شعار قسم مدونات

للمصري فقط.. استعد ثقتك بنفسك بهذه الطريقة

blogs ثورة يناير

كنت أتابع مباراة منتخب مصر ومنتخب البرازيل بأحد "الكافيهات" بشارع جامعة الدول العربية عام 2010 في كأس القارات ورأيت كيف حول المصريين تأخرهم 3/1 إلى تعادل مُثير جعل منتخب البرازيل يصاب بارتباك وكأنه تجمد في الملعب من فرط الصدمة، وعند هذه المرحلة من المباراة فكر كل لاعب مصري – وفق اعتقادي – أن أندية العالم كله دون شك تتابع أداءه الآن باهتمام ولعلها فرصة كي يستعرض مهاراته الفردية لعله يحصل على عقد في نادٍ كبير حيث يتم صرف الراتب الضخم كل أسبوع. وبكل أسف قبل نهاية المباراة أدرك منتخب البرازيل أنه استسلم للخصم الخطأ وشن هجمة منظمة انتهت بركلة جزاء "المحمدي" الشهيرة ليفوز 4/3، ولم يحصل لاعب مصري واحد على عقد احتراف استثنائي بسبب أن المباراة انتهت كما توقع العالم كله بفوز منتخب البرازيل، بمعنى أن كل المهارات الفردية الاستثنائية التي كان يتملكها المصريون حينها والتي زلزلت الأرض من تحت أقدام "كاكا" ورفاقه، لم تستطع تحقيق المفاجأة وقلب الموازين الكروية، وانتهت مغامرة المنتخب حينها بهزيمة مهينة من المنتخب الأمريكي 3/صفر، وكالعادة "هارد لك" للمنتخب المصري، تمثيل مشرف!

والحق أقول لكم أني همست حينها في أذن صديق متحمس كان يجلس بجواري قائلا: لا تظن أننا سنحرز الهدف الرابع ونفوز لأننا لا نملك ثقافة الفوز ونعاني من أزمة ثقة في عملنا كمجموعة منذ نكسة 67. والحق أقول لكم أيضا أني أزعم أني أستطيع فهم خصائص بعض الشعوب من متابعة منتخباتها الرياضية، فالألمان يقاتلون حتى اللحظة الأخيرة دون يأس أو تراخي، ولا عجب وهو الشعب الذي رفع نساءه تريليونات الأطنان من الركام بعد الحرب العالمية الثانية وهن يتعرضن لاغتصاب ممنهج من القوات السوفيتية حتى يبين بلادهن من جديد، في الوقت الذي دُفع فيه رجال ألمانيا للعمل في دول الحلفاء لإعادة بناء ما هدمه "هتلر". سيناريو مباراة البرازيل هو نفسه سيناريو ثورة يناير، حين زلزلنا عرش النظام العسكري في مصر وأبهرنا العالم، فباتوا يتساءلون في دهشة: كيف اتحد الإخواني مع السلفي، والعلماني مع الليبرالي، ابن الذوات مع البائع الجائل، خريج الـــ AUC مع خريج المعهد الصحي، كيف قام القبطي بصب الماء حتى يتوضأ المسلم، والجميع يهتفون ارحل! أما الهتاف الأهم فكان: ارفع راسك فوق أنت مصري.

ذلك لأن العسكر عملوا ويعملوا بدأب على خفض معنوياتك وتحطيم ثقتك بنفسك كشعب، وأيضا لخفض سقف توقعاتك بشأن المستقبل حتى لا تحلم بحقك الطبيعي في الحياة كإنسان كرمه خالقه، وتستسلم لجدار خوف ويأس يبقيهم في مقعد القراصنة الذي يحلبون خيرات بلد هي الأغنى والأهم في العالم، بينما تترك أنت وأولادك للثلاثية الشهيرة المزمنة، الفقر والجهل والمرض! بعد 18 يوم في ميدان التحرير فقدنا ثقتنا – لأسباب يطول شرحها الآن – في قدرتنا على العمل الجماعي وتحقيق الانتصار، فبات كل فصيل يفكر بنفس الأسلوب الذي فكر فيه لاعبي المنتخب عام 2010، عقد احتراف خاص به في نادٍ كبير، أو ميزة سياسية من العسكر تتبعها ميزة اقتصادية لي وللفصيل الذي انتمي إليه، وهكذا استطاع العسكر إحراز هدف الفوز الحاسم حتى الآن عام 2013.

