شعار قسم مدونات

لتصبح ديكتاتورا ذكيا.. عليك اتباع هذه الخطوات فقط

blogs هتلر

الديكتاتوريات نوعان: ذكية وغبية؛ فالديكتاتور الذكي يستخدم عقله في تثبيت أركان حكمه مهما طال ومهما كانت قسوته وعنفه، ويفكر في كل قرار قاس عنيف قبل أن يتخذه حتى لا تنقلب الأمور ضده، ويستخدم عقله وعقول المحيطين به في تشتيت خصومه وتفريق صفوفهم، وفي تجميع الأغلبية الصامتة الحمقاء من حوله، وفي صناعة قوة وهمية تجعله مهيبًا وتجعل خصومه يفكرون ألف مرة قبل أن يواجهوه وعندما يفكرون للمرة الأولى بعد الألف فإنهم يتخذون القرار بالتراجع عن مواجهته حتى لا ينالهم غضبه العاصف الذي لا يعرف الرحمة.

الديكتاتورية ليست قوة باطشة وعدوانًا مستمرًّا بدون رحمة، فديكتاتورية هتلر وموسوليني الساحقة لم تستمر إلا سنوات معدودة بل العكس هو الصحيح فالديكتاتورية تحتاج عقلًا راجحًا يدرك مآلات الأمور ونتائج القرارات التي يتخذها، ويعرف متى يقسو بشدة ومتى يقسو فقط حتى تعتبر الجماهير قسوته رحمة سماوية، وهنا نطالع النموذج الصيني العظيم للديكتاتورية المستمر حتى الآن. ومن هنا، ومن أجل خدمة الشعوب المبتلاة بالديكتاتورية والشعوب المستعدة للخضوع لها، قررت أن أضع دليل الديكتاتور الذكي.

أولًا: جدولة القسوة والعنف:

لا تظن –أيها الديكتاتور- أن استخدامك القسوة والعنف مع الشعب يجب أن يكون مجدولًا أو وفق نسق عقلاني، بالعكس لا تجعل الشعب يتوقع غضبك وعنفك أبدًا، بل اجعله دائمًا غير متوقع؛ فإذا كانت الأوضاع هادئة والشعب يتوقع استقرارًا قُمْ بحملة مفاجئة لمواجهة الإرهاب، وأعلن عن اكتشاف تنظيمات إرهابية واقبض على الآلاف من أفراد الشعب وقم بإذاعة اعترافاتهم –بعد التعذيب طبعًا- في وسائل الإعلام، ثم قم بإعدامهم علانية، ولا تنس أن تعلن أن هناك عناصر هاربة جار البحث عنها، حتى يظل الشعب في قلق وعلى استعداد لسماع الموجة التالية من عمليات الإعدام؛ فذلك جعل الخوف متوطنًا في قلوب الشعب. واجعل العنف وسيلتك الأثيرة لتفادي الأزمات التي سيواجهها الشعب نتيجة فشلك في الحكم، أو اكتشاف إحدى فضائحك فقم بإجراء العديد من عمليات التفجير وسط الجموع بشرط أن تُسقط العديد من الضحايا، فذلك يجعل الناس أكثر ميلًا للخضوع لديكتاتوريتك وظلمك لأنك تعدهم باستئصال الإرهاب.

ثانيًا: التوظيف الصحيح للإعلام:
ازرع عملاءك بين الجميع ليشتموا الآخرين ويتهموهم بالخيانة فيرد عليهم الآخرون، وهكذا دواليك تظل عجلة الاتهامات تدور فلا يجتمع المخلصون منهم أبدًا ضدك

ليست مهمة الإعلام كشف الحقائق، وإنما كشف ما تجعله أنت حقائق وتريد للشعب أن يصدقه، وهذا يتطلب فريقًا متنوعًا من الإعلاميين الفاسدين الذين يستطيعون تجميل القبيح وتقبيح الجميل، إعلاميين يلعبون بالبيضة والحجر ولا يمتلكون ذرة من الأخلاق. أطلق هؤلاء على الشعب في وقت واحد كالكلاب المسعورة ينهشون جسد الحقيقة ويزخرفون الأكاذيب التي تريد ترويجها، ولكن احرص على شيئين:

1- أن يكون كلامهم موحدًا تحت إشراف أجهزتك الأمنية بحيث تكون الأكذوبة تتردد في مختلف وسائل الإعلام في نفس الوقت فلا يجد المواطن عن تصديقها مهربًا.

2- أن تجعل هؤلاء الإعلاميين قلقين دائمًا لا يثقون برضاك عنهم، ليستمروا تحت سيطرتك ويزايد بعضهم على بعض في النفاق من أجلك، ورغم ذلك فلا تترك أحدهم في مكانه وقتًأ طويلًا، بل أخرج أحدهم من جنتك كل فترة ليبقى الآخرون في رعب.

واجعل شعارك الدائم في مجال الإعلام، أن وظيفة الإعلام ليست نشر الحقيقة وتوعية الشعب بل طمس الحقيقة بإخفائها أو تزييفها أو التلاعب بها، وتجهيل الشعب وتسطيحه؛ فالشعب الواعي خطر يجب القضاء عليه مبكرًا.

