شعار قسم مدونات

حرب السيسي الأخيرة.. كيف يسعى الجنرال للبقاء في الحكم للأبد؟

blogs السيسي

علمتنا التجارب المريرة والمتكررة بعد دخول مصر سرداب الحقبة العسكرية منذ حركة 23 يوليو 1952 وأصبحت الأرض كما نقول بالعامية "بتتكلم ميري" أنه عندما نجد الإعلام العسكري يقوم بالتركيز على موضوع بعينه في الجهة اليسرى يجب علينا النظر فورًا إلى الجهة المقابلة، فالقوم تعودوا على التذرع والاختباء خلف حجج مقتضيات الأمن القومي والطبيعة العسكرية لإضافة وتبرير عنصر الغموض وشح المعلومات وأحيانًا انعدامها حتى حول أبسط الأشياء وأصغرها، فهم العالمين ببواطن الأمور وما يجب إخفاءه عن الشعب الذي لم يكتمل إدراكه ولا يمتلك الوعي الكافي بعد للمصلحة العامة -حسب زعمهم-، وخوفًا من الأشرار والمتآمرين على مستقبل الوطن كما تردد أذرعهم الإعلامية آناء الليل وأطراف النهار.

 

فالشعب المصري صاحب المولد الغائب أو بمعنى أدق صاحب البلد التي بات لا يملك فيها شيئًا وتحولت حرفيًا إلى إقطاعية عسكرية بكل ما فيها ومن فيها، لذا كلما وجدنا زوبعة إعلامية تتناول موضوع ما بصخب واهتمام يفوق قيمة الحدث ومضمونه علينا البحث في عالم العسكر الموازي عن ما يراد التعتيم عليه أو نشره في غير سياقه وتزييفه والترويج عنه عكس الحقيقة وما يجري على أرض الواقع ويتم الترتيب له أحيانًا في العلن وغالبًا خلف الأبواب المغلقة وأقبية المخابرات.

مؤخرًا انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بجانب الصحف والقنوات التلفزيونية التابعة للانقلاب العسكري والمساندة له برعاية دول أخرى من حلف الثورة المضادة بارتداء إحدى الفنانات المصريات في مهرجان القاهرة السينمائي لفستان وصف بالفاضح والمخالف للذوق العام وأصبح الشغل الشاغل ومحور حرب ضروس وقصف متبادل بين من يروجون أنهم دعاة الحرية والعلمنة ومن يتمسحون كونهم حماة العادات والتقاليد، ووصل الأمر بعدد من المحامين المرتبط بعضهم بالنظام العسكري ارتباط الطفل بمن أنجبته لتقديم بلاغات للجهات الأمنية والرقابية ورفع قضايا تطالب بمحاكمتها بتهم عدة تتمحور حول إفساد الذوق العام والتحريض على الفسق والفجور قبل أن يصدر لاحقًا الأمر العسكري بسحب تلك القضايا، بعد أن اعتذرت الفنانة على الهواء عبر إحدى الفضائيات رفقة الإعلامي الأبرز في جوقة العسكر "عمرو أديب" وأتت الحادثة أُكُلَهَا ووصلت أن غطتها صحف عالمية كالجارديان والإندبندنت وغيرها -من باب الاستغراب ليس إلا-.

 

هناك معركة أو بالأحرى مؤامرة يعد السيسي العدة لها منذ شهور طويلة وهو عزمه على تعديل الدستور الذي أقره الانقلاب نفسه وتحت رعاية وتوجيه السيسي وأذرعه الأمنية والمخابراتية

وفي خضم تلك المعمعة المفتعلة تم تجاوز اعترافها بتعمدها فعل هذا لجذب الانتباه في ظل سيطرة شبه تامة للعسكر على قطاع الإنتاج الفني بشقيه التلفزيوني والسينمائي عبر ذراعهم المتمثل في مجموعة "إعلام المصريين" المملوكة لشركة "إيجل كابيتال" التي تستحوذ على عدة شركات إنتاج وشبكات تلفزيونية وصحف ومواقع وتترأس مجلس إدارتها "داليا خورشيد" وزيرة استثمار السيسي السابقة وزوجة "طارق عامر" محافظ البنك المركزي المصري الحالي وهو أمر له دلالته الواضحة ويدفع باتجاه أن الحدث نفسه كان مفتعلًا لشغل الرأي العام عن أمر جلل تتم تجميع خيوطه وتفصيل خططه في الخفاء وقد كان.