توقف أن تمنح ثقتك فقط في قدراتك الذاتية، وابذل ثقتك للمجموعة الصالحة بل ساهم في بنائها، فتأثير حركة الجمهور كما وضح الفيلسوف والمفكر السياسي
توقف أن تمنح ثقتك فقط في قدراتك الذاتية، وابذل ثقتك للمجموعة الصالحة بل ساهم في بنائها، فتأثير حركة الجمهور كما وضح الفيلسوف والمفكر السياسي "جوستاف لوبان" يعدل من قدرات الفرد ويهذبها ويطورها

إن ميراث طويل من العمل في السخرة، ثم العمل لدى الكفيل في الخليج جعل المصري بصفة عامة يفقد الثقة في نفسه، والأهم أنه فاقد للثقة في العمل الجماعي لأنه تعود "جينيا" أن عائدات العمل الجماعي لا تعود إليه، أو بمعنى أدق، نصيبه منها هو فقط ما يستطيع تحقيقه بنفسه لنفسه، على الرغم من أن القاعدة الأساسية تؤكد أنه بقدر ما تحققه الجماعة من نجاحات بقدر ما تتحقق رفاهة الفرد أو الفصيل، حتى الأقل مهارة وموهبة منهم ولا تظنوا أن جميع الفرنسيين عباقرة أو عمال مهرة أو مروضي التكنولوجيا الحديثة أو يعلمون قصة الدنيا منذ آدم وحتى عصر السترات الصفراء .

فالذي رفع ركام مدن ألمانية هدمتها طائرات الحلفاء بالكامل لم تكن امرأة واحدة، أو جماعة الأخوات الألمانيات فقط، أو زوجات فلول الجيش النازي، أو بنات الرايخ الرابع، حقيقة الأمر أن بنات ألمانيا كلهن وثقن في قدرتهن على تحقيق هذا الإنجاز المبهر دون آلات حديثة (المعول والمقطف وعربة اليد فقط) ولولا ثقتهن في قدرتهن جميعا على تحقيق ذلك ربما بقيت آثار الهدم حتى الآن – لا تعجب فألغام الحرب العالمية الثانية مازالت موجودة حتى هذه اللحظة تحرم مصر من مساحات شاسعة من الأرض المنبسطة القريبة من المتوسط -. إن الثقة التي يحتاجها المصري حتى يستطيع الخروج من الكابوس الذي يعيش فيه هي ثقة في قدرة الجماعة على استكمال شرارة ثورة تطهير مصر لا أقول التي انطلقت عام 1919 ولم تستكمل حتى اليوم، بل التي انطلقت لتواجه الفرنسيين عام 1798، وأعوانهم من عائلات زرعت في مصر لتخون شعبها!

نعم هناك سلسال من أبناء العملاء المزروعين بيننا والذين جلبوا لتخريب الشعب المصري وتغيير عاداته منذ أكثر من قرنين من الزمان، ولكن أيضا هناك عشرات الملايين من المصريين الذين يعلمون أن هاجر المصرية هي أم العرب، وأن المصريين في معظمهم بالأساس نسل قبائل رحلت إلى وادي النيل قادمة من اليمن وبعضها من الصومال، وأن الإسلام هو هوية مصر ولا هوية لها سواه فلسنا في حاجة للبحث عن هوية، أو أن ننسب أنفسنا لفراعنة نصبوا أنفسهم آلهة فوق البشر وانتهت حضارتهم رغم آثارها المدهشة بهزائم وفناء تام وذوبان سريع في المحتل وثقافته ولغته رغم إنجازاتها العلمية والفنية!

إذن عزيزي المصري، توقف أن تمنح ثقتك فقط في قدراتك الذاتية، وابذل ثقتك للمجموعة الصالحة بل ساهم في بنائها، فتأثير حركة الجمهور كما وضح الفيلسوف والمفكر السياسي "جوستاف لوبان" يعدل من قدرات الفرد ويهذبها ويطورها، وليس أدل على ذلك من قيامنا بتنظيف ميدان التحرير حين تحركنا بداخلة كجماعة من الجمهور وهو السلوك المتحضر الذي تفتقده كل شوارع مصر منذ تلك اللحظة المضيئة. ويد الله مع الجماعة، هكذا أخبرنا إسلامنا قبل "لوبان" بقرون طويلة، فهمناها قديما ولكننا بحاجة أن نعيد قراءة الآيات والأحاديث التي ترغبنا في بناء الجماعة المتراصة الصفوف وفهمها من جديد، فهذا هو الحل الوحيد المتجدد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.