شعار قسم مدونات

النجاح عبر التنمية البشرية.. أبيع الوهم فمن يشتري؟!

blogs تنمية بشرية

ما تراه دائما ليس هو الحقيقة وما يخيل لك أنه الوصفة السحرية للوصول لما تبتغيه وتتمناه قد لا يكون سوى سم على هيئة دواء، وهم مرصع بالكذب ومزخرف بكل أنواع الخداع والدجل. لا يغرنك بريق الظاهر فبعض الوهج يخفي خلف ستائره الكثير من السوء والخبث. ولأن المال كان دائما الغاية الأسمى للبعض في هذه الحياة، بغض النظر عن مدى توافق طرق كسبه مع المبادئ والأخلاقيات، فقد اختارت زمرة منهم امتهان "بيع الوهم" بأغلى الأسعار بدل بيع الملابس ومواد التجميل والأجهزة الإلكترونية.. تجارة مربحة، بضاعة مطلوبة على مدار السنة وسوق لا تعرف للركود سبيلا.

لعل أول من تبادر إلى ذهنك هم العرافون والمشعوذون، أي الفئة التقليدية من بائعي الوهم، من يتغذون على قلة الوعي وغياب الوازع الديني أو اختلاله. حل مشكلة، الشفاء من مرض أو إلحاق الضرر بشخص معين، كلها مطالب تتلاشى مع انتهاء حصة الدجل والشعوذة ولا يبقى سوى هالة من الأكاذيب تحيط بصاحبها وتمنع قلبه وعقله من إبصار الحقيقة.. حقيقة أن لا أمر إلا بإذن الله عز وجل وأنهم لو كانوا يملكون كل تلك القدرات الخارقة لنفعوا أنفسهم أولا، غير أنهم لا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا.

ثم نجد صنفا آخر من عارضي الوهم، صنف يتكاثر بشكل ملحوظ قبل الانتخابات ويندثر مباشرة بعد لحظة الفوز، هم ووعودهم وشعاراتهم على أمل رؤيتهم مجددا في الانتخابات المقبلة. أصحاب البذل الأنيقة والخطابات المنمقة، من يقرؤون ما لا يكتبون ويقولون ما لا يفعلون ويعدون ولا يوفون. وفي آخر المطاف، لا متضرر سوى مواطن يبحث عن بصيص أمل بين جدران وطنه، فيشتري مقابل الإدلاء بصوته وهم تغيير الأوضاع نحو الأفضل: مستشفيات بالمجان، حل أزمة الاكتظاظ في وسائل النقل العمومي، كهرباء طيلة اليوم، لا انقطاع للمياه، إصلاح التعليم، التنقل بأمان.

 

تجار الوهم ينطبق عليهم المثل القائل "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا" فبضاعتهم فاسدة لا نفع فيها لكنهم يحسنون الترويج لها في وسط مناسب لتصديق الأفكار الكاذبة والشعارات الفارغة

والذي يحز في الخاطر، أن كل ما ذكر سابقا يعتبر حقوقا أساسية يجب أن يتمتع بها كل فرد من أجل ضمان عيش كريم له وهو حال البلدان التي تحترم شعوبها، إلا أن المسؤولين بالعالم الثالث يجعلونها أحلاما وغايات لا تدرك وأحيانا أوهاما يستحيل رؤيتها على أرض الواقع. وهناك أيضا نوع فريد من بائعي الوهم وهو الأكثر طلبا في سوق الشغل بل أصبح موضة العصر ومهنة من لا مهنة له، ذلك النوع الذي يتفنن ويبدع في وضع عناوين الكتب والمحاضرات: كيف تملك ثروة دونالد ترامب بدون معلم؟ سبع خطوات لاحتلال كوكب زحل، تعلم اللغة الصينية في عشر دقائق، كيف تحصل على شهادة الدكتوراه بالوقوف أمام المرآة؟ وغيرها من الجمل التافهة حد الاستفزاز.

 

نعم إنهم علماء التنمية البشرية وتحرير قوى العقل الباطن وتطبيق قوانين الدفع والجذب وأخص بالذكر من يتعاملون مع هذه المفاهيم بشكل سطحي ويروِّجون لتلك الأفكار على أنها مصباح علاء الدين السحري. أذكر مقولة ساخرة للدكتور أحمد خالد توفيق: "الطريقة الوحيدة للنجاح عبر التنمية البشرية هي أن تصبح مدربًا للتنمية البشرية" فأن تقف أمام المرآة سبع مرات في اليوم وتردد: "سأسدد ديوني وأصبح مليونيرا" ثم تعود إلى النوم لن يغير من الواقع شيئا، أن تركز ذهنيا على أمر ما لا يعني أن تقضي الأسبوع كاملا مستلقيا على الأريكة تفكر في حلاوة الإحساس بتحقيقه.. لا وجود لقفز خارق من الفشل إلى أعلى مراتب النجاح فقط بعد قراءة كتاب أو الانصات لمحاضرة؛ يمكن أن يكون تحفيزا وجرعة من الحماس غالبا ما يختفي بريقها بعد ساعات أو أيام، لكن الوصول إلى الهدف يحتاج دراسة وتخطيطا عملا وإخلاصا ومثابرة، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ولا حتى رغيفا.

دون أن ننسى ذكر فرقة أخرى وهم رواد مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا مستعملو فايسبوك وانستغرام، ممن ينفقون طاقة هائلة في تحديد قالب واحد ووحيد للسعادة المهنية والزوجية والتحرر والجمال والثقافة: كوب قهوة، عدسات من ماركة مشهورة، عطلة بجزر المالديف، ملابس من جلد التمساح، روايات رومانسية وضحكات مزيفة. ومع كل نقرة إعجاب وضغط زر مشاركة تدوينة أو صورة، يزداد عدد المستهلكين لوهم المثالية والحياة الوردية الخالية من العقبات والمطبات.. حياة لا وجود لها بمجرد تسجيل الخروج من هذا العالم الافتراضي والعودة إلى الواقع.

والخلاصة أن تجار الوهم ينطبق عليهم المثل القائل "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا" فبضاعتهم فاسدة لا نفع فيها لكنهم يحسنون الترويج لها في وسط مناسب لتصديق الأفكار الكاذبة والشعارات الفارغة. حين تقف أمام أحدهم أو خلف شاشة عرض منتجاته، تخيله وهو يطرح عليك السؤال التالي: أبيع الوهم فهل تشتري؟ طبعا لك حق الرفض أو القبول ما دمت واعيا مسؤولا عن أفعالك، ولكن تذكر أنها صفقة خاسرة منذ البداية ولا تزيد الطين إلا بلة، فلا تكن كالمستجير من الرمضاء بالنار بل ابحث عن الدواء المناسب لدائك والطريق الصحيح لنيل مبتغاك وإن صعب المسير وإياك ومسلك الوهم فأوله حلو وآخره علقم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.