شعار قسم مدونات

وقرّي عينا يا مريم.. فالقراءة مستشفى العقول!

blogs مريم أمجون

كما تنسج الشمس أشعتها الذهبية بين خيوط الفجر، تأتى لمريم ما كانت تتمنى، بفضل القراءة فقط ولا شيء غيرها، دعتها ب "مستشفى العقول" عبارة كانت الأقرب إلى معنى المعالجة بالملاحظة الدقيقة، الوصف، التفسير ثم التأويل، في مختبر التجارب الحياتية ينصهر مفهوم العلم ليجمع بين مختلف التوجهات من علوم إنسانية وآداب وفنون إلى العلوم الحقة. من هذا البستان نهلت زمردتنا "مريم أمجون" الطفلة المغربية المفكرة ذات الثمان سنوات، المقتدرة، القدوة في أدبها، شموخها الذي اختزلت دمعته فرحا أشبه بالحقيقة منه إلى الخيال، بخطوات ثابتة واثقة، مؤمنة بقدرة الطفولة على الانتصار على الجهل بالرغبة الجامحة في القراءة، بحب، بشغف وبفضول أيضا.

التحديات العظيمة تنسج في الظل، كرطب يطيب على مهل بين أحضان صحراء اعتاد سعف نخيلها على الصبر، صبر جميل متأن، كذلك الذي تربت عليه صغيرة أزهرت أحلاما على شاكلة كتاب غير مفتوح، مشكل كباقة ورود من كل الفنون والعبر، نستقي منها عمقا متجذرا، متجددا في قلب طفولة اعتادت على التنزه في رياحين الكلم، راسمة أفق مستقبل واعد ينذر بغد مشرق عنوانه: "أنا أقرأ إذن أنا موجود". لعل التحدي الحقيقي الذي علمتنا إياه مريم، أن نتحدى القدرات النمائية أيضا، فالنبوغ ليس بالذكاء فقط، وإنما في اكتشاف ملكات حان قطافها، عند انبثاق أول نبيتة، في بداية الشتاء، قرابة الربيع بقليل، حين تقرر الآمال الإزهار، بقوة الإرادة، وليس بانتصاف الأعمار.

هي فازت على ذاتها، في تحد لعمرها العقلي والجسدي، منحتنا درسا في التجربة الإنسانية مفاده أننا نستطيع إن أردنا على اختلاف أعمارنا، مستوياتنا الفكرية، وضعياتنا الاجتماعية، أن ننضج بتخط صارخ للزمن، لمنطق السن والجنس والانتماء، توحدنا القراءة فقط، لأنها تعيد بناء الإنسان وفق ما منحها من محبة ووقت واهتمام، في المقابل تمنحه أكثر مما يتوقع بكثير، حب وتقدير العالم أجمع، بشرط أن يقدر هو ذاته، ويثق في قدرة المعرفة في شموليتها على التغيير الجذري في شخصية الناشئة، تلك التي تنشد غذا يقيم فيه المرء بمعارفه، وليس بشكله ومظهره، مهما كان عمره، وكيفما كانت ظروفه.

 

فليحذو الصغار في ربوع الوطن العربي حذوك، وليكونوا قدوة في الوعي الشقي بأننا في حاجة إلى الارتقاء بذواتنا أولا، عن طريق المعرفة، اهدينا إلى عمق ينهل من الجوهر

الكل سيان أمام قدرة القراءة العجيبة على تغذية العقول برقي الوعي بأن ما نملكه رهين بما نختزنه من قدرات تحليلية تفسيرية تعيد تشكيل عالم يحمل بصمة تصور طفولي أكثر نضجا وواقعية مما توقعناه أو تخيلنا حدوثه في غفلة من رتابة مهينة لقدرة الطفولة على التميز برغبة واعية، عن قناعة ومواظبة على فعل القراءة ليس لأنها تطرد الجهل والبلادة على رأي "مريم" ولكن لأنها سبيل الارتقاء بالفكر إلى درجة تبني المواقف والدفاع عنها انطلاقا من الغوص في حيوات أخرى تشبه في تفاصيلها ومشاقها مغامرات نعيشها في خيال خصب ينهل من الواقع ويحرر العقول من التقوقع في الزمان إلى العبور عبر قارات ومدن وأزمنة شتى في العلوم والأدب والموسيقى والفن، في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم.

اقرئي يا مريم وقري عينا، فأول آية نزلت تأمر بالقراءة، لأنها سبيل النجاة من براثن الجهل، فليحذو الصغار في ربوع الوطن العربي حذوك، وليكونوا قدوة في الوعي الشقي بأننا في حاجة إلى الارتقاء بذواتنا أولا، عن طريق المعرفة، هدينا إلى عمق ينهل من الجوهر، فقد طغى المظهر على حياتنا حتى أنسانا فعلا من نكون، أمة اقرأ التي باتت لا تقرأ، حيث طغت الآلة على الكتاب، حتى أوشك على الانحلال في عتمة الإهمال.

 

على أمل انفراج أسارير الانتظار بفرحة معجزة تشبه الحلم وتتخطى الحقيقة بكثير، في جمالية لحظاتها حين تختزل في كلمات موزونة وفصاحة لسان مبهرة، وجمال روح فتية تنشر السعادة بتلقائية الطفولة ونضج التحدي في إعادة الاعتبار إلى كتاب كان ولا يزال خير صديق وأنيس ورافع شأن الأمم إلى مراتب الشرف والرفعة بتهذيب العقول والسمو بالأخلاق إلى الإنسانية في أروع تجلياتها، إلى طفولة واعية بدورها مقبلة على الحياة بتحد يضاهي تحدي القراءة العربي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.