحياة على هذه الأرض بأن ننتج أكثر باستخدام مدخلات أقل.. هل هذا ممكن؟

للإجابة على هذا السؤال سأتطرق لمثال مهم جداً.. وينطبق بشدة على كثير من دول العالم الثالث.. موضوع الإنتاجية المائية water productivity في الزراعة، وهي تعني ببساطة كم من المياه نستخدم لننتج كيلوجراماً من الغذاء.. على سبيل المثال توضح بعض الدراسات إلى أن أرقام الإنتاجية المائية في السودان تشير إلى أن هذا البلد يستخدم في الزراعة مياهاً أكثر من المعدل العالمي ومن الدول المجاورة، وبالمقابل فإن إنتاج السودان أقل بكثير من الكثير من الدول المجاورة له.

 

في السودان يتم استهلاك الكثير من الموارد الطبيعية، الأراضي الزراعية والمياه كمثال، لننتج أقل بكثير من الطاقة الكامنة في هذه الموارد.. وهذا ما يؤكد أننا قادرين على أن ننتج أكثر بموارد أقل

كمثال على ذلك فإن الإنتاجية المائية لمحاصيل الحبوب كالذرة والقمح في إثيوبيا هي 3.59 كيلوجرام لكل متر مكعب يستخدم من المياه، بينما في السودان ينخفض معدل الإنتاجية المائية لمحاصيل الحبوب ليصل إلى 1.59 كيلوجرام لكل متر مكعب من المياه. أي أن اثيوبيا وبذات كمية المياه التي يستخدمها السودان تنتح ضعفي إنتاج السودان من هذه المحاصيل من الفدان الواحد.. وهو ما يعني أن هدراً كبيراً يجري للموارد المائية خصوصاً في مجال الزراعة التي يمثل الاستهلاك المائي فيها حوالي 97 بالمائة من الاستهلاك الكلي السنوي للمياه في السودان.

أعود للسؤال الذي عنونت به هذه المقالة.. أكثر بأقل.. باعتباره أحد أهم الحلول الاستراتيجية التي يجب وضعها في الحسبان لمواجهة المستقبل. هل بإمكاننا أن ننتج أكثر بأقل؟.. الإجابة نعم نستطيع.. ولبيان ذلك مثال، لنلق نظرة على أرقام إنتاج الحبوب في الدول الثلاث، السودان وإثيوبيا ومصر. ففي حين أن المساحات الزراعية التي يتم حصادها في السودان، والمزروعة بمحاصيل الحبوب كالذرة والقمح وغيرها، أكبر بكثير من نظيرتها في كل من إثيوبيا ومصر، إلا أن هذه المساحة عرضة لعدم الاستقرار من عام إلى أخر. والأسباب لهذا التذبذب كثيرة، فمنها الفني ومنها الاقتصادي والاجتماعي ومنها عامل المناخ.

 

ويلاحظ من الأرقام زيادة الرقعة المحصودة في كل من إثيوبيا ومصر وتذبذبها في السودان خلال العقود القليلة الماضية. فعلى الرغم من أن مصر لا يزرع فيها سوى حوالي 2-4 مليون هكتار كل عام من محاصيل الحبوب إلا أن إنتاجها الكلي منها يصل إلى ما فوق الـ 20 مليون طن.. بينما السودان بمساحة محصودة تفوق ال 1 مليون هكتار لا يزيد إنتاجه الكلي من الحبوب عن 5-7 مليون طن.. هذا الفرق ناتج عن أن الفدان الواحد في مصر ينتج أضعاف ما ينتجه الفدان في السودان.

 

وبالمقارنة، فإن الأرقام تشير إلى أن إثيوبيا تبلي بلاءً حسناً في زيادة إنتاجيتها من الفدان الواحد.. أن التذبذب الحادث في إنتاجية الأراضي الزراعية في السودان من عام إلى أخر يشير إلى إمكانية زيادة الإنتاجية فيها تثبيتها عند مستويات أعلى، باستخدام ذات كمية المياه المستخدمة حالياً أو حتى بكمية أقل. السودان، بالأراضي الزراعية الشاسعة التي تم زراعتها بمحاصيل الحبوب في العام 2016 كان يمكن أن ينتج أضعافاً مضاعفة من 8 مليون طن تلك التي أنتجت في ذلك العام، لو كانت إنتاجية الفدان مقاربة لتلك الموجودة في مصر، مثلاً.. أعود وأقول.. في السودان يتم استهلاك الكثير من الموارد الطبيعية، الأراضي الزراعية والمياه كمثال، لننتج أقل بكثير من الطاقة الكامنة في هذه الموارد.. وهذا ما يؤكد أننا قادرين على أن ننتج أكثر بموارد أقل، كحل استراتيجي مستقبلي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.