ثالثًا: تشتيت الخصوم:

لن يخلو طريقك من خصوم، جماعات دينية أو أحزاب معارضة أو نشطاء حقوق الإنسان، فلا تحاول أن تُفنيهم فذلك يجعل خصومك يصفونك بالديكتاتور، كما أن وجودهم في مصلحتك فهو يجعل منك نموذجًا للديمقراطية وقبول التعددية، فهم ديكور عظيم لحكمك ولكن بشرط ألا تتركهم يتحدون بل دائمًا اجعلهم في حالة تشتت واختلاف. ازرع عملاءك بينهم ليشتموا الآخرين ويتهموهم بالخيانة فيرد عليهم الآخرون، وهكذا دواليك تظل عجلة الاتهامات تدور فلا يجتمع المخلصون منهم أبدًا ضدك. انتق من أعدائك من يمكن استمالته لصفك (وستجد منهم الكثير فلكل واحد ثمن) واحرص على تلميعه ليصير قائدًا في معارضتك وإن لم تجد –وهذا قليل- فاحرص على تلميع الحمقى والسذج من خصومك ليصيروا قادة ويلتزم لهم قواعدهم بالسمع والطاعة؛ فهؤلاء سيخدمونك أكثر مما يخدمك عملاؤك.

انتبه، عزيزي الديكتاتور، فلكي يطول حكمك المستبد ويتزين أمام العالم والمنظمات الدولية لابد من أن تجعل القانون فوق الجميع
انتبه، عزيزي الديكتاتور، فلكي يطول حكمك المستبد ويتزين أمام العالم والمنظمات الدولية لابد من أن تجعل القانون فوق الجميع
 
رابعًا: الإكثار من مشاريع التنمية:

تذكر أنك باق في الحكم طالما بقي التخلف فالتنمية لو حدثت ستجعل الشعب يتطلع للحرية ولكن اجعل التنمية حُلمًا قائمًا دائمًا تغازل به عقل الشعب وقلبه.. اجعله كالقضية الفلسطينية بالنسبة للحكام العرب، هي مبرر وجودهم واستمرارهم في الحكم فلو تم حلها لالتفتت إليهم الشعوب وطالبتهم بالرحيل، ولكن طالما بقيت -بالتفاهم مع العدو وحصار الشقيق- فسيبقى مبرر وجود الحكام العرب.. هكذا فاجعل حلم التنمية، ولا تنس أنه تحت هذا الشعار وفي سبيل تحقيق الحلم سيتم إنفاق المليارات في مشروعات فاشلة أو وهمية وستمتلئ خزائنك ويستمتع أبناؤك بتلك الأموال بينما تبقى أنت في الحكم حاكمًا قويًّا عزيزًا باطشًا.

خامسًا: سيادة القانون:

انتبه، عزيزي الديكتاتور، فلكي يطول حكمك المستبد ويتزين أمام العالم والمنظمات الدولية لابد من أن تجعل القانون فوق الجميع، وترفع شعار "سيادة القانون"؛ فهذا القانون هو الذي سيكون سيفًا مصلتًا على معارضيك، هو الذي سيحكم عليهم بالإعدام ويرسلهم إلى غياهب السجون حيث لا يعلم بهم أحد إلا الله. هذا القانون سيقوم القضاة بتفصيله مرنًا لمصلحتك توسعه أو تضيِّقه كما تشاء حينما تشاء؛ لذلك أَحْسِنْ اختيار الترزي وأغدق عليه العطايا، ولكن لا تنس أن تحتفظ له بما يشينه لكي يكون تحت رحمتك.

سادسًا: تعميم معايير النزاهة:

وهذا ما يجب فعله في كل دولاب الدولة العميقة، تعميم معايير النزاهة، وضع العمة عليها حتى لا يراها أو يعمل بها أحد. إن النزاهة عدوة للديكتاتورية المرجوة؛ لذا لا يمكنك أن تستعين بشخص نزيه أو نظيف أو شريف، لابد من الفاسدين في كل مكان من مؤسسات الحكم. صبرًا، لا تظن أنه عمل مرهق ومجهد لك، فأنت لا تحتاج أن تختار بنفسك كل موظف فاسد، ولكن يكفيك أن ترى حاشيتك من حولك فسادَك وسيفسدون هم بدورهم، وسيبدأ كل واحد فيهم في اختيار الفاسدين فيما تحت يده من وظائف، وهكذا سينتشر الفساد بسرعة. ولكن لا تفرح فهذا يعجِّل بسقوط نظامك، لذا فعليك إنشاء جهاز للرقابة والمحاسبة، ورغم أنك ستتجاهل تقاريره الدورية إلا أنك كل عدة سنوات من حكمك المديد ستقوم بحملة تطهير للفاسدين تقوم فيها بسجن وإعدام المئات من الفاسدين الكبار لتستبدل بهم بعض الفاسدين الصغار لكي تقوم بتجديد الجهاز الإداري للدولة.

عزيزي الديكتاتور، لا أزعم أن هذا الدليل كاف ولكنه ملخص شاف يمكنه أن يسير بك في دروب الديكتاتورية بنجاح ردحًا طويلًا من الزمن لن يقل عن ثلاثين عامًا، فإذا أتممتها سأكون قد أنجزت لك الشرح الكبير لهذا المتن الموجز.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.