بالتزامن مع هذا أعلن نادر سعد المتحدث باسم مجلس الوزراء أواخر نوفمبر الماضي عن اتفاق شراكة بين هيئة قناة السويس وشركة موانئ دبي العالمية المملوكة للإمارات تشمل إنشاء شركة تنمية مشتركة تسهم فيها هيئة قناة السويس بنسبة 51 في المائة وموانئ دبي العالمية بنسبة 49 في المائة، في صفقة معظم إن لم يكن كل بنودها الفعلية سيظل كالعادة طي الكتمان وحبيس الأدراج المغلقة وستحصد المكاسب على إثرها وبشكل واضح لا لبس فيه الإمارات والتي دعمت الانقلاب العسكري بمبلغ يتجاوز 12 مليار دولار وهو الجزء المعلن فقط ويفوق حجم ما قدمته الإمارات لمصر منذ عام 1971 وحتى 2012.

 

وكان أحد دوافعها لدعم السيسي وجماعته العسكرية للانقلاب على الرئيس محمد مرسي ونظامه المنتخب في 3 يوليو 2013 مشروع "تنمية محور قناة السويس" والذي كان عبارة عن مشروع متكامل يتضمن إقامة منطقة تنمية كاملة صناعية وزراعية وتجارية وخدمية وتكنولوجية ومركز لوجيستي للسفن بمختلف أحجامها وتغطي مساحة المحور الخدمي والتنموي للمشروع سبعة آلاف كيلومتر، ليضم خمسة محافظات هي السويس وبورسعيد والإسماعيلية وشمال سيناء وجنوب سيناء وعلى طول خط القناة، وهو ما كان سيمثل لو تم تنفيذه بالشكل الذي تضمنه برنامج الرئيس مرسي خطرًا حقيقيًا على مكانة وأهمية وموارد ميناء جبل علي الإماراتي "كنز الإمارات البحري" و "موانئ دبي العالمية" كيانها الاقتصادي المدلل ولتعوض إخفاقاتها المتكررة والمتلاحقة في الصومال وجيبوتي والسودان وغيرها، فأينما حلت شركة موانئ دبي حل الخراب والتدمير لأي ميناء تضع يدها عليه بأي طريقة كانت وما حدث لميناء عدن ومحاولاتها السيطرة على الحديدة في اليمن خير دليل فأي منافس قد يهدد ولو من بعيد هذا المورد الهام لا بد من السيطرة عليه ليصبح مجرد ترانزيت لجبل علي أو تخريبه إن لم تتح الظروف احتواءه وتهميشه. وجدير بالذكر أن الإمارات تسيطر أيضًا على ميناء العين السخنة في مصر منذ سبتمبر 2017 وتعمل جاهدة على تفريغه من أي تواجد للشركات والعمالة المصرية بشتى الطرق بجانب تشعب التواجد الإماراتي وخاصة في المجال الاقتصادي والاستثماري داخل مصر ناهيك عن الشق السياسي.

وهناك معركة أو بالأحرى مؤامرة أخرى يعد السيسي العدة لها منذ شهور طويلة وهو عزمه على تعديل الدستور الذي أقره الانقلاب نفسه وتحت رعاية وتوجيه السيسي وأذرعه الأمنية والمخابراتية منذ 4 سنوات ليتم تعديل بعض بنوده والتي تقف عائقًا أمامه للاستمرار في الحكم لما بعد 2022 نهاية فترته الثانية والغير قابلة للتمديد أو الترشح مرة ثالثة حسب الدستور الحالي، وسبق أن ألمح السيسي إلى عدم رضاه عن الدستور في وقت مبكر سبتمبر 2015 بقوله "الدستور المصري كتب بنوايا حسنة والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط"، تلك الجريمة التي يريد السيسي تمريرها في هدوء ويحاول جاهدًا إيجاد مخرج لها بشكل يبدو مقنع داخليًا ومناسب خارجيًا وهو ما لا يمكن فصله عن تودد السيسي المستمر لعراب الثورة المضادة وعدو الربيع العربي الأول "محمد بن زايد" الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وخطب ود الكيان الصهيوني والكاوبوي الأمريكي "ترامب" بمختلف الطرق، فبدون تلك الأطراف الثلاث لن يتمكن من تمرير التعديل الدستوري المرتقب والبقاء في السلطة.

 

لا يعرف أحد على وجه التحديد عدد ومحتوى المواد الدستورية المراد تعديلها وتقييفها لتناسب مقاس الجنرال، لكن من المؤكد وحسب كل المؤشرات والدلائل أنه يسعى وبكل قوة لتمريرها قبل أن تنتهى ولاية الرئيس الأمريكي ترامب
لا يعرف أحد على وجه التحديد عدد ومحتوى المواد الدستورية المراد تعديلها وتقييفها لتناسب مقاس الجنرال، لكن من المؤكد وحسب كل المؤشرات والدلائل أنه يسعى وبكل قوة لتمريرها قبل أن تنتهى ولاية الرئيس الأمريكي ترامب
 

وكانت قد كشفت في وقت سابق عدة مصادر برلمانية ومواقع إخبارية أن اجتماعات شبه يومية تجري منذ فترة على قدم وساق بين مبنى المخابرات العامة في كوبري القبة وقصر الاتحادية الرئاسي بمصر الجديدة من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التي سيتم تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء، وترجح تلك المصادر أن حكومة الانقلاب تخطط لإقرار التعديلات الدستورية خلال النصف الأول من العام المقبل.

 

وتجمع المصادر نفسها على أن "محمود السيسي" نجل الجنرال والذي يحظى بوضع مميز داخل جهاز المخابرات العامة هو من يدير بنفسه هذه الاجتماعات تحت إشراف ومتابعة يومية من مدير الجهاز اللواء "عباس كامل" الذي شارك أيضًا بشخصه في بعض هذه الاجتماعات، في ظل أخبار متداولة عن مقترح لوضع مادة انتقالية في منتهى الخطورة في الدستور تنص على إنشاء ما يسمى "المجلس الأعلى لحماية الدستور" تكون له صلاحيات واسعة في الحفاظ على "هوية الدولة" وحماية الأمن القومي للبلاد في حال تولي قيادة سياسية جديدة ويتولى السيسي رئاسته بنفسه مدى الحياة سواءًا كان لا يزال في السلطة أو تركها في ما يشبه تحصين السيسي لنفسه تحت كافة الاحتمالات حتى الأسوأ منها.

لا يعرف أحد على وجه التحديد عدد ومحتوى المواد الدستورية المراد تعديلها وتقييفها لتناسب مقاس الجنرال، لكن من المؤكد وحسب كل المؤشرات والدلائل أنه يسعى وبكل قوة لتمريرها قبل أن تنتهى ولاية الرئيس الأمريكي ترامب والدورة الحالية لمجلس النواب المصري والذي ينتوي السيسي تقليص عدد أعضاءه بأكثر من الثلث حسب الكثير من المصادر والمؤشرات، ومن المؤكد أيضًا أن مصر ستشهد في الفترة القادمة المزيد من قنابل الدخان والأحداث المفتعلة والفتاوى المثيرة للجدل بكافة أنواعها ليتم تحت رياح وغبار صراعاتها المتشعبة تعديل الدستور ليتمكن السيسي من البقاء في سدة الحكم وإكمال المطلوب منه لسداد فاتورة انقلابه وليغلق تمامًا ملف الدستور وسنينه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.